طالب عبد العزيز
عبر الازمنة كلها وفي كل بلاد وصقع وحكْم، ومن بين فئات المجتمع هناك فئة (باغية) هي العارفة، والأمينة، والمخلصة، والقادرة على صنع ما هو افضل، لكنها محارَبةٌ ومستثناة من المشورة والحكم دائماً، ولا يؤخذ برأيها، ويتحرك التاريخُ بغير مشيئتها، وتساس البلدان خارج إرادتها،
لذا، فهي مصدر قلق دائم للسلطات، مثلما هي مدعاة مستترة للثورة، وقنبلة موقوتة بيد أفرادها، وكثيراً ما تستعارأداتها من طارئين وناقمين وطامعين، وهذا ما نجده في الثورات الحقيقية، التي غالباً ما تسرق من أصحاب الفئة (الباغية) تلك.
وعلى سبيل المثال، فأنَّ المؤرخين يجمعون على حق البيت العلوي في الحكم بعد محمد، مثلما يجمعون على انتفاخ الثورة ضد الامير والحاكم بسبب الحق ذاك، وبنظر الامير والخليفة والعامة ايضاً سيكون أصحاب البيت بغاةً، الامر الذي كان يتفاداه هؤلاء الحكام والامراء بالقوة والبطش والتنكيل، لذا، وجدنا بينهم من خضع واستكان واستسلم، ومن ثار وقاتل وقُتل، لكنَّ الناقمين والطامعين وعلى عهدنا بالتاريخ ظلوا يتنفسون الحلم بالسلطة، عبر الحقيقة التاريخية هذه، حقيقة إخلاص وقدرة الفئة الباغية هذه على الاتيان بما هو افضل وتحقيق المراد المنشود عند الجماعة، لكنَّها ظلت عائمة في الزمن، تعيش على على سطح تطلعاتها، دون أن يؤخذ بيدها الى الصلاح والتغيير وما يتحقق عن ذلك.
أشهدُ أنَّ الكثير من ابناء الفئة(الباغية) هذه مازالوا بيننا، يصارعون أفكارهم واخلاصهم ومقدرتهم على التغيير وصنع المستقبل، وهم على بينه تامة بما يحدث من سوء، وأنَّ القائمين على شأن البلاد إنما يعبثون بجهلهم وعمالتهم، وأن مجمل ما يرتكب من اخطاء هو نتيجة قاطعة للادارة السيئة، وغير المسؤولة.. ومع ذلك تتجاهل الحكومات المتعاقبة منذ تاسيس الدولة العراقية الى اليوم حقيقة وجوهر الفئة العظيمة تلك، حتى أننا نقطع بأنَّ عصيان الجماعات والثورات الناقمة على الحكم ما كان لها أن تكون لو أنَّ القائمين على أمر البلاد أخذوا بما تفكر وتعمل عليه رجالات الفئة هذه.
أنا واحد في مجموعة بإسم (لقاء البصرة) هي فئة باغية من وجهة نظر الحكومة، إذْ، ليس فيهم من لا يذوب عشقاً في العراق، والتطلع الى رؤيته سليما معافى، وخال من التشدد والكراهية، وعامراً باقتصاده، ومنتفعا بخيراته، وضامنا لمستقبل ابنائه، بينهم الوزير السابق والبرلماني الشريف والعالم الكبير والاقتصادي والطبيب والمهندس والاكاديمي والكاتب والفنان وو وكلهم يتحرق لفرصة ما في تقديم مشروعه، والاخذ بيده، والوثوق منه، ليس بينهم من يفكر بمصلحة شخصية، أو مستأثراً بوظيفة، ولا طامعاً بمنصب، ما ينشدونه هو أن يكون لهم وطنٌ يتشرفون به، ويتشرف بهم، يتمتع شعبه بسمعة طيبة بين الشعوب، ويتمتع مواطنوه بحقهم في المواطنة، بعيداً عن الطائفية والمحاصصة والنفعية لكنْهم في وادي النأي والغربات متطلعون والحكومة سادرةٌ في قيعة الجهل والتخريب.
أيصحُّ أنْ نسمي أصحاب الفئة هذه بـ (الباغية) مع يقيننا بانحراف الدلالة المعجمية هنا، فمن هم البغاة؟ ومتى كان خروج أصحاب الحقوق والمنصفين والمخلصين والصالحين بغياً على الحاكم الظالم الفاسد، ويقيننا قاطع بأنَّ الحكام والامراء العرب كانوا بغاةً، وعلى مرِّ التاريخ. سنكون بحاجة الى تخليص اللغة من آثامها، فالبغي في اللغة والقرآن تعني الظلم وتجاوز الحد، وهي جنس من الفساد(لقد ابتغوا الفتنة من قبل) وبذلك سيكون كل طلاب الحق ومناهضة الظلم والخارجين على الحاكم الظالم بغاة في نظر اللغة والتشريع!! يا لها من لغة وسنن وشرائع تعمل على حماية الظالم وتجرّم المفكر والمخلص والوطني.