عبد الحليم الرهيمي
خلال الاشهر التي سبقت زيارة الوفد الحكومي الذي ترأسه رئيس الحكومة السيد محمد السوداني الى واشنطن، تكرر حديث متواتر عن سعي العراق والولايات المتحدة الاميركية لأقامة علاقات وشراكة ستراتيجية مستدامة بين البلدين لتحقيق مصالح شعبيهما وبلديهما وقد تناولت تلك الزيارة البحث في توفير مستلزمات تحقيق تلك العلاقات والشراكات والتي كان جزء منها ومقدمتها ما أنجزته تلك الزيارة من نتائج واتفاقيات ومذكرات تعاون وتفاهم للعمل في المرحلة المقبلة.
ثمة أفقان او مآلان لتلك العلاقات والشراكات، الاول هو تعثرها وعدم تفعيل مستلزماتها وعرقلة اي جهود او محاولات لتحقيقها فعلياً، وذلك كما جرى التعامل مع (اتفاقية الاطار الاستراتيجي) التي وقعت بين حكومتي البلدين، العراق والولايات المتحدة عام 2008 وجرى تجميدها من احد الجانبين او كلاهما وكل لأسبابه ومن اسباب هذا التجميد او الاهمال من الجانب العراقي، هو ايديولوجي وسياسي من جانب بعض القوى السياسية المؤثرة في قرارات السلطة ومنها مصالح فئوية ومصلحية او الرغبة في استمرار حالة تفشي الفساد المالي والاداري الذي تمثل البيئة المناسبة لعمل الفاسدين والتي قد تنتهي او تتقلص لحدودها الدنيا جراء الرقابة وتشريع القوانين او اتخاذ الاجراءات التي تحقق ذلك.
وبالطبع، فان الافق او المآل الاول المفترض هو تعثر وعرقلة تحقيق تلك العلاقات والشراكات مع الولايات المتحدة الذي حصل في معظم المواقف السلبية التي اتسمت بها هذه العلاقات في المراحل السابقة منذ عام 2003.
اما الأفق او المآل الثاني المفترض والمنشود فيتمثل في توفر الارادة الوطنية لادارة وقيادة الدولة في هذه المرحلة والمراحل التالية لتحقق هدف اقامة العلاقات والشراكات الاستراتيجية المستدامة بين العراق والولايات المتحدة وبما يعود بالفائدة على البلدين والشعبين، وخاصة على العراق وشعبه، حيث ينتظر العراق من هذه العلاقات ان تقدم الولايات المتحدة له كل اشكال الدعم والمساعدة بمختلف المجالات، الاقتصادية والسياسية والأمنية والطاقة.. وغيرها من الانجازات العلمية والتكنولوجيا المتطورة، بما يسرع في تحقيق التقدم و البناء و الاعمار وتعويض العراق عما فاته من تحقيق ذلك في المراحل السابقة.
وفيما يتعلق بأهمية السعي الجدي والمثابر وتوفر الارادة الوطنية لتحقيق العلاقات والشراكات الاستراتيجية المنشودة مع الولايات المتحدة يمكن ان نشير لتجربة العراق في هذا المجال دون ان نشير الى تجارب عالمية اخرى، وهي التجربة التي عبرت عنها العلاقة والشراكة الستراتيجية بين العراق وبريطانيا خلال العهد الملكي (1921-1958)، وذلك بصرف النظر عن التوصيفات السلبية المتعددة التي يطلقها على ذلك العهد وطبقته السياسية، والتي تتطلب اعادة نظر وتقييم موضوعي لا سياسي عاطفي، فخلال العقود الاربعة للعهد الملكي الذي حقق خلالها انجازات ومشاريع كبيرة بمختلف المجالات الاقتصادية والتعليمية والصحية والعمرانية والثقافية والتي بدأ فيها (من الصفر) بعد العهد العثماني الظلامي فقد تحقق كل ذلك من خلال دور بريطانيا وعلاقتها بالعراق بدءاً من دورها في تاسيس الدولة العراقية التي ارغمتها على تاسيسها والثورة التي اندلعت ضد الاحتلال عام 1920 ثم في دورها بالمساعدة ببناء العراق ابان عهد الانتداب (1921-1932) وحتى الاستقلال عام 1932 ودخول العراق عصبة الامم وحتى بعد تلك الفترة وحتى العام 1958 اذ اطاح الانقلاب العسكري او الثورة في 14 تموز – يونيو من ذلك العام بالوجود البريطاني وبالطبقة السياسية التي كانت حاكمة آنذاك.
ومن خلال سياسة (تحالف – صراع – تحالف) بين الحكومات الوطنية العراقية المتعاقبة التي حكمت العراق آنذاك والوجود البريطاني ومستشاريه، لم تكن هناك وثيقة او اتفاق عراقي بريطاني لاقامة علاقات وشراكة استراتيجية بينهما، انما تحققت هذه العلاقة والشراكة من خلال المعاهدات والاتفاقيات العديدة التي عقدت بين الجانبين وخاصة المعاهدات لعام 1922 و 1930 التي تشير دراستها والتمعن بها الى طبيعة النصوص التي وردت فيها وخاصة التعهدات بمساعدة العراق بمختلف المجالات وهو ما تشير اليه انجازات العهد الملكي.
ان الأفق المنشود لعلاقات وشراكات استراتيجية بين العراق والولايات المتحدة يمكن ان يستفيد – بقدر ما – من تجربة العلاقات العراقية البريطانيه والاخذ بالاعتبار الظروف والتباينات المختلفة والمتشابهة بين مرحلة العهد الملكي والعهد الراهن.