ستار كاووش
قررنا زوجتي وأنا إختصار وقت مشاهدة التلفاز الى الحد الأدنى، كذلك تقليل أحاديثنا على الأريكة مساءً، وبذلك نحصل على وقت إضافي للقراءة، أو بالأحرى القراءة المشتركة التي قررنا أن نجتمع فيها معاً في غرفة المعيشة،
فيأخذ كل منا كتاباً ونجلس على طرفي الأريكة، وبهذه الطريقة يمكننا كسبَ بعض الوقت للقراءة اليومية. جاء اليوم الأول بعد الإتفاق، فتناولتُ الكتاب الذي أهدتني إياه بعيد ميلادي، وهو أحدث ترجمة هولندية لمختارات من قصص تشيخوف، الذي من فرط إعجابي به أعتبره نصف إله. ما شجعني أيضاً للبدء بهذا الكتاب هو شعوري بالإمتنان لها، وإعطائها انطباعاً بأن هديتها ثمينة حقاً (وهي كذلك بالفعل). أخذتُ مكاني متكئاً على الطرف الأيسر للأريكة، فيما أمسكتْ هي برواية هولندية كانت قد أكملت نصفها تقريباً في الأيام القريبة الماضية، وإنزوَتْ في الجانب الآخر للأريكة. إنطلقنا كل في عالمه المُتخيل، حالمين بقراءة هادئة ومفيدة، ومزهوَّين بهذه الطريقة التي وجدناها أخيراً. لكني قبل أن أكمل الصفحة الأولى، شعرتُ ببعض الضيق دون سبب واضح، فرمقتُ زوجتي بطرف عيني خِفيَة، فبدتْ منشغلة بالتركيز بين سطور كتابها، وقبل أن أعود للقراءة، رأيتها تقلب الصفحة بإصبعها وهي ترمقني بنظرة لامبالية، وكإنها تقول في سرها: ها أنا أقلب الصفحات وأنت مازلتَ في الصفحة الأولى! مرَّ بعض الوقت وأنا أبحث عن حجة للتحرك أو الوقوف أو تعديل جهة المصباح الذي ينتصب قربي ويلوي عنقه بإتجاه الكتاب وكإنه رقبة إحدى بجعات البحيرة المجاورة. أعرف، بل أنا متأكد تماماً بأن زوجتي كانت تفكر مثلي في ذات الوقت، لكنها تظاهرت بالجلد والصبر والانغماس بأجواء الرواية. مرَّتْ بعض الدقائق، فبدأتُ بالضجر والتبرم أكثر، حيث بدى لي فاسيلفتش السكير الذي كتب عنه تشيخوف -رغم جاذبية كشخصية قصصية- شخصاً غير مرحباً به في هذه اللحظات، ويمكن إكمال قصته في وقت آخر. بعد لحظات بدتْ ثقيلة، تأففتُ قليلاً ووضعتُ الكتاب المفتوح مقلوباً على الأريكة، ثم مضيتُ نحو الثلاجة دون سبب واضح، لأعود بعد لحظات ممسكاً بقنينة النبيذ الأبيض التي تبقت من سهرة البارحة، مع قدحين وضعتهما على الطاولة الصغيرة التي بيننا، وأشرتُ لزوجتي بإصبعَي الابهام والسبابة بعد أن جعلتهما متوازيين ومتقاربين مثل سكة قطار، إشارة الى ان القليل من النبيذ ربما سيعدل المزاج، فتظاهَرَتْ هي بعدم الانتباه ومضت مع كتابها وكإني غير موجود في ذات الغرفة. (حسناً) قلتُها بصوت منخفض وكأني في المكتبة العامة، وإرتشفتُ جرعة صغيرة من النبيذ. حاولتُ العودة بسرعة للقراءة، فيما رأيتها تتلصص على القنينة التي إلتمعت على الطرف المحاذي لي من الطاولة. حاولتُ إكمال قراءة القصة، لكن شيئاً ما أوقفني، رفعتُ رأسي فوجدتها تنظر نحوي مبتسمة. أغلقنا الكتابين بين أيدينا، وسألتها: (هل القراءة بهذا الشكل أمراً جيداً؟) فأجابتني:(يبدو إن هذا الوقت غير مناسب للقراءة). هنا عرفتُ بأن هناك أوقاتاً معينة تصلح أكثر من غيرها للقراءة، حسب ظروف الانسان ومشاغله وطبيعة حياته. ومهما كان نوع الكتاب ومهما كانت حاجتي له، أيمكن أن يكون أجمل من اللحظات الخاصة التي أقضيها مع إنسان أحبه على ذات الأريكة؟ فهناك وقت للقراءة وآخر للإسترخاء. لم تجدي محاولاتنا المتجددة هذا المساء للعودة الى القراءة، وفي النهاية نظرنا الى بعضنا وأغلقنا الكتابين ووضعناهما على طرفي الأريكة قبل أن نقترب من بعضنا، مقررين أن نعود للقراءة في الصباح أو أوقات الظهيرة كالعادة. مددتُ يدي نحو قنينة النبيذ بشكل تلقائي، وأنا أفكر إن القراءة فعل فردي لا يمكن أن تشاركة دائماً حتى مع من تحب.