اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > أبـانــا بـطـــرس.... مــا أوجــع رحـيـلـك

أبـانــا بـطـــرس.... مــا أوجــع رحـيـلـك

نشر في: 30 نوفمبر, 2010: 05:51 م

د.نادية غازي العزاويّفي هذا الظرف العصيب ،والعراق مصلوب على المفترق ،والحاجة أمسّ ما تكون إلى صوت الحكمة ،في هذا التوقيت يغادر علماؤنا ومفكرونا،ويخلّفون لنا ميراثهم تركة ثمينة عسانا أن نستلهم منها العبر . وهاهو الأب بطرس الحداد ينضمّ بهدوئه المعتاد إلى القافلة في رحيل دراميّ هو امتداد طبيعيّ لدرامية الواقع العراقيّ الملتهب
المستعصي على التحليل والتفسير حيث المستقبل الغامض يفغر فاه ليلتهم بلداً تصحّ فيه كلّ الاحتمالات وقد لاتصحّ في الآن نفسه،بلد تجري عليه كرنفالات الدم وعروض المجازر من كل صنف ولون بمرأىً ومسمع من العالم.رحل الأب بطرس ألماً على قيم ما كان ولاكنّا نريد لها أن تتزعزع أو تنهار ،ألماً من مفخّخات وقذائف تعبث بكل معنىً نبيل وراقٍ متبق في بلد الحروب والمآسي ، ألماً على نسيج اجتماعي وثقافيّ متماسك ولد وترعرع وكبر وتعلّم وعلّم فيه و يراد له الآن المحو والزوال . لقد أشرب الأب بطرس حبّ العراق :ماءه وترابه وتاريخه وقراه ومدنه وأعلامه ، وكتب عن كنائسه وأديرته بحوثاً ومقالات أدعو من هذا المنبر إلى إعادة طبعها ونشرها ليعرف المغرّر بهم عمق اللحمة التاريخية والثقافية بين الشعب العراقي :مسلمين ومسيحيين وصابئة وعرباً وأكراداً وتركماناً .....وغيرهم ،حيث تتجاور المساجد والكنائس وبيوت العبادة في بغداد والبصرة والموصل والحلة والعمارة والحيرة ،وحيث تتربّع في الذاكرة الفردية والجمعية العراقية وجوه وأسماء وشواخص مسيحية عزيزة وحميمة ،مؤثرة وفاعلة فينا .                   وما دأبه على ترجمة رحلات الأجانب إلى العراق – وهو المجال الذي تميّز به في المشهد الثقافيّ العراقي المعاصر – إلاّ نوع من العشق إذتتاح له مع كلّ رحلة استعادة العراق زماناً ومكاناً وأحداثاً حتى ليصحّ فرز سياقين متوازيين في رحلاته :                                        - سياق خارجيّ تمثّله مغامرات الرحالة الأجانب المحفوفة بالمفاجآت والغرائب حيث تمتزج الحقائق بالأوهام والوقائع بالخيالات.وسياق داخليّ يعيش فيه المترجم ضرباً من الرحلات الروحية والفكرية يعيد فيها اكتشاف العراق داخله  زماناً ومكاناً وسكاناً ومشكلات ومواقف ورموزاً .إنه يترجم رحلاته ،ويتعامل معها بحرص ودقة المؤرخ والمحقق،فيثريها بالمقدمات والملاحق والهوامش ويرفدها بالمعلومات التاريخية والجغرافية والدينية الوافية ،فضلاً عن تحرّي دلالات المصطلحات والعبارات التي يحسّ - بمو ضوعية الباحث الكامنة فيه – أهمية توضيحها للقارئ ليجلو غامضاً أو يمنع لبساً. يقول في مقدمة ترجمته لرحلات سبستياني الى العراق : (( تضمّ كتب الرحلات فوائد ومعلومات تاريخية واجتماعية وتراثية عديدة ،ولذلك فقد أخذنا منذ فترة من الزمن بالبحث عن تلك الكتب لمطالعتها ومن ثم تقديمها إلى القارئ العراقي ،وغايتنا في ذلك إسداء خدمة لأبناء هذا الوطن العزيز ))(ص3)، وظلّ يعترف لمجلة المورد خاصة ورئيس تحريرها المرحوم (عبد الحميد العلوجيّ) فضلهما عليه و حثّه على توظيف إمكاناته اللغوية – وهو الذي يجيد الانجليزية والفرنسية والإيطالية واللاتينية – على ترجمة مؤلفات هذا الجنس الأدبي العريق ورفد المكتبة العراقية والعربية بها ،وقد أسعفته في ذلك عربية جيدة ،وكيف لا وقد نهل من الموروث العربي إذ شكّلت المعاجم والمصنفات التاريخية والبلدانية روافد أساسية في تكوينه الثقافي  وذائقته،إذ تتربّع مؤلفات الطبري و المسعودي وابن خلدون وياقوت وابن خلكان وابن منظور على رفوف مكتبته يمدّ يده إليها كلّ حين يستمدّ منها معلومة هنا وخبراً هناك ، ويصحّح ما وقع من تصحيف أو خطأ . وكان قد بدأ منذ مدة في مباشرة مشروعه الجديد البارز ،الذي حدّثني عنه بحماس وأراني مباحث كاملة منه ،و اتفقنا على أن يكون عنوانه :(معجم المصطلحات المسيحية في التراث العربي ّ)،وهو مشروع ضخم لا ينهض به إلاّ قلم كفء متمرّس كالأب بطرس الذي يمثّل هو مجايلوه امتداداّ مشرّفاً للمؤرخين والمحققين الأثبات : الأب الكرمليّ والأخوين عواد ويوسف حبي و....غيرهم . الأب بطرس – تكويناً وتوجّهاً ووعياً – ضد كلّ المخططات الانشطاريّة التي تعمل اليوم بقوة ضمن سياق سياسي وثقافي مساعد على تفتيت لحمة الشعب العراقيّ، وهو أنموذج لرجل الدين العامل المتنوّر الذي فتح تراثه الكنسيّ على ثقافة المجتمع فزاوج ومازج وفاعل ، ومن المفيد جداً أن لا يقتصر استذكاره  على  الوسط الدينيّ فقط ،فمشروعه الثقافيّ والمعرفيّ مفتوح على فضاءات أرحب وأشمل من الثقافة الدينية بعناصرها&

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram