اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: قراءة في كتاب محمد بن عبد الله السيف

قناطر: قراءة في كتاب محمد بن عبد الله السيف

نشر في: 18 مايو, 2024: 10:37 م

" نجيب المانع - حياته وآثاره"

طالب عبد العزيز

هو وفاءٌ معرفيٌّ أكثر من أن يكون جهداً صحفياً، وكتاباً سيرياً، ذلك ما أنجزه الكاتب السعودي محمد بن عبد الله السيف، وأصدرته دار جداول، بلبنان عن حياة وآثار نجيب المانع، الكاتب والمترجم والموسوعي، المولود في الزبير بالبصرة سنة 1926 والمتوفى بلندن في 1991

والذي يُجمع مثقفو العراق والبلاد العربية على كونه واحداً من اكابر الكتاب والمترجمين والباحثين في شؤون الكتابة والموسيقى واللغات والشعر، الذي لم يغادر ضرباً من ضروب الكتابة إلا وخبره، وأتى عليه، ولم يترك لذي صنعةٍ فرصةً إلا وسبقه الى معرفتها، لكنه، ومع موسوعيته هذه كان يتحدث عن نفسه فيقول: " لقد أنفقت حياتي على هامش العبقريات".

ينحدرُ نجيب المانع من أسرةٍ نجدية غادرت روضة سدير بنجد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وسكنت بليدة الزبير بالبصرة، مع عشرات الاسر التي التأم شملها هنا، وأسست مدينة نجدية الطابع، مختلفة عن مدن العراق، اسهمت بعض رجالاتها في تأسيس شكل الدولة العراقية في عشرينات القرن الماضي، فبرز بينهم الأمير والشيخ ورجل الاعمال والتاجر والاديب والطبيب والمحامي، لكنَّ أوضاع العراق التي انقلبت بعد ثورة 14 تموز 1958 وسلسلة الانقلابات العسكرية التي تلت أجبرت العديد من الاسر النجدية هذه على الهجرة الى أوربا وامريكا، أو العودة ثانية الى البلاد الام(السعودية) وهكذا فعل نجيب عبد الرحمن المانع وشقيقته الكاتبة سميرة اللذان هاجرا الى المملكة العظمى واستقر المقام بهما في لندن، قبل أن يموت فيها.

كتاب(نجيب المانع-حياته وآثاره) الذي كتب مقدمته وجمعه محمد السيف، كتاب مستوف ضخم، جاء بأكثر من 700 صفحة، أعتمد فيه الكاتب على معلومات كان استقاها من ابن المانع (لبيد) ما كنا نعرفها عنه في كتاب سيرته(ذكريات عمر أكلته الحروف) الذي اصدرته بطبعته الأولى دار الانتشار العربي سنة 1999، فنجيب المتخرج من كلية الحقوق ببغداد كان مولعاً بالفلسفة والفكر والموسيقى وشكل مع مجموعة بينهم جمال ايوب صبري جماعة تلتقي لا لمناقشة الحقوق، ولكن من أجل مناقشة أفكار نيتشة وأفلاطون وشبنجلر، وبعد تخرجه عمل مع أصدقائه عبد اللطيف الشواف وبدر شاكر السياب وجاسم الرجب واسماعيل.. . في مديرية الاموال المستوردة التي كان ناظم الزهاوي مديرها العام.

في الربع الاخير من خمسينات القرن الماضي انتقل الى العمل في شركة النفط، ثم عمل مديرا عاماً للمؤسسة الوطنية للنفط، لينتقل بعدها الى وزارة الخارجية، ويلتقي بوزيرها هاشم جواد، حتى تم فصله بامر من عبد الكريم قاسم، اثر مقال كتبه المانع وصف فيه اعدام ناظم الطبقجلي بانه اغتيال، وظل عاطلاً حتى العام 1963 حينما التحق بالشركة العربية للتامين، وهناك سيلتقي بالشاعرة والقاصة والمترجمة مي مظفر، التي تعتبره معلمها الاول، وهي التي تقول عنه بأنه كان صارما معها الى حدِّ القسوة، وهو الذي سيكتب عن مجموعتها القصصية(خطوات في ليل الفجر) وينشرها في مجلة الآداب البيروتية. كان المانع قد ابتدأ شاعراً، وكانت قصيدته(لون الصمت) أول عمل شعري ينشر له في مجلة الآداب البيروتية، لكننا لا نعرف شيئاً عن شعره، وما إذا كانت له قصائد أخر أم لا.

في العام 1962 يترجم رائعة سكوت فيتزجيرالد(جاتسبي العظيم) التي تعد أهم ترجمة لها، وفي العام 1969 يتقدم الى مؤتمر الادباء العرب ببحث عنوانه(توثيق الارتباط بالتراث: إحياء الحس البلاغي) ويكتب بحثاً عن السياب بعنوان(السياب من الشعراء الغزيرين) وفي العام 1973 تنتقل شركة التأمين من بيروت الى دمشق، فيعود الى بغداد، وفيها يلتقي صديقه وزير الخارجية شاذل طاقة، الذي يقدمه لنائب الرئيس صدام حسين، والذي يوافق على تعيينه مديرا عاماً لهيئة الترجمة في وزارة الثقافة. في الفترة تلك يقول ابنه لبيد إنه كان يترجم كثيراً، وربما أكمل الكتاب والكتابين في شهر واحد، ومن ترجماته تلك كتابه(اتجاهات جديدة في الادب) لجون فلينشر سنة 1974، وكذلك كتبه عن ستاندال.

تقول مي مظفر: "إن انعدام التوافق بين مبادئ نجيب الانسانية والممارسات السلوكية كان أمراً معذباً له وصادماً جعله يفقد وظائفه التي عمل فيها" وأنه كان يؤمّن حاجاته المادية من الترجمة التي احبها وابدع فيها. لم يطق نجيب الحياة في العراق، حيث التقلبات السياسية تعبث بكل شيء، فيصاب بجلطة في قلبه سنة 1979 تمت معالجتها في بغداد، لكنَّ اخته سميرة المانع المقيمة مع زوجها الشاعر والاكاديمي صلاح نيازي في لندن تدعوه لاستكمال العلاج، فيسافر، ويطيب له المقام، ويطلب اللجوء، ويتعرف هناك على مجموعة الادباء والمثقفين العراقيين ويرتبط بصداقة مع الشاعر بلند الحديري الذي سبق وأن كتب عنه مقالاً نشرته مجلة الآداب سنة 1957 لكنَّ الامور ستنقلب بينهما في لندن، بسبب لفظ اتى به المانع بحق الحيدري، فتنشب بينهما معركة عراقية، تنتهي بالقنادر، كما يصفها خالد القشطيني.

أثناء إقامته بلندن عمل المانع على استعادة جنسيته السعودية، بل كان يلهث وراءها، كما يقول عثمان العمير في الكلمة التأبينية الي ألقاها في وفاته، سعيه كان كسعي غيره من الزبيريين، نسبة الى الزبير، التي يصفها بأنها "لا هي نجدية فتتحجب، ولا نفطية فتختال، ولا بصراوية فتتبرد". في الأسبوع الذي نال فيه الجنسية السعودية هبطت أسعار النفط، فيتصل به العمير قائلا له" الحمد لله لقد نلتَ الجنسية"فيعلق المانع بسخرية مرّة قائلاً: "سنة الوبا صرنا طلبجية" وهو تعبير مأساوي عن حاله.

يقول صلاح نيازي عندما وجده ميتاً:"لقد فاجأني بنومته على الكرسي، كان يضع ساقاً على ساق كعادته، رأسه مائل الى اليسار، وعلى صدره كتاب، يده اليمنى على فخذه الايمن، ويده اليسرى مرفوعة الى الأمام قليلاً وكأنه يهم بتناول سيجاره، انسجام تام بين جسده والصمت يجعل من الموت اغفاءة، مجرد اغفاءة سعيدة".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

اليوم ..خمس مباريات في انطلاق الجولة الـ 36 لدوري نجوم العراق

بدء التصويت في انتخابات فرنسا التشريعية

"واتساب" يختبر ميزة جديدة عند الفشل بارسال الصور والفيديوهات

تطوير لقاحات جديدة للقضاء على الحصبة نهائياً

الأونروا: سكان غزة فقدوا كل مقومات الحياة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

المتفرجون أعلاه

جينز وقبعة وخطاب تحريضي

تأميم ساحة التحرير

زوجة أحمد القبانجي

الخارج ضد "اصلاحات دارون"

العمودالثامن: جمهورية بالاسم فقط

 علي حسين ماذا سيقول نوابنا وذكرى قيام الجمهورية العراقية ستصادف بعد أيام؟.. هل سيقولون للناس إننا بصدد مغادرة عصر الجمهوريات وإقامة الكانتونات الطائفية؟ ، بالتأكيد سيخرج خطباء السياسة ليقولوا للناس إنهم متأثرون لما...
علي حسين

قناديل: لعبةُ ميكانو أم توصيف قومي؟

 لطفية الدليمي أحياناً كثيرة يفكّرُ المرء في مغادرة عوالم التواصل الاجتماعي، أو في الاقل تحجيم زيارته لها وجعلها تقتصر على أيام معدودات في الشهر؛ لكنّ إغراءً بوجود منشورات ثرية يدفعه لتأجيل مغادرته. لديّ...
لطفية الدليمي

قناطر: بين خطابين قاتلين

طالب عبد العزيز سيكون العربُ متقدمين على كثير من شعوب الأرض بمعرفتهم، وإحاطتهم بما هم عليه، وما سيكونوا فيه في خطبة حكيمهم وخطيبهم الأكبر قس بن ساعدة الإيادي(حوالي 600 ميلادية، 23 سنة قبل الهجرة)...
طالب عبد العزيز

كيف يمكن انقاذ العراق من أزمته البيئية-المناخية الخانقة؟

خالد سليمان نحن لا زلنا في بداية فصل الصيف، انما "قهر الشمس الهابط"* يجبر السكان في الكثير من البلدان العربية، العراق ودول الخليج تحديداً، على البقاء بين جدران بيوتهم طوال النهار. في مدن مثل...
خالد سليمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram