اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > التحولات الرقمية في مجال العمل الإداري الفرص والتحديات

التحولات الرقمية في مجال العمل الإداري الفرص والتحديات

نشر في: 1 مايو, 2024: 11:10 م

د. طلال ناظم الزهيري

مفهوم التحول الرقمي يقصد به عملية توظيف التقنيات الرقمية لإحداث تغيير في طريقة عمل الشركات والمنظمات، وذلك من خلال الاعتماد على أدوات وعمليات واستراتيجيات رقمية مبتكرة لتبسيط الإجراءات الإدارية وتعزيز كفاءة الخدمات.

وغالبا ما يهدف دعاة التحول الرقمي إلى تمكين المؤسسات من التكيف مع متغيرات الأسواق الداخلية والخارجية وتوقع احتياجات العملاء لضمان الاستفادة من الفرص الناشئة في العصر الرقمي، إذ يمكن القول إن استراتيجيات التحولات الرقمية تعد اليوم ضرورة ملحة للشركات والمنظمات في جميع المجالات التي تسعى إلى التطور في عالم مدفوع بالابتكار التكنولوجي. في هذا السياق، تسعى معظم الدول النامية ومنها العراق إلى صعود قطار التحولات الرقمية للحاق بركب الدول المتقدمة التي تجاوزت فيه محطات كثيرة في طريقها إلى التحول الرقمي الشامل. وهنا لا بد من الإشارة، إلى أن سياسات التحول الرقمي غالبا ما تنطلق من محركات لتكون دوافع ضاغطة على هذه الدولة أم تلك لتنفيذ عمليات التحول الرقمي ولعل الحتمية التكنولوجية في مفهومها الواسع تعد في مقدمة تلك المحركات بل لعلها هي الجامع المانع لبقية العوامل المحركة لعمليات التحول الرقمي. حيث إن التطورات السريعة في التقنيات الرقمية مثل الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وتحليلات البيانات الضخمة والأتمتة. كل هذه من المحركات الرئيسية للتحول الرقمي والتي بواسطتها يمكن توفير قدرات وكفاءات وفرص جديدة للابتكار، مما قد يغري المؤسسات على تبني منهج التحول الرقمي كاستراتيجية وطنية لتظل قادرة على المنافسة.

ومن الضواغط الأخرى رغبات المواطنين الذين يطمحون اليوم إلى تجارب شخصية سلسة ومريحة عبر جميع نقاط الاتصال سواء عبر الإنترنت أو الهاتف المحمول أو بالاتصال المباشر مع المؤسسات والمنظمات لضمان تلبية توقعاتهم المتطورة من خلال الاستفادة من قواعد البيانات لتقديم منتجات وخدمات وتجارب مخصصة تشعرهم بالرضا. كذلك يمكن أن تعد العولمة ضاغطا خارجيا خاصة بعد ان اصبح الاقتصاد العالمي الذي تغذيه التقنيات الرقمية اكثر ترابطا من ذي قبل مما ساهم في تسريع وتيرة الأعمال وزيادة حدة المنافسة بين المؤسسات على النطاق المحلي والدولي. حيث يتيح التحول الرقمي لتلك المؤسسات توسيع نطاق وصولها إلى أسواق جديدة والتعاون بشكل أكثر فعالية على نطاق عالمي. ولا شك ان تضخم البيانات الرقمية يمثل احد أهم التحديات للمؤسسات ويعد ايضا من المحركات المهمة لتنفيذ عملية التحول الرقمي من أجل توجيه أدوات تحليل البيانات لاستخلاص رؤى قابلة للتنفيذ وتحسين عملية صنع القرار وتوجيه العمليات نحو الابتكار، بالتالي تتحول ضخامة البيانات إلى فرص حقيقية يمكن استثمارها في تحقيق عوائد أفضل بعد أن كانت ضخامتها تشكل تحديا. وتجدر الإشارة إلى تنفيذ عمليات التحول الرقمي في الدوائر والقطاعات العامة والخاصة يحتاج إلى متطلبات عديدة لعل في مقدمتها تحديد رؤية واضحة للتحول الرقمي وتطوير استراتيجية شاملة تتوافق مع الأهداف والغايات التنظيمية. وينبغي أن يشمل ذلك تحديد مجالات التحسين، وترتيب الأولويات، واستهداف النتائج المرجوة. وهذا يتطلب تحصيل الدعم من القيادة العليا وتأمين المشاركة عبر المؤسسة، إذ يعد التزام القيادة أمرا بالغ الأهمية لتوجيه التغيير وتخصيص الموارد بشكل فعال من أجل تنفيذ عمليات فعالة لإدارة التغيير تضمن سلاسة الانتقال إلى الأنظمة الرقمية، وهذا يشمل التواصل والتدريب ومعالجة مقاومة التغيير بين الموظفين.

ولا شك أن تقييم البنية التحتية التكنولوجية الضرورية لتنفيذ التحولات الرقمية والاستثمار فيها بما في ذلك الأجهزة والبرامج وقدرات الشبكات تعد أمر بالغ الأهمية، لضمان التوافق وقابلية التوسع وأمان الأدوات والأنظمة الرقمية مستقبلا. ولا شك أن الرغبة في حوكمة البيانات الإدارية بشكل فعال وضمان الدقة والنزاهة والأمان قد يتطلب أدوات تحليل البيانات الرقمية للحصول على رؤى واتخاذ القرار العملية التي تسهم في تبسيط العمليات الإدارية، وتيسير العمل بالاعتماد على التقنيات الرقمية لتحقيق مكاسب على مستوى الجودة والكفاءة، فضلا عن تحسين الإنتاجية وخفض التكاليف. كما نشير أيضا إلى ان من المتطلبات الضرورية الأخرى لتحقيق التحول الرقمي هو التكامل وقابلية التشغيل البيني بين المؤسسات من خلال دمج الأنظمة الرقمية مع البنية التحتية الحالية لتكنولوجيا المعلومات وضمان إمكانية التشغيل البيني بين التطبيقات والأنظمة الأساسية المختلفة. فضلا عن تنفيذ تدابير أمنية قوية لحماية المعلومات الحساسة والتخفيف من مخاطر الأمن السيبراني. وضمان التوافق مع اللوائح والمعايير العالمية التي غالبا ما تدعو إلى إنشاء آليات للمراقبة والتقييم والتحسين المستمر لمبادرات التحول الرقمي. وذلك عن طريق متابعة تعليقات المستخدمين، وتتبع مؤشرات الأداء الرئيسية، وتكييف الاستراتيجيات حسب الحاجة لتحقيق النجاح المستمر. واليوم وفي ظل وجود رغبة حقيقية للحكومة العراقية لتحقيق التحول الرقمي في مؤسساتها لضمان تقديم افضل الخدمات بابسط الاجراءات عليها ايضا ان تنظر الى تذليل العقبات التي نعتقد انها تشكل تحديات حقيقية في مسيرتها نحو التحولات الرقمية. ولعل في مقدمة هذه التحديات هو ضعف البنية التحتية التكنولوجية في العراق، التي تتمثل في شبكات الاتصالات والاتصال بالإنترنت التي نجدها مقارنة مع الدول الاخرى غير كافية ولا تتناسب مع حجم واهمية العراق. وفي سياق متصل هناك حاجة ملحة لتذليل المخاوف الأمنية عند المواطن اذ تشكل تهديدات الأمن السيبراني مخاطر إضافية على البنية التحتية الرقمية والبيانات الحساسة، مما يقوض الثقة في الأنظمة الرقمية ويعوق اعتمادها. اما على الصعيد الشخصي اجد ان هناك فجوة رقمية كبيرة بين المناطق الحضرية والريفية، فضلا عن التفاوت في الوصول إلى التقنيات الرقمية بين مختلف الفئات الاجتماعية والاقتصادية وهذا الامر في حد ذاته يعد عائقا في تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان تكافئ الفرص بين الموطنين. اضف الى ذلك اننا قد نواجه نقصا في المتخصصين المهرة بما في ذلك متخصصو تكنولوجيا المعلومات، ومحللي البيانات، وخبراء الأمن السيبراني، اللازمين لدفع مبادرات التحول الرقمي. اما على الصعيد التشريعيى فنعتقد ان العراق لا يزال بحاجة إلى قوانين وأطر شاملة لحماية البيانات، لتبديد مخاوف المواطنين بشأن خصوصية البيانات وأمنها وإدارتها. ولتجاوز كل هذه التحديات نوصي باتخاذ سلسلة من الخطوات والاجراءات التي من شأنها ان توجه عملية التحول الرقمي الاتجاه الصحيح وتضمن لها فرص النجاح ومن اهمها:

•إعطاء الأولوية للاستثمار في البنية التحتية للاتصالات، بما في ذلك توسيع الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة ومعالجة نقص الكهرباء.

•وضع سياسات وأطر تنظيمية داعمة لتشجيع الابتكار والاستثمار والمنافسة في القطاع الرقمي.

•الاستثمار في برامج التعليم والتدريب لتطوير قوة عاملة ماهرة قادرة على قيادة مبادرات التحول الرقمي.

•تعزيز قدرات الأمن والمرونة من خلال تطوير استراتيجيات الأمن السيبراني الوطنية.

•إطلاق حملات توعية عامة ومبادرات تعليمية لتعزيز الثقافة الرقمية وتشجيع اعتماد التقنيات الرقمية.

•تطوير قوانين شاملة لحماية البيانات وأطر تنظيمية لحماية المعلومات الشخصية وضمان ممارسات إدارة البيانات المسؤولة.

•تعزيز التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية. و التواصل مع الشركاء والمنظمات والجهات المانحة الإقليمية والدولية.

ختاما يتضح أن التحول الرقمي يمثل فرصة هامة للعراق لتحسين الخدمات الإدارية وتعزيز كفاءة العمل في مختلف القطاعات. بالرغم من التحديات العديدة التي تواجه عملية التحول الرقمي إلا أن الاستفادة الكاملة من الفرص المتاحة يمكن أن تحقق تحسيناً كبيراً في الجودة والكفاءة والشفافية في العمل الإداري. و لتحقيق هذا الهدف، يجب أن تكون هناك استراتيجيات واضحة ومتكاملة تستند إلى القوانين والسياسات الداعمة للتحول الرقمي، بالإضافة إلى استثمارات كبيرة في البنية التحتية التكنولوجية وتطوير القوى العاملة المهارة. علاوة على ذلك، يجب أن يتم التركيز على تعزيز الأمن السيبراني وحماية البيانات الشخصية، بالإضافة إلى تعزيز الوعي الرقمي وتشجيع الشراكات بين القطاع الحكومي والخاص والأكاديمي. من خلال تبني هذه الإجراءات والتوجه نحو التحول الرقمي بقوة وإرادة، يمكن للعراق أن يستفيد بشكل كبير من إمكانيات التكنولوجيا الرقمية ويحقق تقدماً ملموساً في مسيرته نحو التنمية المستدامة والشاملة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram