اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > مدلولات العشق والحلم في قصة إذا كنت تحب للكاتبة لطفية الدليمي

مدلولات العشق والحلم في قصة إذا كنت تحب للكاتبة لطفية الدليمي

نشر في: 28 إبريل, 2024: 10:51 م

ايمان عبد الحسين

ما لاشك فيه أن قصة اذا كنت تحب للكاتبة لطفية الدليمي من المجموعة المعنونة من الاسم ذاته والصادرة بالقطع المتوسط عن دار المدى، عبارة عن رسالة موجهة الى المرسل اليه/ القارىء الذي تعول الكاتبة على تمكنه من التمتع بمستوى من الرهافة والادراك من اجل استيعاب مغزى العناصر الدالة المرهونة الى كل ما في الرسالة التي تحملها القصة من وحدات للايمان بحقيقة مضمونها، وبالتالي امتلاك المقدرة التي تؤهله لادراك ما تعانيه الساردة فيها.

فاذا ما حاولنا قراءة النص القصصي في وحداته بدءا الى ما يشير اليه العنوان ودلالته التي تحيل الى الحب الذي يمثل محورالقصة والذي عليه يرتكز الاشتغال، ومن اختيار اسماء الشخصيات مثل اسم حياة الذي نلاحظ رمزيته الذي تكرره الكاتبة في اكثر من عمل حيث نجد ان اسم العلم حياة يجيء ايضا في رواية سيدات زحل من خلال شخصية حياة البابلي، وهذا يدل من ان الكاتبة باختيارها اسماء شخوصها لا يأتي اعتباطاً بل وفق ابعاد وتبعا لمحددات وضرورة حتمية للازمة للافعال النصية، وان باختيارها اسم حياة هنا حتما لا يخلو من دلالة فحياة هي للدلالة على البقاء والاستمرارية وهو نقيض الموت والفناء، اضافة الى الأمكنة، والبناء القصصي كلها تحقق الهدف من اجل إبراز المعنى التي تصرح به بما تمتلكه من عين شديدة الحساسية تحاول التقاط كل ما حولها بعيداً عن أحياز القيود بدءا من المجتمع انتهاءا بسلطة الاب الصارمة، وذلك لقناعتها من أن الحب لا بد ان يتحرر من كل القيود، فهي الساردة التي تضيق ذرعاً بكل ما يكبلها، العاشقة التي لم يكن لديها من هاجس سوى هجس الوصول الى من تحب والتي شرعت فيه الكاتبة جاهدة ملاحقة الحالة النفسية لبطلتها وانشطارها باسلوب احترافي من خلال قدرتها التحليلية في التغلغل لدواخلها والتعبيرعن مشاعرها، فهي تحاول تشفيرجميع الصور للكشف عن الدلالة المطلوبة لا سيما عبرما سجلته الساردة في البرقيات عموما الذي تعد الوسيلة الوحيدة التي تستطيع ان تمارس فيها حريتها فهي تبدو حرة في اختيار برقياتها وفي عنونتها الى الجهة المقصودة التي تبدو كمعيارحاسم لمدى المجال الانفعالي الذي تعيشه والضغوطات من حولها، نذكر على سبيل المثال البرقية الثانية الذي بعنونتها الى جبهة الحرب وبغرائبية عناوين البرقيات استطاعت الساردة ان تتخطى حدود المنطقية حيث يتزاوج الواقع مع الخيال فيها، و اذا ما حاول القارىء تفكيكها لتسلم مضمونها يجده يتوافق مع وصف معانات الساردة، ويعد اوضح تجسيد الى خداعها لذاتها وهي تحاول انقاذ نفسها من الانكسار،كما ان إن الهروب إلى الوهم من خلال البرقيات تخلصاً من أعباء وقيود الحاضر يجعل القصة تقع في اللازمان اي ما يعني تتجاوز فيه الزمن الطبيعي (اذا كنت تحب لا تنظر يمينا او يسارا، انظر الى الامام حسب، وتخلص وانت قادم الي من حافظة نقودك، وتاريخك، ومن الخوف والتردد والغضب والافكار الرديئة والندم والمطامع، ومن حبي اذا كان موشكا على الانطفاء، ومن اسمك اذا اصبحت لا تطيقه، ومن كلماتك اذا صارت ذات بعد واحد، ومن طموحك اذا اتجه نحو المغانم حسب، اذا كنت تحب فانت تشبه نبيا ولا يليق بنبي الا التبرىء من كل الرداءات، افعل هذا قبل ان تاتي الي فاذا فعلت ذلك حقا اذن انت تحب)ص100.

اذن نستطيع مما سبق ان نتبين من ان الكاتبة الكبيرة لطفية الدليمي التي تسعى تجديد وسائل تعبيرها وتقنياتها باستمرار،وفي تمكنها من ادواتها القصصية، وفي محاولاتها البحث عن كتابة روائية لها هويتها الخاصة،ما يميزها هناهو قدرة لغتها على خلق مرجعيات دلالية تاتي منطلقات التدليل فيها عبر مدلول يتم انتقاؤه من استعانتها بادق التفاصيل و القرائن المصاحبة من اشكال بصرية ذلك من اجل منح القارىء صورة أكثر حميمية ما يعزز ايصال رسالة تتمتع بقسط وافر من الشفافية والغنائية، اضافة اننا نرى ان ما تفرزه القصة من علامات ووحدات ليتحقق عبرها شفرات ايحائية بكل ما تحتويها من ملفوظات تحيل الى الحب، العشاق، احببت، عاشقا، الذي يمثل جوهر النص والذي يتعذر تحقيقه هنا كونه مرتبط بالعجز والمرض وحالة الساردة النفسية وهي تجاهد في البحث عن حالة من الاستقرار النفسي، والسلام الروحي (انا الان سوى امراة مصابة بمرض نفسي في دور النقاهة كنت فقدت كل طاقتي وقدراتي وبعض ذاكرتي خلال مرضي)ص90، مما يبقيها خارج اي فعل للتغير الا من خلال الحلم والوهم الذي هو الاخر لم يتحقق ذلك كونها لم تمتلك الطاقة حتى على الحلم (ادخل في الحلم الاكبر ان اكون معك لكنني كنت يقظة تماما واسير في الطريق وقدماي تطآن الحصى والعشب الجاف والاتربة ولم تات انت ولم تتسرب الي رائحة الشاي من ممرات البيت)ص88، وفي هذا الصدد ان الكاتبة التي تحاول صرف انتباه القارىء على امتداد القصة الى سمات تقدمها لتحقيق جانب من الصورة التي تعانيها البطلة تستلهما وتستوحيها من الطبيعة، بإحساسٍ مرهف بكائنات العالم المحيط بها وأشيائه، بهاجس تحقيق تعبيرية منسجمة مع حساسيتها التي تعلن بوضوح أن الحب وحده يملك القدرة الخارقة على جعل كل شيء ينطق عبر جزيئات تحتل مكانة مهمّة في القصة ويتجلى فيها المعنى من وقائع مظهرية لها سماتها الخاصة القائمة على حزم من الوحدات الدالة التي تفسر لنا أهمية وجودها وكثرة استدعائها والتعويل عليها في ايصال مضمون القصة، فكل المفردات في القصة تمثل صور تعد مقابلا رمزيا لحالات فعلية فهي تحمل التناقض الذي يشكل من جهة معادلا موضوعيا للحياة ((كل شيء في الطرقات يتفجر بالحياة الاعمدة كانت ترقص بمصابيحها المطفاة واسلاك الهواتف تشي بهمس العشاق)ص 87، ومن جهة اخرى معادلا للموت والفناء (انني الان هنا افتح النافذة وامامي في الغرفة خزانة من زجاج تضم عصافير وعنادل محنطة كان ابي يحتفظ بها حية وعندما تموت يحنطها ولا يستغني عنها يمتلكها حية وميتة كان يريد ان يرى الخلود في كل شيء حوله حتى في الاجساد المحنطة اما انا فكنت استثار من كل هذا واشمئز من رائحة الطيور المحنطة بينما تنعشني رائحة الريش الحي المبلول بالمطر للعصافير الصغيرة المرحة)ص90، (ثمة بوابة حديد صدئة مررت بها كانت موصدة وقد علق قفل كبير في حلقتين ضخمتين ثبتا فيها)ص 92.

من هنا يتأكد ان التجسيد الذي تطرحه القصة يأتي عبر المخيال التشبيهي مستعينة الكاتبة بضمير المتكلم الذي عبره تستطيع التغلغل في أعماق النفس والذي يتفق مع الجوانب العاطفية المحتدمة داخل الساردة والتنفيس عن احاسيسها المكتومة، لا سيما حسب الناقد عبد الملك مرتاض أن ضمير المتكلم في السرد يجعل الحكاية المسرودة مندمجة في روح المؤلف، فيذوب الحاجز الزمني اي ما بين زمن السرد وزمن السارد وهذاما يجعل الاثنين جزءاً اساسيا من حياة الساردة التي تستمر في اللعب على المتناقضات والاختلافات هنا، فما ان تخرج من نقيضة إلا لتقع في أخرى، وما إن تنتهي من وهم حتى تصطنع بديلاً عنه،وكلها مصدرها الرجل فهي المتشظية على مواقف الرجال، وهذا ما يدعو الى اجراء مقارنة بين اب يمثل الفناء والذي ينصب نفسه في محكمة النقد في مقابل رجل اخرهو العاشق الذي يمثل الاستمرارية والبقاء الا انه مع ذلك لا يسعى الى التضحية من اجل الحب (كنت موقنة من امر واحد انك تمثل لي البقاء والديمومة رغم عدم قدرتك على التضحية من اجل حبنا اما ابي يمثل لي الزوال والفناء على الرغم من تضحياته المستمرة لي وتاكيده لي بانه سيخلد من خلالي في الحياة كنت اكره هذه التاكيدات الانانية وافكر بان ما من احد يعنيه امر الاخرين الا بقدر حاجته اليهم)ص90، كما نلمس انها من اجل الخلاص والتحرر من الكبت والتمرد على سلطة الاب تستعين الساردة بكل العناصر في القصة باعتبارها مؤشرات تشفّ عن وسائل ربط وكشف وايصال ما بداخلها اتجاه صرامة الاب (عندما مات ابي اضطرب شيء ما في البيت النظام المتقن الذي كان يحرص عليه اختل والساعات التي كان يهتم بضبطها اصبحت تتقدم وتتاخر كما يحلو لها بدون رقابة والطبيعة افسدت العصافير المحنطة)ص91.

من المفيد ان نذكر اخيرا من ان الكاتبة لطيفة الدليمي التي ارتادت مجالات عديدة في الابداع الادبي فهي بالإضافة إلى كونها روائية وكاتبة قصة فهي ايضا تنهل من ينابيع أدبية عديدة أُخرى مثل المقالة والترجمة والسير الذاتية، كلها تعبر عن موقفها الاساسي التي تطرح عبره محوراً مهيمناً تنطلق منه والذي تكون فيه قضية المراة والدفاع عنها اهم موضوعاتها، ففي كل عمل تثبت انها الأقدر على استيعاب قضايا المراة وهمومها والوعي بعمق مشكلتها وأبعادها، وسط مشاكل المجتمع وقضاياه، وفي كل قصة اورواية تضعنا الكاتبة وجهاً لوجه أمام نساؤها الوحيدات وهن ينشطرن ويتشظن، في حال اصتدامهن بالأعراف والتقاليد التي تعمل على حرمانهن من وجودهن الاجتماعي وحريتهن الفردية التي يفرضها المجتمع ثم الاهل، و ان هذا الطرح نجده يتأصل في تأكيد الكاتبة عليه عبر حديثها الى موقع ضفة ثالثة منبر ثقافي عربي، حين قالت(الحالة المعيارية للمراة العربية والعراقية التي تعيش تحت ضغط هائل من المقيدات الحقوقية والقانونية التي تعاظمت في وقتنا هذا الى حد ينبىء بضياع كل الجهود العظمية التي بذلتها النساء من اجل كرامتهن الانسانية ومكانتهن وحقوقهن ولكن لا مفر من التمسك ببعض الامل انما من غير تفاؤل كذوب).

ولا بد ملاحظة سريعة اخيرا انه على الرغم ان القصة تتصف بالإحاطة الشاملة لثيمة العشق والاستفاضة لجوانبه لكن الكاتبة لا تهبط الى مستوى الكتابة المفتوحة الجريئة، وكعادتها الكاتبة لطفية الدليمي باسلوبها الراقي الانيق الانساني تحافظ دوما على الخصوصيّة، و تفترض ضمناً وهي تكتب أن تضع المتلقي العربي والعراقي نصب عينها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram