اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: طالب غالي.. صائغ موسيقى الجنوب

قناطر: طالب غالي.. صائغ موسيقى الجنوب

نشر في: 11 مايو, 2024: 09:37 م

طالب عبد العزيز

لم يُعط فنانٌ عراقيته كما تستحق، مثلما أعطاها الفنان و الملحن طالب غالي(1937_.....) أطال الله في عمره، ولم يجن التجاهلَ من المؤسسات فنان وملحن مثل التي جناها طالب غالي. هكذا، كان صاحب أجمل الحان اغاني فؤاد سالم وأوبريت المطرقة ورائعة سعدي يوسف (يا سالم المرزوق) وصوفيات الكبير صلاح نيازي، وعدد من المطربين العراقيين وصائغ الحان مقدمات العديد من الاعمال الدرامية، الاذاعية والتلفزيونية التي قدمت لصالح شركة الانتاج البرامجي المشترك في الكويت بعد مغادرته العراق هاربا من بطش النظام السابق.

في خريف العام 1978 التقيته قرب محل سيروان للملابس، الكائن في بداية شارع الوطني، من جهة ساحة اسد بابل، كان متخفياً وخائفاً مثلي، يبحث عن نقطة، ينفذ منها خارج الحدود، ثم افترقنا، هو دخل الكويت، وأنا لم استطع. لم نلتق بعدها إلا بعد سقوط النظام السابق. اعتقدتُ بانه قد تخلص من حبّه وشوقه للعراق في رحلة تغربه الطويلة، بعيداً عن البلاد التي لم تمنحه ما يستحق، او أنه عاد بجنون وطنيٍّ أقل، لكنه، وفي كل مرة التقيه، عائداً من منفاه بالدنمرك أجده بذات القلب والروح، عامراً بذات الحب، ومسمراً على خشبة الشوق والامل بحياة عراقية أجمل، عبر مجموعة الحان يغنيها أو يمنحها لأحدٍ من الاصوات التي يكتشفها.

سيكون الحديث عنه ناقصاً ما لم يقرن بمجموعة البصرة الفنية(فرقة الطريق) هذه المجموعة كانت قد أسست للون غنائي لم تكن له سابقة في الموسيقى العراقية، فتقديم الجانب الإنساني من الحياة الاجتماعية العراقية غنائياً كان خصيصة أعمال الفرقة، كذلك كانت الكلمات والالحان، وهناك لهجة وموسيقى بصريتان طرقتا باب لهجة وموسيقى بغداد، بعيداً عن اسفاف اغاني الريف، التي أخذت طريقها الى الإذاعة توّاً، وباختلاف كبير عن الاغنية البغدادية المعروفة، فألحان حميد البصري وطالب غالي وأصوات فؤاد سالم وسيتا هاكوبيان وشوقية وأم لنا (زوجته) كانت قد فاجأت العاصمة، وكبار مسؤوليها حين قدمت الفرقة أوبريت (المطرقة) بخاصة، هذا العمل زعزع منظومة التلقي هناك.

من يستمع لأغاني فؤاد سالم التي لحنها طالب غالي خلال إقامتهما في الكويت سيجد قلبين أخضرين، يقطعهما الشوق والحنين للعراق، والتطلع الممض لرؤيته، حتى لكأننا نستشعر هما واقفين على نقطة ما على الحدود، التي خرجا منها، عبر رملة سفوان، بانتظار من يأخذ بأيديهما، ضيفيين الى البصرة. ضمن فضاءات الغربة والشوق هذه ومن مكان إقامته غير المستقرة في الكويت يختار طالب غالي قصيدة بدر شاكر السياب (غريب على الخليج) التي كتبها بدر في الكويت، أيضاً قبل ربع قرن، ليلحنها الى فؤاد سالم، فتأتي الغربات موجعةً من كل صوب، غربة بدر وطالب وفؤاد، ولتكون الاغنية مادة روح الامل بالعودة للوطن، لكن، هيهات، فالسيّاف البعثي على الحدود، والنظام لا يرحم الخارجين عليه.

صائغ الحان رائعة الجواهري(حييت سفحك عن بعدٍ فحييني)التي قدمها فؤاد سالم لم يحيّه أحدٌ، حين عاد من منفاه، بعد تغرب أربعين عاماً، ولم يأخذ أحدٌ بسلال الشوق التي ناء بحملها ثلاثة أرباع قرن، وملحن(النّاوي يمشي بسفر يتاني اليودعونه) لم يودعه أحدٌ، وملحن(عمّي عمّي يبومركب يبو شراع العالي) لم يجد أحداً يلوّح بيديه، على شط العرب، ويستقبل مركبه القادم من الاقاصي، والذي لحن(رايحين نشوف أهلنه شلونهم) لم يبق إلا القليل منهم، ممن يتذكرونه، بعد أن ماتوا عنه.. وهكذا، ظلَّ حاملاً حقيبته، ومسافراً ابدياً بين العواصم. طالب غالي لا يطمع بدنانير ودراهم البلاد المنهوبة أو المكدسة في بغداد وعمّان ودبي وواشنطن، ولا يريد بيتاً يضع فيه آخر أصقاع جسده، فقد ذهبت أطايب الرحلة، ما يريده ليس أبعد من أنْ يلتفت المعنيون بشأن الموسيقى العراقية لألحانه واغانية، التي يحتفظ بها في درج روحه، ويتم تسجيلها بما يليق، وتقديمها كوثائق موسيقية، شاهدة على زمن عراقي بامتياز.

لم يذهب موسيقيٌّ مغنٍ بكليته الى هموم وشجون بلاده كما ذهب طالب غالي، حتى أنه يحتفظ بلحنٍ للنشيد الوطني العرشاقي، يوم كثر الحديث عنه. العمر الذي خسره غالي خارج العراق لا يصحُّ معادلته بحقيبة محمولة، على كتف ثمانينيةٍ دائخة، أكلتها حقيبة رحلة اللاجدوى والهروب من الوطن ثم العودة الخائبة اليه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

اليوم ..خمس مباريات في انطلاق الجولة الـ 36 لدوري نجوم العراق

بدء التصويت في انتخابات فرنسا التشريعية

"واتساب" يختبر ميزة جديدة عند الفشل بارسال الصور والفيديوهات

تطوير لقاحات جديدة للقضاء على الحصبة نهائياً

الأونروا: سكان غزة فقدوا كل مقومات الحياة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

المتفرجون أعلاه

جينز وقبعة وخطاب تحريضي

تأميم ساحة التحرير

زوجة أحمد القبانجي

الخارج ضد "اصلاحات دارون"

العمودالثامن: جمهورية بالاسم فقط

 علي حسين ماذا سيقول نوابنا وذكرى قيام الجمهورية العراقية ستصادف بعد أيام؟.. هل سيقولون للناس إننا بصدد مغادرة عصر الجمهوريات وإقامة الكانتونات الطائفية؟ ، بالتأكيد سيخرج خطباء السياسة ليقولوا للناس إنهم متأثرون لما...
علي حسين

قناديل: لعبةُ ميكانو أم توصيف قومي؟

 لطفية الدليمي أحياناً كثيرة يفكّرُ المرء في مغادرة عوالم التواصل الاجتماعي، أو في الاقل تحجيم زيارته لها وجعلها تقتصر على أيام معدودات في الشهر؛ لكنّ إغراءً بوجود منشورات ثرية يدفعه لتأجيل مغادرته. لديّ...
لطفية الدليمي

قناطر: بين خطابين قاتلين

طالب عبد العزيز سيكون العربُ متقدمين على كثير من شعوب الأرض بمعرفتهم، وإحاطتهم بما هم عليه، وما سيكونوا فيه في خطبة حكيمهم وخطيبهم الأكبر قس بن ساعدة الإيادي(حوالي 600 ميلادية، 23 سنة قبل الهجرة)...
طالب عبد العزيز

كيف يمكن انقاذ العراق من أزمته البيئية-المناخية الخانقة؟

خالد سليمان نحن لا زلنا في بداية فصل الصيف، انما "قهر الشمس الهابط"* يجبر السكان في الكثير من البلدان العربية، العراق ودول الخليج تحديداً، على البقاء بين جدران بيوتهم طوال النهار. في مدن مثل...
خالد سليمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram