اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > اقتصاد > رؤية اقتصادية: شروط صندوق النقد الدولي وتبعاتها على الاقتصاديات النامية

رؤية اقتصادية: شروط صندوق النقد الدولي وتبعاتها على الاقتصاديات النامية

نشر في: 4 ديسمبر, 2012: 08:00 م

يفرض صندوق النقد الدولي شروطا قاسية على البلدان التي تتقدم لطلب القروض ويلزمها بتنفيذ وصفة الإصلاح الاقتصادي التي هي عبارة عن حزمة من الإجراءات الاقتصادية والسياسية المخلة بالمصالح الوطنية والتي تؤدي إلى ارتهان إرادة البلدان المقترضة إلى مشيئة البلدان والمؤسسات الدولية الدائنة. 

إن شروط صندوق النقد الدولي لها تداعيات خطرة فهي تؤدي في النهاية الى إفقار البلدان النامية المقترضة وتجعلها تدور في حلقة مفرغة وفي   فلك البلدان الرأسمالية. إن الشروط التي يفرضها  صندوق النقد الدولي على البلدان المدينة  تتلخص في:

أ- على صعيد السياسة الاستثمارية فان شروط صندوق النقد تتحدد في:

1- خصخصة القطاع العام وإعطاء الدور الأساسي في النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص.

2- إصدار القوانين التي تضمن مصالح القطاع الخاص المحلي والأجنبي .

3- إعفاء الشركات الأجنبية من الضرائب والرسوم .

4- منح الحق  للشركات الأجنبية العاملة في تحويل إرباحها ومستحقات منتسبيها من العاملين بالنقد الأجنبي إلى الخارج .

ومحصلة هذه الإجراءات هو الضغط على الفئات الفقيرة ونمو الاستهلاك الترفي من النمط الغربي .

ب - على صعيد التجارة الخارجية يحدد صندوق النقد  شروطه في :

1- دعم نشاط القطاع الخاص وتهيئة كافة الفرص المناسبة لنشاطه.

2- إلغاء القيود المفروضة على الصادرات والواردات السلعية.

3- إلغاء نظام الرقابة على النقد الأجنبي وتطبيق سياسة السوق المفتوحة.

4- تخفيض قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية.

وتهدف هذه الإجراءات إلى تخلي الدولة عن حماية منتجاتها الوطنية وفرض نمط التجارة الحرة وخلق الظروف الموضوعية للفئات الطفيلية في تحقيق المزيد من الإرباح والاستغلال.

ج- على صعيد الإنفاق القومي تتلخص شروط صندوق النقد في :

1- إلغاء الدعم الحكومي للسلع التموينية الضرورية لحياة الناس.

2- زيادة الضرائب على السلع المختلفة وزيادة أسعار الماء والكهرباء وخدمات الصحة والتعليم والنقل وما شابه ذلك من الخدمات .

3- رفع أسعار منتجات القطاع العام وتقليص دوره في التنمية الاقتصادية.

4- تخفيض الإنفاق الحكومي الجاري وإيقاف التعيينات في قطاعات الدولة.

لا دعم للسلع الضرورية!

ونستنتج من هذه الإجراءات أن النهج الذي يتبناه صندوق النقد الدولي على صعيد الاستدانة الخارجية يجبر البلدان المدينة على التخلي عن الدعم المالي للسلع الضرورية في حياة المواطنين كالخبز والرز والذرة والشاي والسكر والزيت والمشتقات النفطية وغير ذلك من السلع التي تشكل القوت اليومي للناس. ويلزمها بتخفيض عملتها النقدية مقابل العملات الأجنبية كي تصبح المواد الخام والسلع الأخرى المصدرة الى الخارج باقل ثمن. كما يلزم البلدان المقترضة بتقليص الإنفاق على القطاعات الخدمية كالصحة والتعليم والإسكان والضمان الاجتماعي. وبالمقابل يطالب صندوق النقد الدولي البلدان المدينة بزيادة الضرائب على الخدمات اليومية كالماء والكهرباء والنقل والاتصالات وما شابهها . 

إن السياسات التي يتبناها صندوق النقد الدولي تهدف إلى تحويل البلدان المقترضة إلى أسواق مفتوحة لتصريف البضائع الرأسمالية بأسعار عالية وتخلق الظروف الموضوعية لتحويل الاقتصاد القائم على التخطيط والتوجيه المركزي إلى اقتصاد سوق  رأسمالي تعبث به الرأسمالية المتوحشة التي لا تعرف سوى المزيد من الإرباح الجشعة .

فالإصلاحات التي يفرضها صندوق النقد الدولي على البلدان المدينة لا تتلاءم مع بيئتها الاقتصادية وهي في الغالب غير قابلة للتطبيق ولهذا فشلت مشاريع التنمية وازدادت مشاكل البلدان الاقتصادية والمالية.

فقد طبقت إصلاحات الصندوق في أمريكا اللاتينية ومنها الأرجنتين والبرازيل وشيلي إلا إن الديون الخارجية  لهذه البلدان ازدادت بنسبة 38,69% بين عام 1960 و1983 . وأدت الإصلاحات التي نفذتها الأرجنتين إلى ارتفاع الضرائب والبطالة بنسبة 30%، وسيطرة الشركات الأجنبية على البنوك الوطنية وانتهى الأمر بانهيار اقتصادي في عام    2000.(1)

تعميق الأزمة

في اليونان أدى تطبيق وصفة صندوق النقد الدولي وبرامج  التقشف لمعالجة أزمة ديون اليونان الخارجية إلى تعميق الأزمة الاقتصادية والمالية والى إعلان اليونان إفلاسه وعجزه عن الوفاء بخدمات ديونه الخارجية  وانهيار اقتصاده  . فقد  ارتفع حجم الدين الخارجي  بين  سنوات  2004 - 2009  إلى أكثر من 70 مليار يورو.  وتشير الإحصاءات الرسمية الى ان حجم الدين الخارجي الحقيقي هو 300 مليار يورو. غير أن اللجنة المستقلة التي شكلتها الحكومة الاشتراكية للتحقق من حجم مديونية اليونان الخارجية أعلنت أن الديون الخارجية قد تصل إلى أكثر من تريليون يورو. وتتضح معالم الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف باليونان عند مقارنة حجم الدين الخارجي مع الدخل القومي الإجمالي البالغ 260 مليار يورو في العام  2009.  فارتفعت  نسبة الدين الخارجي إلى الدخل القومي الإجمالي 400% بافتراض أن حجم  الدين العام 948 مليار يورو. (2) ويتوقع ان تؤدي الإجراءات التقشفية التي اعلنتها الحكومة اليونانية الى تراجع الدين الخارجي الى 500 مليار يورو وبلوغ  أعبائه السنوية نحو 22 مليار يورو.

ونستنتج من ذلك أن الاقتصاد اليوناني في حالة انهيار بسبب ما يعانيه من عجز دائم واقتراض خارجي وداخلي. فالعجز الدائم  في الموازنة يدفع باستمرار الى  الاقتراض الخارجي .  ان حزمة الإنقاذ المالي  التي قدمها الاتحاد الأوربي  الى اليونان مشروطة بتنفيذ الإجراءات التقشفية و منها إعفاء 150,000 موظف  من العاملين في  القطاع العام  وخفض الأجور و المرتبات ومعاشات التقاعد  ورفع سن التقاعد وزيادة  ضريبة الدخل والضريبة على السلع  ودمج أو حل العديد من مؤسسات القطاع العام  في سبيل  خفض الإنفاق القومي. وبذلك يمكن القول إن تلك الخطة هي عقوبة للشعب اليوناني وابعد ما تكون خطة للإنقاذ للخروج من نفق الأزمة المستحكمة.

انهيار العديد من المؤسسات

وقد  أدت إجراءات التقشف التي نفذتها اليونان  إلى انهيار العديد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والى إضعاف قدرة الدولة وفاعليتها.  فقد ارتفع عدد العاطلين عن العمل إلى أكثر من مليون شخص وتدهور النمو الاقتصادي إلى الصفر مما أدى الى تدني القدرة التنافسية للسلع اليونانية وتخفيض الأجور والرواتب  ورفع نسبة الضرائب وانعكس ذلك   سلبا على المستويات المعيشية وأصيب الاقتصاد بالركود والتضخم والكساد. كما أدت خطة التقشف إلى خروج العديد من الشركات الأجنبية واليونانية إلى دول أخرى كبلغاريا ورومانيا. وهروب رؤوس أموال تقدر بأكثر من 90 مليار يورو وحوالي 600 مليار يورو إلى البنوك السويسرية وتسبب ذلك في  زيادة النقص الحاد في السيولة النقدية والعجز في عمليات الإقراض والتمويل الداخلي. فالتدهور في الأحوال الاقتصادية والمعيشية دفع عدد كبير من الكفاءات اليونانية  للهجرة إلى الخارج للبحث عن العمل والاستقرار، و  بلغ عدد الكفاءات المهاجرة الى المانيا وحدها اكثر من  23 ألف شخص من الكفاءات المختلفة   بالإضافة الى الكفاءات المهاجرة  الى أستراليا ودول أوروبية أخرى.

ونستنتج من ذلك ان إجراءات صندوق النقد الدولي لإنقاذ اليونان  أدت إلى تعميق الأزمة المالية والاقتصادية  وتعقيدها ، و إلى انهيار الاقتصاد اليوناني.

خصخصة القطاع العام

وبالنسبة إلى العراق فان الإصلاحات التي دشنتها الحكومة العراقية  برفع الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية وتخفيض مفردات البطاقة التموينية من 12 سلعة جيدة إلى 4 سلع رديئة وانتظار الفرصة الملائمة لإلغاء البطاقة التموينية كليا والانتقال بهدوء إلى خصخصة القطاع العام فان هذه الإجراءات المضرة بمصالح المجتمع احد شروط صندوق النقد الدولي لتخفيض ديون العراق الخارجية 80%. وسوف يتوقف تخفيض هذه النسبة من ديون العراق الخارجية على مدى التزام العراق وجديته في تنفيذ الإجراءات التي تضمنتها  وصفة صندوق النقد الدولي.

إن حزمة الإجراءات والتشريعات التي أصدرتها الحكومة العراقية  هي لخدمة هذا التوجه والتي أدت إلى ارتفاع أسعار المشتقات النفطية والسلع الغذائية والخدمية بنسب متفاوتة.  فارتفع سعر اللتر من البنزين من 20 ديناراً إلى 450 ديناراً، وما زال صندوق النقد الدولي يطالب برفع سعر اللتر إلى  750 ديناراً. كما ألزم صندوق النقد الدولي الحكومة العراقية بخفض الإنفاق الحكومي في الموازنة العامة وأسفر ذلك عن عدم ايلاء أي اهتمام بالأحوال المعيشية للطبقات الفقيرة والمسحوقة بما فيها فئة المتقاعدين مقابل الإنفاق الكبير على الأجهزة الاستهلاكية.

انتعاش الفساد المالي والإداري

كما أدت هذه الإجراءات إلى انتعاش الفساد المالي والإداري وزيادة نسب البطالة واستمرار التدهور في الخدمات اليومية.

إن الطريق الاصوب للخروج من هذا النفق الذي اوقع العراق فيه صندوق النقد الدولي ومن ورائه القوى الامبريالية الهادفة الى نهب خيرات العراق البترولية والمالية هو بانتهاج سياسة اقتصادية تقوم على مبدأ التخطيط المستقل الذي يستثمر قدرات البلد المادية والمالية لبناء اقتصاد متنوع في الصناعة والزراعة والخدمات وتغيير الطابع الريعي للاقتصاد العراقي. والخطوة الأولى لهذا التوجه هو حل مشكلة المديونية الخارجية للتحرر من الشروط الاستعمارية  لصندوق النقد الدولي .

وإذا أخذنا السودان كمثال آخر باعتباره بلدا عربيا وإفريقيا في آن واحد

فبموجب توصيات صندوق النقد الدولي عرضت حكومة السودان 63 مرفقا صناعيا وزراعيا وخدماتيا للبيع او الإيجار وأدى هذا الإجراء إلى خصخصة كافة مؤسسات القطاع العام. وألغت حكومة السودان كافة أنواع الدعم المقدم إلى السلع التموينية كما ألغت الدعم المقدم الى خدمات الصحة والتعليم والإسكان واتخذت إجراءات تقشفية صارمة فزادت أسعار الماء والكهرباء والنقل والاتصالات.  وقد أدت هذه الإجراءات إلى تبعات كارثية على المجتمع السوداني فتدهورت قيمة العملة السودانية من

من 2,87 دولار للجنيه الواحد عام 1975 إلى اقل من سنت واحد في العام 1995. وارتفاع نسبة البطالة إلى أكثر من 30% في العام 2000.

والى زيادة مديونية السودان الخارجية من 5163 مليار دولار عام 1980 إلى

20200 مليار دولار عام 2000. (3)

التمرد على صندوق النقد الدولي

وتعتبر فنزويلا الدولة الوحيدة التي تمردت على سياسات صندوق النقد الدولي ورفضت الخنوع لشروطه وأقدمت على انتهاج سياسة وطنية وتقدمية أفلحت في تحقيق انجازات عظيمة على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية اكدت قدرة نظامها التقدمي في شق الطريق نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية والصمود بوجه الغول الامبريالي واتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية الاقتصاد الوطني من عبث الرأسمال الاحتكاري.

ان دول العالم وعلى وجه الخصوص البلدان النامية باتت تطالب بإلحاح شديد بضرورة تغيير اليات عمل صندوق النقد الدولي  التي أدت إلى تكبيل الاقتصاديات النامية بجبل من الديون الخارجية وبأعباء ثقيلة شلت قدرتها على التنمية  الاقتصادية.

فالتنمية في البلدان  المدينة تعتمد على التمويل الخارجي وعندما يتوقف التمويل لتلك البلدان سوف تتوقف التنمية. إن نهج سياسة التقطير المالي الذي سار عليه صندوق النقد الدولي ادى الى إفشال برامج  التنمية وتدمير المشروعات القائمة قيد التنفيذ. وعليه فان صندوق النقد الدولي بإجباره البلدان المدينة الى الإذعان لشروطه الجائرة التي تعتصر دماء  شعوب البلدان المدينة لتسديد المستحقات المترتبة على مديونيتها من أقساط وفوائد. فالشروط المجحفة لصندوق النقد الدولي بحق البلدان الفقيرة هو استغلال لظروفها المالية والاقتصادية الصعبة وتدخل في شؤونها الداخلية والتأثير على توجهاتها الوطنية.

ويتضح مما تقدم أن صندوق النقد الدولي هو وكيل ومحامٍٍ مؤتمن على مصالح البلدان الرأسمالية و أداة لتنفيذ برامجها الهادفة الى نهب خيرات البلدان النامية، وبذلك يصبح الوجه الآخر للرأسمالية الطفيلية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

النفط: العراق ملتزم كلياً باتفاق أوبك الخاص بالتخفيضات الطوعية

مقالات ذات صلة

النفط: العراق ملتزم كلياً باتفاق أوبك الخاص بالتخفيضات الطوعية
اقتصاد

النفط: العراق ملتزم كلياً باتفاق أوبك الخاص بالتخفيضات الطوعية

بغداد/ المدى اعلنت وزارة النفط، اليوم السبت، التزام العراق باتفاق أوبك وبالتخفيضات الطوعية. وذكرت الوزارة في بيان تلقته (المدى)، أنه "إشارة إلى تقديرات المصادر الثانوية حول زيبادة انتاج العراق عن الحصة المقررة في اتفاق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram