ثامر الهيمص
ثلاث ملفات اعلن رسميا عن تفعيلها والعمل على تنسيقها مع توجهات الستراتيجية السياسية لعراقنا ، خلال الثلث الاول من هذه السنة وقبلها بشهر ، حيث سبقتها مذكرات تفاهم في الغالب , مثلا 43 مذكرة مع الولايات المتحدة الامريكية ، منذ اكثر من 10 سنوات ، في ضوء زيارة رئيس الوزراء انذاك . ( الصباح ليوم 23/4/2024) .
فالملفات كانت في ضوء زيارة الرئيس السوداني الاولى الى امريكا , والثانية زيارة الرئيس التركي لبغداد الاخيرة ، وقد سبق تلكم الزيارتين المقبولتين باذن الله ، الاعلان عن انظمام العراق للبنك الاوروبي لاعادة الاعمار ليصبح عضوا فيه ، ليكون رقمنا 74 من بين بلدان اخرى في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ، فأن بامكانه الان ان يصبح اقتصادا متلقيا لدعم البنك المالي والاستثماري . ( المدى ليوم 3/12/2023) .
فمن من الملفات الثلاث يكون اقرب للرؤية الاقتصادية للعراق ؟ هذا السؤال الكبير ، الذي بالاجابة الدقيقة علية ’ ندخل في اشتراطات قوله تعالى ( ان الله لا يغير بقوم حتى يغيرو ما بأنفسهم ) ، اذ يكون التكافؤ بين ذوي العلاقة حاضرا ، وبعكسة نعود للمراوحات السابقة ان لم تكن تراجعات .
ولعل ابرز مؤهلات التكافؤ على الاطراف الاخرى ان تأخذ تراثنا بنظر الاعتبار شاخصا ، اذ نصف قرن مضت ونحن نراوح في خانة عدم وضع اعتبار حقيقي لهذا التراث ، ليأخذ الوضع الداخلي طابع التناحر والتشرذم الاثني والمذهبي . وهذا ما حصل منذ تأسيس الدولة حيث تلتقي المألات بنفس النقطة . ( صحيح ان المملكة الهاشمية كانت من صنع الانكليز , الا انها كانت خلال العقدين الاولين من عمرها مفعمة بروحية مناقضة اساسا لروحيتهم ’ الامر الذي جعل البريطانيين يرمون بثقلهم الى جانب المشايخ والاغوات , والى جانب ( سادة ) المدن , لكبح اي انحراف محتمل للملك فيصل ’ الذي مثل فكرة المجتمع الواحد , عن الخط الذي فيه ارادتهم . / د. ماهر الشريف/ المجتمع العراقي / حفريات سوسيولوجية في الاثنيات والطوائف والطبقات/مع مجموعة من الكتاب / ص59/ 2006) .
لذا طالت التشرذمات والانقسامات احزاب اممية وديمقراطية في ضوء مذهبيات واثنيات ، كون القاسم المشترك الوطني يفتقر لتكامل شروط الدولة الحديثة بحدودها وسيادتها واليات ذلك ليكون المجتمع موحدا كما اراد الملك الاول .
فالبيانات المشتركة او اطارات التعاون يقدمها الاطراف ذات العلاقة منسجمة تماما كاستراتيجيات غير خاضعة لتقلبات برلمانية موسمية و تحالفات انتخابية ، بدون برامج عملية يمكن متابعتها .
فالممر الهندي بات حبر على ورق ، خصوصا بعد انكشاف عار ابرز ديمقراطية كما يسميها الغرب والامريكان في الشرق الاوسط اذ يكفي تظاهرات النخب الاكاديمية والطلابية ، لتذكرنا بفيتنام ، وكيف هزمت التحالفات وكيف نهضت من الرماد الان فيتنام . فامريكا لا تشجع كثيرا الممر الهندي كونه يخدم الاوروبين اولا بينما يعتقد الامريكان هم قادة الديمقراطية العالمية ، كما ان الاوروبيين كسوق يمسكون العصى من المنتصف فلديهم حرير العراق الصيني المنشأ قريب جدا مقرونا بالصديق اللدود تركيا .
فتركيا باتت والعراق بحكم جغرافيتيهما محورا لاهل الحرير ولهم مصلحة كبرى ان يبقى الهندي حبرا على ورق , وليصبح طريق الحرير اكثر تاهيلا سيما وانه يقع في منطقة القوة الناعمة بذراعها الاقتصادي وسوقها الاعظم , لذلك لاتسعى امريكا للصرف على الهندي كما بذخت الصين لحريرها برا وبحرا .
من هنا ستمسك الصين بالطريقين او الممرين اذ لديها موانئ في اليونان شاركت بها وليست مستعدة للمساومة عليها . اما تركية وبحكم موقعها الستراتيجي ومؤهلاتها كدولة حديثة تصبح مصلحتها ان طريق تنميتنا سالكا دائما لتضمن هي ونشارك في استقراره .ووصولا للسعودية التي باتت لا تهضمها المعدة الغربية اذ اغلب صادراتها النفطية هي باتجاه الصين واخواتها الاسيويات , كما لا يفوتنا انظمامها المتوقع لمجموعة البريكس مع الجار الجنب ايران والصلح بارضية عراقية ومباركة صينية .
هناك من يعتقد ان الوعي ما بعد غزة سيكون مختلف بعد رفع الاقنعة عن حقوق الانسان والديمقراطية ، يرافقها استحالة استعمال النووي لكنه سيكون معزز للهيمنة والسيادة , لذلك ستقفز ايران في اليوم الثاني لغزة ، كما اثبتت ساحة العمليات ، كما ان اغلب دول المنطقة ادركت متأخرة ونحن منها . ان التكافؤ في العلاقات الدولية اجدى اقتصاديا وتنمويا من التبعية بما فيها اسرائيل ، اذ ربما تسعى للتطبيع اكثر كمحور اساس لتنسجم مع المحيط الاقليمي ، ولذلك فالدول الهشة ديمغرافيا ربما تفكر بالانظمام للدول المجاورة الضامنة للاستقرار في المستقبل . فنتنياهو وضع الان في خيار بين رفح او تطبيع سعودي بشروط الدولتين , الذي من المحتمل بعد تراجيديا غزه ان لا تكون بعيدة , حيث مقتضيات الراعي الاوروبي والامريكي .
ولكي نلتحق لابد ان نتصف اولا كدولة حديثة اولا لتنبثق ارادة حقيقية ترتكز على عواملها الداخلية بعد الخروج من تحت المظلات التي هيمنت باسم عدو عدوي صديقي كما يحصل مع داعش وباقي الاوراق الضاغطة . ولهذا لابد من تأثيث البيت الوطني العراقي . بعد التخلص من التشوهات الاقتصادية ’ لكي يكون ممرنا نحو اوروبا سالكا ، كون هذا التشكيل هو اهم عناصر التجارة الدولية عالميا بين اسيا بشرقها وغربها واوروبا بتكنولوجتها وعراقتها الدولية ، ولتسعى حسب النموذج الذي اقترحه ديغول بالعودة لقاعدة الذهب وما يترتب عليها , سيما بعد تذبذب الدولار بعلاقته بانتاج النفط كبديل عن الذهب ، وتحوله اي الدولار لسيف عقوبات ، تفكر اوروبا وغيرها للخروج من الخيار الاوحد ، كما ترسمه اوكرانيا وتراجعات في المعسكر الاوروبي كعبئ اقتصادي امني ليس هينا .
فاثاث بيتنا لا زالت غير جاهزة لاحتضان طريق التنمية كبيئة متكاملة , مثلا من خلال الموازنات ذات العجز المزمن ’ يعادل او اكبر من الموازنة الاستثمارية , هذه عاهه مستدامة رغم الوفرة النفطية ’ وتوقف 57الف معمل وورشة مما ولد بطالة مستدامة ايضا , يحتويهما ان النفط محتجز للموازنة التشغيلية المترهلة كبديل عن البطالة المستدامة لتصبح التشغيلية مستدامة كعاهه .
سبق لنا ان اكدنا على اولوية الصناعة النفطية المتاحة لاي حكومة بالحد الادنى ، والان عمليا نحن نستورد المنتجات النفطية والغاز لترفع كلف اعادة الوطنية الكهرباء التي بلغت 80 مليار دولار , وستبقى الكهرباء الوطنية مشلولة غازيا لنرقعها( بجطلات )عربيه باسم التكامل الاقليمي او القومي . اذن الرهان اولا هو الصناعة النفطية والغازية بزراعة حديثة من خلال تراخيص مع نيوزلانده واستراليا والصين ، بموجب كفالة سيادية ضامنه لا تقل عن 85% .
هذا الحد الادنى حسب رؤية اصحاب الشأن العراقي , سيما ونحن بدأنا بزخم سكاني تمضي معه مشكلة الارض وملكيتها وتصحرها البالغ حتى الان 6 مليون دونم .
الرؤية العراقية التنموية لم تعد سرا في اعمدتها الرئيسية ، ما عدا بعدها الجيوسياسي الذي باتت تباشيره تلوح اقليميا ودوليا ، اذ بعد غزة على الاقل ادركت اسرائيل ومن ورائها ان التكافؤ في العلاقات الدولية ، كمبدأ ياخذ مكانه في رسم السياسات الدولية ، وان الارادات السياسية هي اللحمة لسداها الاقتصاد الزاحف من الشرق كقوة ناعمة ، وان الغرب عامة وصل لطريق مسدود مكشوف ليتعامل مع روسيا وايران وتركيا والبريكس باركانه الخمسة المنتشر عالميا سيتعايش مع الهندي من خلال فرادة الصين وكرامة البريكس عموما والمتنامية ، علما ان الهند عضو مؤسس للبريكس.
لتنحسر الخيارات اقليميا بين اما المراوحة او جرأة العمل الوطني ، لا كما رسمته العولمة بدول صغيرة تدور في افلاك محدودة بين تنمية ناقصه مشوهه وبين تطلعات قد تجد طريقها في طريق الحرير اواي توجهات خارج الاطر التقليدية ، التي افرزت الهجرات والجريمة المنظمه والمخدرات وتجارة البشر واعضائها . ومع الاسف كان نصيبنا منها ليس هينا لتصبح الاطراف الصغيرة مجرد بؤر ومستنقعات رغم توفر المؤهلات للنهوض التاريخي .
السؤال الاخير : هل ستترجم مذكرات التفاهم الامريكية والتركية والاوروبية في الافق الانتخابي المحتدم الان ؟؟ وهل الجيل الاول من ساسة التوافقات سيدرك خطورة الموقف ؟ وهل الجيل الجديد من الساسة الشباب اي من كوادر احزاب السلطة سينظرون بعين غير عيون التحاصص والهوية الفرعية ؟ ام التيارات الديمقراطية والوطنية العابرة للتحاصص ، لديها برامج عملية ومؤثثة او مسلحة برؤية عراقية ؟ تعمل بديناميكة متفاعلة مع الداخل والخارج لتكسب او تسحب ابسطة تهرأت باعادة تدويرها للعشرين عاما خلت . الارتهان الاقليمي والدولي كما يلقي بظلاله سيكون سالكا للحرير مستعيرا نعومته ، رغم الصمت الامريكي ازائه ، اولا واخيرا نقول : لايحك جلدك غير ظفرك ، وفق الله من يؤمن كذلك .