عبد الكريم البليخ
يقف بعض الدعاة اليوم ينادون وبعمق، عن حب الوطن من جانبهم، وجهله من جانب آخرين، في الوقت الذي لم يعد الوطن يعني لهم بالنسبة لهم أكثر من مجرد اسم فقط!.
الوطن بالكاد يشكل اسماً، أو يرسم حالة عامة لم تعد تعني أي هدف. روح تخلو من الإحساس بالنسبة لكثيرين. ما زال الوطن هاجساً يتغنى به بعض الناس الذين يظنون أنهم ما زالوا يعيشون ويغتسلون به، ويلجأون إليه، وقادر أن يرفع عنهم الكيد والظلم والحاجة، ويدخلهم في جنات النعيم. هكذا يخيل لهم؟
هو كذلك في حال كان الوطن ينبوع من الحنان، وأن يرفق بالحيوان قبل الإنسان، وهو الحامي والملبي لرغبات أبنائه والداعم لهم. ليس الوطن بذاك البعبع الذي يخاف منه أبناؤه، ويرمي بهم في سلة المهملات، ويمضي متبرجاً في القصاص منهم، بل ويتصيّد حكامه أخطاء أبنائه، ويهزأ بهم ويرميهم في السجون وفي المعتقلات، سنوات وسنوات لا لشيء وإنما لمجرد أن فكر ببصيص من الحرية، والأنكى من ذلك أنه قام هدم بيوتهم، وأكثر من ذلك، وقطع الطريق أمامهم في الوصول إلى رغباتهم، وتلافي معالجة شكواهم، وعدم الوقوف على معاناتهم وما يحتاجونه!.
ظل البلد يعاني الكثير، وأهله يلتمسون الحلول دون جدوى! ومن بين هذه الصور العميقة التي يطالعك بها شباب البلد، سواء في سوريا، أو في غيرها من البلدان العربية التي عانى أبناءها من العوز والفاقة، وسوء معاملة حكامها. ومن بين ذلك يظهر المغردون الذين تميل كفتهم بالطبع لجهة هؤلاء الحكام، الذين لا روح ولا قلب لهم، لأنهم مستفيدون من عطاءاتهم وولائهم لهم. وبت أستغرب أن هناك البعض من الصحافيين، من يدافع، وبشراسة، عن هذه الأنظمة القمعية المستهلكة، وهي ـ بلا شك ـ في طريقها إلى الزوال، يحترمها ويقدرها حق قدرها، ويعمل جاهداً على وقف أي مادة صحافية تسيء إلى سمعتها، أو تحط من شأنها، لقاء دراهم معدودة، في حين أنَّ هذه الأنظمة تعرّي أبناءها، وترميهم في غياهب السجون وتقتص منهم، وتلاحقهم في كل مكان، فضلاً عن ذلك ينبري لك أحدهم، من المستفيدين من وجود هذا النظام الفاسد، القاهر لأبنائه، وما أكثرهم، ليكونوا بوقاً له، ويرفعون صوته عالياً مدافعين عنه وبكل تفاخر، ويواجهك أمثال هؤلاء وبكل وقاحة: إنه بلدك، وعليك الدفاع عنه.
إنه الأم الرؤوم التي يجب عليك أن تحتضن أخطاؤه وتحافظ عليه، وتبادر إلى حماية حدوده، وتلبّي حاجته وتطيع أوامر حكامه.
بلدك الذي شربت من مائه، وأكلت من ما تنتجه أرضه، ولا تنسى أنك ولدت فيه، وتعلمت في مدارسه، واحتضنك وأنت صغير، ولك فيه صداقات وملاعب الصبا، وكثير من الخزعبلات..
الوطن، برأيي، هو حيث يكون المرء في دَعَة وسعادة وهناء وأمان، وهو الذي يحافظ على أبنائه، ويرعاهم ويهتم بهم، ويسعى إلى إسعادهم، لا من يقوم على تشريدهم وتخريب بيوتهم، وإذلالهم وإفقارهم وزجهم في السجون وملاحقتهم، واعتقالهم لأي سبب تافه!.
القيادة السورية الحكيمة هي من تخلت عن أبنائها، وعاملتهم بقسوة رهيبة، وحرمتهم من أبسط مقومات العيش الكريم!.
نقول هذا الكلام الذي يعرفه معنا أهل سوريا ونحن منهم، وطبيعي أنَّ ما نقوله لن يرضي الكثير من المستفيدين من أبناء الوطن الذين يدافعون عن لصوصه الذين أوصلوه إلى الهاوية! فلماذا نكذب على أنفسنا، وندافع عن الظلم، وعن واقع معاش، يعيشه أهلنا في الداخل السوري؟.
قهر حقيقي بات يئنُّ منه جميع من يعيش على ثرى الوطن. في الأمس القريب، وللتذكير، قرأت على صفحة أحد الفنانين المعروفين منشوراً يشرح فيه واقع الكهرباء في دمشق، وفي اللاذقية وغيابها لساعات، وإن حضرت فإنها بالكاد أن تصل إلى ربع ساعة بعد غياب أربع ساعات.
ويتساءل ناشر البوست: ماذا عسانا أن نفعل بهذه الفترة القصيرة جداً؟ كيف يمكن أن نعيش ونتدبّر حالنا؟. إننا نموت جوعاً وقهراً. احتياجاتنا كثيرة.
أظن أن الكثيرين سبق أن قرأوا البوست المنشور، ورغم ذلك بالتأكيد لن نسلم من رد المستفيدين من حكومة ظالمة تعيش في المجهول، وهم في الواقع كلاب مسعورة، شبيحة حاقدة على كل الناس! وكل ما يَهُمها هو امتلاء جيوبها بالدولار على حساب الناس التي تعيش على الكفاف!. تعيش على العدم. أهكذا تبنى الأوطان؟
أي وطن هذا، وأي بلد يمكن للإنسان أن يحترمه ويذود عنه الويلات، ويقدر ما قدمه ما دام أنّ العصابة التي تقوم على إدارته لا يهمّها سوى البحث عن مصالحها الخاصة، وما تكسب منه، وما تنتجه أرضه من خيرات. كل شيء لهم وحدهم دون سواهم، أما أبناؤه الحقيقيون فلهم الفتات، وأدنى من ذلك؟
وأخيراً نقول أي وطن هذا الذي يُشبه الأم؟ وأي وطن يمكن أن نحتضنه بقلوبنا ونخاف عليه، ونلهف إلى احترامه والسعي إلى أن نضمّه بالأحضان. لا أظن أن بلداً يساوي أو يمكن أن نقارنه بحضن الأم مهما كبر واتسع.
جميع التعليقات 1
عدي باش
منذ 6 شهور
صرخة ألم صادقة .. و مع ذلك ، الشعوب باقية و الطغاة زائلون إلى مزبلة التاريخ