علي حسين
تبدو الفضائيات العراقية هذه الأيام وكأنها ساحة تدور فيها دوائر الحروب .. لاشيء سوى أخبار كرسي رئيس البرلمان ، وغضب الساسة بعضهم على بعض .. والأهم القلق الذي يساور البسطاء على مصير هذه البلاد ..
وعندما نقرأ تصريحاً لسياسي أو مسؤول نزداد خوفاً إذا ما قررنا أن نتوقف عنده أو نصدقه .. لا أحد يدري إلى متى سيستمر الحال بحرب داحس والغبراء بين سياسيي المحاصصة الطائفية الذين يتصدرون الصفحات الأولى في الخديعة .. يعدون بأن يسرعوا في التنمية والبناء وإقامة دولة العدالة الاجتماعية .. فنجدهم يسرعون في الانتهازية واللصوصية وإقصاء الآخر وتخوين الشعب .. كل شيء يبدو عبثياً حين يصر البعض على أنه صاحب الحقيقة المطلقة ..
نقلب في الأخبار ذات اليمين وذات الشمال عسى أن نجد أحد مسؤولينا يمارس فضيلة مراجعة النفس والاعتراف بالخطأ، والذي يشكل اليوم جزءاً من نسيج الحكومات المتحضرة، وتاريخ الاعتذارات مليء بالمواقف الصعبة لعدد كبير من المسؤولين في الغرب وهم يخرجون للناس يقدمون اعتذاراتهم، ومعها خطاب الاستقالة بسبب أفعال أضرت بالمصلحة العامة.. عام 1969، اقترع الفرنسيون على الدستور الذي اقترحه ديغول. وحين أعلنت النتائج التي تظهر أن 52% من المواطنين صوتوا ضده .. نجد صباح اليوم التالي صحف فرنسا تنشر على صفحاتها الأولى الخبر التالي : ديغول يقدم استقالته وبيان من سطر واحد " اعتباراً من اليوم سأتوقف عن ممارسة مهامي كرئيس للدولة " كان ديغول الذي شعر بالأسى قد أنقذ فرنسا في حربين عالميتين .. وجعل منها خلال فترة حكمه واحدة من الدول الاقتصادية الكبرى .. ومع ذلك استجاب لنسبة الـ 2% ومضى إلى منزله الريفي وظل هناك حتى توفي.
زعامات ساطعة في التاريخ استطاعت بفضل نزاهتها وحكمتها وإصرارها على إشاعة روح العدالة الاجتماعية أن تحدث أكبر التحولات السياسية والاقتصادية في العالم، وحين يطمئن مسؤول منهم إلى أن كل شيء يسير في الطريق الصحيح، ينفض يديه من السلطة ويقرر أن يحتكم لصوت الضمير والناس .
دروس من التاريخ مذلة للآخرين .. دروس مهينة لديمقراطيتنا العشوائية .. أمثولة لنا جميعاً ونحن نرى ساستنا يتعاطون شؤون الحكم بالتقاتل والحقد والكره والتخوين .. درس لنا جميعاً ونحن نشعر بالاسى حين نسمع البعض من سياسيينا وهم يتحدثون عن التسامح والمحبة والقانون وحكم الضمير ومخافة الله .. دروس تقول لنا إيانا أن يشعر أحد منا نحن المواطنين أن تجارب هذه الشعوب لا تعنينا ، وأن علينا أن نعرف أن في هذا البلد .. بلد الأربعين عجيبة وعجيبة .. يقدمون من خلالها الوجه القبيح في ديمقراطية المحاصصة الطائفية.