اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > تطبيقات التزييف العميق ودورها في صناعة الأوهام

تطبيقات التزييف العميق ودورها في صناعة الأوهام

نشر في: 12 مايو, 2024: 10:48 م

د. طلال ناظم الزهيري

إذا ما التزمنا بحرفية المصطلح قد لا نتمكن من وضع مقابل عربي دقيق يتقارب مع مصطلح [Deep Fake]، مع هذا فإن المعنى يكاد يكون حاضر في اللغة العربية. فيمكن لنا أن نصف اضطرابات الرؤيا لمشاهد أو وقائع معينة بالقول إنها أقرب ما تكون للواقع.

وعليه فإن إدراك المعنى في هذه المرحلة أهم من البحث في المصطلح المقابل له. وعليه نعتقد أن المقصود به هو تزييف الحالة إلى مستوى عال حتى تظهر وكأنها حقيقية أو يصعب التميز بينها وبين الواقع. وتجدر الإشارة إلى أن [Deep Fake] هو أحد فروع [Deep Learning] وهو المجال الذي يبحث في النظريات والخوارزميات التي تمكن الآلة من التعلم دون تدخل بشري عن طريق محاكاة آلية عمل الخلايا العصبية الموجودة في جسم الإنسان. وهو بذلك يعد أحد فروع الذكاء الاصطناعي. إذ غالبا ما تركز البحوث الأكاديمية حول [Deep Fake] باعتباره حقلا فرعيا لعلوم الحاسوب يستند غالبا إلى الذكاء الاصطناعي الذي يركز على معالجة الحاسوب للصور ومقاطع الفيديو الرقمية.

ويعد برنامج [Video Rewrite] الذي نشر في عام 1997، والذي يمكن من خلاله تعديل لقطات الفيديو لشخص يتحدث بعبارات وكلمات موجودة في مسار صوتي لشخص مختلف هو أول نظام يعمل على أتمتة هذا النوع من التحكم بتعابير الوجه بالكامل، وقد استخدم لذلك تقنيات التعلم الآلي لإجراء اتصالات بين الأصوات التي ينتجها موضوع الفيديو وشكل وجه المتكلم. في عام 2016 ظهر برنامج [Face2Face] الذي استخدم في تعديل لقطات فيديو لوجه شخص ليظهر بتعبيرات وجه شخص آخر في الوقت الفعلي ويعد هذا المشروع كمساهمة بحثية رئيسية والطريقة الأولى لإعادة تفعيل تعبيرات الوجه في الوقت الحقيقي باستخدام كاميرات بمواصفات محددة، ومع تطور تقنيات الهواتف المحمولة أصبح من الممكن تنفيذ هذه التقنية باستخدام كاميرات الهواتف المحمولة. واليوم هناك تطبيقات كثيرة تهدف إلى تحقيق التزييف العميق ولعل من اشهرها[DeepFaceLab] وهو أحدث برنامج مفتوح المصدر لإنشاء الفيديوهات بخاصية التزييف العميق بشكل احترافي. يستخدم هذا البرنامج تقنيات تعلم الآلة لتحرير ومزامنة الوجوه والتعبيرات بشكل دقيق للدرجة التي يصعب معها التميز بينها وبين الواقع. و يعد [FakeApp] أداة اضافية اخرى لتحرير الفيديوات والتي تسمح للمستخدمين بإنشاء فيديوهات مزيفة باستخدام تقنيات تعلم الآلة. حيث يمكن استخدامه لوضع وجوه شخصيات معروفة في مقاطع فيديو لشخصيات مختلفة تماما. ولعل برنامج [Deepfake Studio] يعد أحدث برامج تحرير الفيديو الذي يقدم واجهة سهلة الاستخدام لإنشاء الفيديوهات المزيفة بشكل سلس وواقعي.

اما برنامج [Avatarify] الذي يمكن من خلاله تحرير الفيديوهات لتظهر كأنها يتم تنفيذها بواسطة شخصيات وهمية مشهورة، وذلك باستخدام تقنية التعلم العميق. وفي سياق متصل شهدت السنوات الخمس الأخيرة، تنامي ظهور تقنيات التزييف العميق بشكل كبير حتى بدأت تظهر ردود افعال على احتمالات تاثير هذه التقنيات على جوانب مختلفة من المجتمع، بما في ذلك العمليات العسكرية والحملات السياسية والصراعات الإعلامية. بعد أن سهلت تلك التطبيقات إنشاء محتوى مزيفا يكاد يكون واقعي للغاية، مثل مقاطع الفيديو أو الصور، التي تبدو أصلية ولكن يتم التلاعب بها أو تصنيعها باستخدام خوارزميات متقدمة. على سبيل المثال في السياقات العسكرية، يمكن استخدام التزييف العميق لأغراض مختلفة، بما في ذلك إنشاء معلومات استخباراتية مزيفة أو مقاطع فيديو دعائية لتضليل قوات العدو من خلال توليد محتوى سمعي بصري مقنع من أجل زرع الارتباك للخصوم أو التلاعب بالتصورات والانطباعات الشخصية، مما قد يؤثر على عمليات صنع القرار الاستراتيجي. وبالمثل في الساحات السياسية، يمكن استغلال التزييف العميق لنشر معلومات مضللة، وتقويض الثقة في الشخصيات أو المؤسسات السياسية والتلاعب بالرأي العام. قد يستخدم الخصوم السياسيون تقنية التزييف العميق لتلفيق مقاطع فيديو أو خطابات فاضحة، وبالتالي تشويه سمعة خصومهم أو خلق اضطرابات اجتماعية خاصة في المواسم الانتخابية. علاوة على ذلك، في عالم الصراعات الإعلامية، يمكن استخدام مقاطع الفيديو المزيفة كسلاح لنشر روايات كاذبة أو التحريض على الاضطرابات في المجتمعات الضعيفة. ومن خلال نشر لقطات ملفقة تصور فظائع مزعومة أو أحداث تحريضية، يمكن للجهات الفاعلة أن تؤدي إلى تفاقم التوترات القائمة والتحريض على العنف أو عدم الاستقرار. كما يمكن أن تشكل تقنيات التزييف العميق تهديدا كبيرا في مجال الابتزاز الإلكتروني، حيث قد تستغل بعض الجهات المحتوى المزيف لإجبار الأفراد أو المنظمات على الامتثال لمطالبهم. من خلال الاستفادة من مقاطع الفيديو الملفقة أو الصور المعدلة يمكن للجناة ابتزاز الأهداف للتخلي عن معلومات حساسة أو ارتكاب عمليات احتيال مالي، أو الانخراط في أنشطة غير مشروعة تحت الإكراه. في المقابل يمكن اليوم نكران الكثير من الحقائق بذراع التزييف ما لم تمتلك الدولة تقنيات الكشف والتحقق بمعنى ان خيوط اللعبة ستبقى بيد الدول التي تمتلك التقنيات التكنولوجية التي تمكنها من تنفيذ عمليات التزييف العميق او الكشف عنها. على الصعيد المحلي ومن أجل التخفيف من المخاطر المرتبطة بتقنية التزييف العميق، يمكن تنفيذ عدة توصيات من أهمها: تعزيز مبادرات الثقافة الإعلامية لتثقيف الأفراد حول مدى انتشار التزييف العميق وتزويدهم بمهارات التفكير النقدي لتمييز المحتوى الأصلي من المواد المزيفة. كذلك يمكن تطوير أدوات كشف وخوارزميات قوية قادرة على تحديد مقاطع الفيديو أو الصور المزيفة العميقة والإبلاغ عنها لضمان الاستجابة السريعة والتخفيف من تداعياتها. وفي هذا السياق لا بد من إنشاء أطر قانونية شاملة لتنظيم إنشاء وتوزيع ونشر المحتوى المزيف العميق، بما في ذلك فرض عقوبات على الجهات المشاركة في أنشطة احتيالية. وفي هذا الاتجاه ندعو إلى أن تتمتع الجهات الرقابية إلى الشفافية والمساءلة في إنشاء المحتوى الرقمي ومشاركته، بما في ذلك آليات وضع العلامات المائية الواضحة للإشارة إلى الوسائط المتلاعب بها أو الاصطناعية.

ومع الإقرار أن تكنولوجيا التزييف العميق تمثل تحديات ومخاطر كبيرة تهدد المجتمع، فإنها إذا ما أحسن توظيفها يمكن أن تقدم أيضا فوائد مهمة في مجالات متعددة، مثل التعليم والرعاية الصحية. على سبيل المثال، في مجال التعليم، يمكن استخدام تطبيقات التزييف العميق لإنشاء تجارب تعليمية مثيرة، مما يمكن الطلاب من التفاعل مع الشخصيات التاريخية أو المشاركة في عمليات محاكاة افتراضية للمفاهيم العلمية. وبالمثل، في مجال الرعاية الصحية، يمكن لتقنية التزييف العميق تسهيل التدريب الطبي والتشخيص من خلال إنشاء محاكاة واقعية لحالات المرضى أو العمليات الجراحية، وتعزيز كفاءة المتخصصين في الرعاية الصحية وتحسين نتائج المرضى.

ختاما وفي ظل الفجوة الرقمية بين الغرب والشرق نؤكد على أن تكنولوجيا التزييف العميق لاتزال تمثل مخاطر وتحديات كامنة في مختلف القطاعات وتحتاج إلى تنفيذ تدابير استباقية للتخفيف من آثارها السلبية والاستفادة من فوائدها المحتملة لأغراض إيجابية. وذلك من خلال تعزيز التعاون بين صناع السياسات وخبراء التكنولوجيا وأصحاب المصلحة في المجتمع المدني، حتى يمكننا أن نتفاعل مع تعقيدات مشهد التزييف العميق ونحمي أنفسنا ومجتمعاتنا من إساءة استخدامها وإعادة توجيه إمكاناتها لتحقيق التقدم المجتمعي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram