TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > صباحنا فلّ.. مزاجنا عنب

صباحنا فلّ.. مزاجنا عنب

نشر في: 4 ديسمبر, 2012: 08:00 م

لماذا لا يكون صباحنا فل الفل، ونحن نطل على جسور وأنفاق وشوارع بغداد، وقد ضاقت بمن فيها، وصارت مثل عقد تراكبت حباته، واختلفت ألوانها، وأحجامها، ومدن صنعها، واشتجر شهيقها بزفيرها.. سيارات شلت حركتها، بدون مسافات أمان، أنف هذه دست بذيل تلك، واستحالت لغة الشارع إلى أبواق اختناق، واستنجاد، وضجر، وتعطل مصالح، من جانب، وحيرة وتعطل لغة شرطة المرور، إلا من تعليقات (سبي كرات) سيارات الشرطة المتحركة.. تحرك أبو (السايبة)، تحرك..أبو (الكيا)، من جانب آخر، وأنى لهم الحركة، وقد ضاقت بهم السبل.

لماذا لا يكون مزاجنا عنباً، ونحن نمضي أكثر أوقاتنا في الشارع (نفكر بلي نسينا, وننسى اللي فاكرنا)، ونشاغل عمرنا الضائع بالأوهام بشراء كارت آسيا (كلك)، أو قدح شاي أصفر، أو الإصغاء إلى عدد من التعليقات الساخرة من الحال، أو أي شيء آخر عسى أن يتحرك الشارع بمعجزة وتنزلق عجلات المركبة نحو الهدف، ولكن لا شيء يحدث.. لا أحد يجيء،فالمعنيون بالأمر، شأنهم شأن غيرهم من المسؤولين في المركب العراقي (كثرة ملاليحه وغرك)، لا خطط، ولا متابعة، ولا دراسة تواكب حال الشارع، ومساحته القادرة على استيعاب أعداد تقريبية من السيارات، كما يحدث في الدول المتمدنة، التي تحترم نفسها، وتحترم شعوبها، وتحترم الزمن، وما يشكله في بناء اقتصاد البلدان.

لماذا لا تكون نهاراتنا مئة فل وعشرة، ونحن نتعثر في طرقات تكسرت عظام وجهها، وتحولت إلى برك آسنة، يتوج الطين أخاديدها، بسبب مزحة مطر عابرة، بينما انشغل العمال يجملون جسر الجمهورية بالقناديل، كجزء من خطة إنارة جسور العاصمة، حتى (ترقص الأضواء..  كالأقمار في نهر)، أكيد المزاج عنب العنب، لشدة جمال ورومانسية المنظر..ولكن أين الكهرباء التي ستنور بها قناديل هذه الجسور، وستائر الظلام تستدل على بغداد بعد أن يجن الليل بوقت قليل، ويستحيل الغناء تحت ضوء القناديل.

لماذا لا يكون المزاج عنباً والشارع صار مهرجاناً لكل شيء يشبه كثيرا أوبريت (الليلة الكبيرة) بيع وشراء لكل البضائع:جديد و(بالة).. أغاني أعراس ومآتم هي نفسها على ذات الإيقاع والكلمات بتحوير بسيط حتى لكأنك تكاد تطرب أو يهتز لك رأس، فتصعقك مفردة تقضي على المعنى، وتهيمن عليك حالة مختلفة   تتناقض تماما مع الإحساس الأول.. طبل وزمر.. إعلانات واقعية ووهمية.. يافطات وصور كثيرة، وأقوال وحكم تحض على الفضيلة، وتحرم الرذيلة، لكن الشارع في موال آخر، لا يدري عنها شيئا.. شباب، ورجال تجاوزوا العمر الافتراضي، لكنهم يحترفون (الحرشة)، ومتابعة النساء، حتى يخيل للمرأة أنها تمشي عارية، أو أنها أجمل سيدات العالم، من فرط فجاجة وجرأة التعليقات، التي تصل أحيانا إلى استخدام الأيدي، أو الضرب بالكتف، وأشياء أخرى.. بعض يقال، وكثير مالا يقال.

وصباحنا فل.. مزاجنا عنب!!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

العمودالثامن: نظرية "كل من هب ودب"

العمودالثامن: نظرية "كل من هب ودب"

 علي حسين يريد تحالف "قوى الدولة " أن يبدأ مرحلة جديدة في خدمة الوطن والمواطنين مثلما أخبرنا بيانه الأخير الذي قال فيه إن أعضاء التحالف طالبوا بضرورة تشريع تعديلات قانون الأحوال الشخصية، التي...
علي حسين

قناديل: انت ما تفهم سياسة..!!

 لطفية الدليمي كلُّ من عشق الحضارة الرافدينية بكلّ تلاوينها الرائعة لا بدّ أن يتذكّر كتاباً نشرته (دار الرشيد) العراقية أوائل ثمانينيات القرن الماضي. عنوان الكتاب (الفكر السياسي في العراق القديم)، وهو في الاصل...
لطفية الدليمي

قناطر: كنتُ في بغدادَ ولم أكنِ

طالب عبدالعزيز هل أقول بأنَّ بغداد مدينةٌ طاردةً لزائرها؟ كأني بها كذلك اليوم! فالمدينة التي كنتُ أقصدها عاشقاً، متلهفاً لرؤيتها لم تعد، ولا أتبع الاخيلة والاوهام التي كنتُ أحملها عنها، لكنَّ المنعطفَ الخطير والمتغيرَ...
طالب عبد العزيز

الزواج رابطة عقدية تنشأ من دون وسيط كهنوتي

هادي عزيز علي يقول الدكتور جواد علي في مفصله لتاريخ العرب قبل الاسلام ان الزواج قبل الاسلام قائم على: (الخطبة والمهر وعلى الايجاب والقبول وهو زواج منظم رتب الحياة العائلية وعين واجبات الوالدين والبنوة...
هادي عزيز علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram