كل شيء يجري بسلاسة عبر الرشاوي
ترجمة / حامد أحمد
تناول تقرير لموقع ، مدل ايست آي ، البريطاني ما يدور في الخفاء من تجارة رائجة للمشروبات الكحولية المحلية والمستوردة في العراق وذلك بعد تشريع قانون منع تصنيعها واستيرادها صادق عليه البرلمان العام الماضي ،
كاشفا ما ادلى به تجار ومروجون لهذه البضاعة من دفع رشاوي بعشرات آلاف الدولارات لتتمكن شاحنات محملة بالمشروبات المستوردة ومحلية الصنع من عبور عدة نقاط تفتيش لتصل الى بغداد ومحافظات عراقية أخرى مما ساهم ذلك بزيادة أسعارها اضعاف مضاعفة واثرها العكسي على أبناء اقليات من ايزيديين ومسيحيين الذين يزاولون مهنة بيع الكحول الى فقدان مصدر رزق لهم ولعوائلهم.
خلف ابواب حديدية ضخمة لبناية تبدو عادية وسط حي تجاري في مركز بغداد ، تقبع هناك آلاف الصناديق من مشروبات كحولية مرتبة بعناية الواحدة فوق الأخرى على رفوف عالية خشبية. تلال من أصناف تجارية عالمية من المشروبات الكحولية تجدها مكدسة بجانب مشروبات محلية الصنع ومرتبة بشكل دقيق وفقا لنوع المشروب وصنفه. ممرات تمر عبرها بين جدران من صناديق وعبوات تؤدي من غرفة الى غرفة، مما يكشف ذلك عن مخزن ومستودع على درجة عالية من التنظيم والترتيب لهذه التجارة.
وتذكر المدل ايست آي في تقريرها ان كادرا من أبناء الطائفة المسيحية على نحو خاص مشغولين بتنظيم مخازن مشروبات الكحول وتحميل البضاعة لنقلها الى المستهلك. اغلب البضاعة تشق وجهتها نحو منافذ لتعاطي الكحول وبارات ونوادي ليلية في بغداد وقسم منها تخبأ داخل سيارات وباصات مدنية تشق طريقها لمحافظات عراقية أخرى. يقول، توني، صاحب أحد المخازن الذي قضى بالعمل في تجارة الكحول أكثر من 30 عاما "ما نزال نعمل بتجارة الكحول ، ولكن بطريقة سرية غير شرعية". مشيرا الى انه منذ تمرير قانون حظر استيراد الكحول وبيعه في آذار 2023 فان كل شيء يجري ويتم عبر الرشاوي.
ويضيف انه مع ارتفاع الضرائب، فان دفع رشاوي ضخمة عند كل نقطة تفتيش اصبح عبئا مهما آخر من النفقات يواجهونها فيما اصبح يعرف بالتجارة السرية.
ويشير التقرير الى ان كل بضاعة الكحول تدخل البلاد عبر منطقة إقليم كردستان حيث لا يوجد هناك حظر على بيعها واستيرادها ، ومن هناك يتم شحن البضاعة جنوبا الى بغداد مرورا بعدة نقاط تفتيش كل واحدة تطلب تسديدا. تاجر الكحول، سمير، يقول "سابقا كانت تكلفة مرور شاحنة محملة بالكحول من إقليم كردستان الى بغداد تتراوح بحدود 3 آلاف دولار ، اما الان فان معدل التكلفة وصل الى 50 ألف ، وذلك لأنه يتوجب علينا دفع ضرائب مع دفع رشاوي عند كل نقطة تفتيش نمر بها ، ونحن نتحدث عن ستة الى سبعة نقاط تفتيش في كل رحلة".
وتقول مدل ايست آي انه مثل هكذا نقاط تفتيش أصبحت مربحة لمن يديرها بحيث ان منتسبين عسكريين يسددون رشاوي فيما بينهم للحصول على وظيفة في نقطة تفتيش معينة تقع على ممر عبور شاحنات تنقل كحولا باتجاه بغداد. يقول توني صاحب مخزن كحول "رغم الحظر فانه يتوجب عليك الحصول على ترخيص تجارة. وما نزال نقدم طلبات ونسدد، ولكننا لا نستلم أية وصولات او أوراق رسمية الان". وأظهر، توني، احدى الوثائق الصادرة حديثا، تسمح بها لمرور شاحنات صغيرة محملة بالكحول باتجاه بغداد. واصفا هذه الوثائق بانها "رسمية وبنفس الوقت غير رسمية " مستهجنا الحالة بانها ما تسير عليه الأمور الان.
مخازن بغداد المحشوة بعدة أصناف من الجعة محلية الصنع ، التي يتم صنعها في معامل عراقية قليلة ، فإنها ما تزال تعمل في شمالي العراق ، وتواجه هذه البضاعة تحديات مشابهة.
احد أصحاب معامل تحضير الجعة قال لموقع مدل ايست آي طابا عدم ذكر اسمه " المعمل ما يزال شغالا لأنني أدفع. وبالنسبة لهذا العام فإنني دفعت ضرائب ودفعت مبلغا أيضا للحصول على إجازة ولكن بدون أية وصولات".
يقول التاجر سمير "بدأت الحكومة بالتقييد على منح اجازات المتاجرة وبيع الكحول منذ عام 2009 ، وفي السنوات الخمس اللاحقة كان من الصعب جدا الحصول على إجازة ، وان كثيرا من المتعاملين بهذه التجارة اما توقفوا عن هذه المهنة او بدأوا يعملون بشكل سري غير شرعي . ولكن بعد ذلك في العام 2016 بدأت الامور تصبح ميسرة أكثر". ولكن في العام 2023 صادقت الحكومة العراقية على قانون يحظر الكحول ، وهو شيء يدعي تجار بانه تم تمريره بطريقة سرية مخادعة.
يوسف ، تاجر كحول آخر ، يقول "جميع القوانين العراقية الجديدة او المحدثة يجب ان تمر عبر ثلاث قراءات منفصلة في البرلمان ، ولكن هذا القانون تم تضمينه مع قوانين عدة أخرى ، وخلال القراءتين الاوليتين لم يشيروا الى حظر الكحول. وفي القراءة الثالثة تم ادخال الحظر بشكل مفاجئ مما جعل ذلك قسما من أعضاء البرلمان الذين لم يكن لهم وقت كافي لتحضير مداخلاتهم واعتراضاتهم ضده تصيبهم الدهشة. لهذا السبب تم تمرير القانون بسهولة".
الذين ما يزالون مستمرين على هذه المهنة يقولون ان القانون استهدف شريحة من أبناء الأقلية الدينية في العراق ، حيث ان اكثر من يزاولون هذه المهنة هم من الايزيديين والمسيحيين الذين تعرضوا للقتل والتهجير على يد تنظيم داعش.
يقول يوسف "فقدنا الان 50% من الناس الذين كانوا يعملون في هذه التجارة ، نحن فقط ما تبقى منا من الأقليات الدينية الذين نستطيع الحصول على رخصة ، نرى ان هذا القانون يستهدف أبناء الأقليات".
خليل ، احد سكان سنجار من الايزيديين ، يقول لمدل ايست آي " هذا القانون اثر بشكل خاص على الفقراء منا. مئات من الايزيديين يعملون في بغداد في مجال بيع الكحول ، حيث يرسلون ما يحصلون عليه من مال لعوائلهم هناك في سنجار لتغطية مصاريف العلاج وامور أخرى. وحالما شحت هذه المادة من محلات بغداد فان الخاسر ستكون عوائلنا ومصادر عيشنا".
• عن مدل ايست آي