عصام الياسري
فيما يعاني العراق منذ عقدين من أزمة قاتلة لنقص مياه نهري دجلة والفرات، وصراعات سياسية داخلية تشغله الدفاع عن حقوقه المائية في الوقت الذي ارتفع حجم الاستيراد التجاري للعراق من تركيا إلى 20 مليار دولار سنويا كما أعلن الرئيس التركي خلال زيارته الأخيرة للعراق.
وعلى ما يبدو أن اهتمام الرئيس أردوغان ينصب في المقام الأول خلال الزيارة القضاء على حزب العمال الكردستاني. الأمر الذي سيدفع موضوع معالجة مناسيب المياه للعراق بناء على تصريحات أردوغان إلى أجل غير مسمى، تتقاتل تركيا والعراق لأمد على تحقيقه. إذ أكد: "أنشأنا لجنة تركية عراقية لحل مشكلة المياه على أساس علمي وعقلاني"، وواصل: إنه "تم البحث بإنشاء لجنة دائمة لمتابعة ملف المياه مع العراق"... بيد أن نتائج المباحثات ورؤى الجانبين في هذا الشأن تؤكد: إنها مرت لغير صالح العراق وأي حلول على المدى المنظور غير ممكن. ونظرا للجدال بين الجانبين لوحظ بأن موقف السوداني عن الجانب العراقي خلال المحادثات من ناحية المبدأ لا يتطابق مع مستوى الطموح الوطني ولا القانون الدولي، وان المسألة أصبحت ثانوية، من حيث إنه لم يمارس على الجانب التركي خلال المباحثات الضغوط بحزم وجعل التعامل التجاري أحدها، مقابل إصرار أردوغان على اقرار العراق استراتيجية الاعتراف بأن حزب العمال الكردستاني ـ التركي منظمة إرهابية.
مجيء رئيس الدولة التركية إلى العراق الدولة المجاورة لأول مرة منذ 13 عاما على ما يبدو لا يخلو من المصلحة الذاتية الرومنطيقية: المياه مقابل اتفاقيات نفطية وأمنية لتركيا- "هكذا يمكن تلخيص الزيارة برمتها". من الجانب العراقي كان يفترض أن يكون توقيع اتفاقيات التعاون والنمو الاقتصادي للعراق مع تركيا مرهون بمعالجة النقص الحاد في المياه في العراق- البلد التاريخي الذي يضم نهرا الفرات ودجلة، اللذين تنفد مياههما بشكل خطير، ويقع اللوم على مشاريع السدود الضخمة في تركيا.
إلى ذلك فإن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لم يحسن التقدير. بأن المستنقعات في العراق مهددة بالجفاف بسبب تغير المناخ ومن الممكن أن تتحول منطقة الأهوار في جنوب العراق إلى صحراء. أكثر ما يتوقعه أردوغان الذي كما يبدو أنه لا يقدم يد العون لجارته الجنوبية دون الحصول في المقابل على الكثير من الأطماع. زيارته كانت في المقام الأول تتعلق بالاتفاقيات الأمنية المشتركة وبالتالي القضاء على حزب العمال الكردستاني الكردي، الذي حظرته مؤخرا الحكومة العراقية وأسعد ذلك أنقرة كثير ودعوة أردوغان الحكومة العراقية إلى اتخاذ إجراءات إضافية حاسمة ضد حزب العمال الكردستاني، مؤكدا بأن الحرب ضد الإرهاب من أهم القضايا، وأنه "ناقش مع السوداني الخطوات المشتركة ضد حزب العمال الكردستاني". قائلا: إن وجود حزب العمال الكردستاني في العراق يجب أن "ينتهي في أسرع وقت ممكن"، وأن بلاده مستعدة "لتقديم الدعم الكامل" للعراق في تحركاته. في إشارة إلى أهمية تفعيل الاشتباكات المباشرة مع حزب العمال الكردستاني، أيضا الغارات الجوية التي نفذتها تركيا في العراق وتم تدمير 29 موقعا لحزب العمال الكردستاني، بما في ذلك الكهوف والمخابئ والمنشآت النفطية العراقية..السؤال: هل ستغادر تركيا الأراضي العراقية التي تمددت فيها بعمق 40 كم إذا ما تم القضاء على حزب العمال، أم ستبحث عن ذرائع جديدة لتهديد أمننا الوطني؟.
خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع رئيس الوزراء محمد السوداني، قال إردوغان: إن "العراق بلد جار وتربطنا به قواسم مشتركة عديدة"، موضحا أنه تمت المناقشة مع رئيس الوزراء "التعاون في ملفي الأمن ومكافحة الإرهاب"، مؤكدا استعداده لتقديم الدعم إلى الحكومة العراقية وكان وزير الدفاع العراقي قد وعد بإنشاء مركز تنسيق للمعلومات الاستخباراتية قبل بضعة أسابيع. مما يعتقد من أن يكون أردوغان يخطط تحت ذريعة دفع علاقات العراق وتركيا إلى الأمام، القيام بهجوم وشيك ضد المقاتلين الأكراد الذين يختبئون في كردستان شمال العراق؟. أو استغلال ضعف العراق ومعاناته من الصراعات الداخلية، للدفع لأن ينفذ بانتظام مصالح تركيا وأمنها؟ دون تنفيذ الاتفاقات الموقعة بالكامل، ومنها حقوق العراق المائية ومن بينها المساهمة في إدارة أفضل لمياه نهري دجلة والفرات... لننتظر ونرى مدى جدية حكومتنا العتيدة من تحقيق وعودها وإخراج العراق من صيغة "مفعول به" إلى "فاعل" على المستوى الإقليمي والدولي...