المطلوب تهيئة مستلزماته وتحديد المسؤول عن إدارته
د. كاظم المقدادي
خلال لقاء جمع رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني بالمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، في 18 اَذار الماضي،أثيرت رغبة العراق في مزاولة نشاطه السلمي في مجال الطاقة النووية. وهي رغبة ليست وليدة اليوم- بحسب خبراء ومعنيين.
وقد أرسل العراق للوكالة الدولية خطته من 2023 إلى 2030، التي تتضمن إنشاء مفاعلات نووية ومنظومات تحت الحرجة ومحطات كهرونووية، تسمى دورة الوقود النووي، فيما تحتاج البلاد من 5 إلى 6 سنوات لإنشاء مفاعل جديد.
وكان وزير التعليم العالي، نعيم العبودي، أعلن، في 11/10/ 2023، عن الموافقة الأصولية على إنشاء مفاعل نووي صفري مخصص للبحوث العلمية والتعليم لصالح طلبة الجامعات، مبينا أن المفاعل سيقدم الدعم للطلبة والباحثين في الجامعات، مما يسهم في تطوير قطاع البحث العلمي في البلاد.
مزاولة الطاقة النووية للأغراض السلمية طموح مشروع لبلدنا. لكن ثمة تساؤلات مشروعة أيضاً تطرح نفسها عن مواكبة التعليم العالي في العراق لمثل هذا المشروع الكبير، وعن الجهة الحكومية التي ستديره في ظل التعدد الحالي للجهات ذات العلاقة.
بشأن مواكبة التعليم العالي في العراق لهذه التوجهات، أكد المستشار السابق في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق واليونسكو، البرفسور محمد الربيعي، لـ"طريق الشعب" في 26/3/2024،ان العراق ومن خلال مناهجه التعليمية على مستوى التعليم العالي، إضافة الى تجاربه المختبرية، لا يواكب هذه التوجهات، وان الحديث في مثل هذا الموضوع يقتصر على الأغراض الإعلامية لا اكثر.وأضاف الربيعي ان "هذه التوجهات (اعتباطية) الغرض منها اعلامي، لا سيما اننا منذ اكثر من عقد ونحن نسمع عن رغبات من هذا القبيل".
وفيما يتعلق بالجهة الرسمية التي ستدير المشروع، فان العراق في ظل منظومة الفساد والمحاصصة وتقاسم المغانم، يتميز بظاهرة لا مثيل لها في أي بلد اَخر، ألا وهي تعدد الجهات الرسمية التي تقوم بمهمة واحدة، وتعدد المسؤولين، ضمن الصراع على النفوذ والأمتيازات. ومن المسؤولين من ليس له علاقة بالمهمة..
والواقع ان المشروع الطموح يقع ضمن مهام المؤسسات التالية:
أولآ- الوقاية من الاشعاعات المؤينة (القانون رقم (99) لسنة 1980). تألفت بموجبه (هيئة الوقاية من الاشعاع)،التي تربط برئيس (مجلس حماية البيئة). وأتُسس بموجبه أيضاً (مركز الوقاية من الاشعاع) الذي يرتبط برئيس هيئة الوقاية من الإشعاع. ويُعتبر الذراع التنفيذي لهيئة الوقاية من الإشعاع، احد تشكيلات وزارة البيئة. وفي إطار مهام الوزارة كجهة رقابية فهو مركز رقابي استشاري بموجب القانون، حيث يتولى ألرقابة على إستعمال مصادر الإشعاع في الاستخدامات السلمية، والسيطرة على حركة المصادر المشعة داخل العراق، ومراقبة البيئة العراقية من الناحية الإشعاعية، وتحديد المناطق الملوثة إشعاعيا-- بحسب توضيح معاون المدير العام للمركز مها حميد نافع.
ثانياً- الهيئة الوطنية للسيطرة على المصادر المشعة (قانون النظام الداخلي للرقابة على إستخدام مصادر النشاط الإشعاعي في العراق، رقم (1) لسنة 2006.). تهدف الى تحديد القواعد والإجراءات الرقابية اللازمة للسيطرة على المصادر الإشعاعية الممارسة في العراق، بما فيها حيازة وتداول المصادر الإشعاعية المستخدمة للأغراض الطبية والبحثية والتعليمية والصناعية أو أية أغراض أخرى لضمان أمنها وأمانها، بما يحقق أمن المجتمع وسلامة البيئة ووقاية العاملين والأفراد والمرضى من مخاطر التعرض للإشعاع.
ثالثاً- مديرية السلامة الاشعاعية والنووية التابعة لوزارة العلوم والتكنولوجيا(دمجت فيمابعد مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي)، تقوم بالوقاية الاشعاعية والنووية والسلامة من المصادر المشعة.
رابعاً- هيئة الطاقة الذرية العراقية (القانون رقم (43) لسنة 2016).بموجبه تأُسست (هيئة الطاقة الذريــة العراقية)، تتمتع بالشخصية المعنوية، وترتبط بمجلس الوزراء. يكون مقرها في بغداد، ولها فتح فروع في الأقليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم.
تتكون تشكيلات الهيئة من مديرية السياسات والبرامج العلمية.، مديرية التطبيقات النوويـــة.،مديرية البحث والتطوير،مديرية النفايات المشعة.، مديرية تصفية المنشات والمواقع النووية، مديرية المختبرات المركزية،مديرية السلامة الإشعاعية والنووية.، مديرية المشاريع والإسناد الفني.، مديرية الشؤون القانونية والادارية.،مديرية الشؤون المالية والتجارية، قسم التدقيق والرقابة الداخليةـ قسم ادارة الجودة.،مكتب رئيس الهيئة.
الأسباب الموجبة: شرع القانون لغرض تأسيس هيئة متخصصة بالعمل في مجال الإستخدامات السلمية للطاقة الذرية والإشعاعات المؤينة في الصناعة والزراعة والصحة وتوليد الطاقة الكهربائية وإدارة الموارد المائية وتطبيق تقنياتها ومواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية الموجهة لغرض دعم عملية التنمية المستدامة والحفاظ على الإنسان والبيئة العراقية وفق اَلية عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ويهدف قانون الهيئة الى ما يأتي:
أـ ضمــــان استخدام الطاقـــــــة الذرية وتطبيقاتها في المجالات السلمية وجميـــع الأعمال المتعلقة بها وتداول المواد النووية وإدارة او خزن النفايات المشعة بصورة آمنة وفقا للقوانين والتعليمات الرقابية.
ب ـ مواكبة التطور العلمــي والتكنولوجي في العالم في هذا المجال بما يسهم في ترسيخ المقومات الأساسية للتنمية في العراق وإرساء إطار قانوني لها.
ثانياـ تسعى الهيئة المؤسسة بموجب هذا القانون الى تحقيق أهدافه بالوسائل الآتية:
أ ـ اقتراح السياسات والبرامج الوطنية في مجالات الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية الى مجلس الوزراء للمصادقة عليها.
ب ـ تطوير وبناء البنى التحتية والمختبرات واعداد الموارد البشرية.
ج ـ أنشاء وتشغيل وادارة المنشآت والمرافق النووية ذات الاستخدام السلمي ومنها مفاعلات البحوث والدراسات، وانشاء مفاعلات القدرة لانتاج الطاقة الكهربائية وتحلية المياه، بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة.
د ـ حصر مسؤوليـــــة ادارة وتشغيل المرافق النووية بالهيئة المؤسسة بموجب هذا القانون ويجوز للقطاعات الاخرى الاستخدام السلمي للطاقة الذرية بموافقة الهيئة.
ويذكر، ان قانون الهيئة ينص بان يكون رئيسها حاصلا على شهادة الدكتوراه في الأقل في الاختصاصات العلمية او الهندسية وله عدد من البحوث المنشورة في المجلات العالمية والمؤتمرات في مجال اختصاص الهيئة. ويكون نائبيه حاصلين على شهادة جامعية أولية في الأقل في الاختصاصات العلمية او الهندسية. ولرئيس الهيئة ونائبيه خبرة لا تقل عن (20) سنة في مجال اختصاص الهيئة.
ألمفارقة، ان رئيس الهيئة حالياً هو نعيم العبودي- وزير التعليم العالي، الذي قام بزيارات رسمية لدول أخرى بشأن المشروع، وحضر أعمال النسخة الـ 13 من منتدى) "Atomexpo 2024 " المنصة المهمة للمؤتمرات والمعارض المختصة في الصناعات النووية العالمية) المنعقد في مدينة سوتشي الروسية للفترة من 25-26/3/2024، وهو لا علاقة له بهذه المؤتمرات ولا بمهمات الهيئة..
رابعاً- الهيئة الوطنية للرقابة النووية والإشعاعية والكيميائية والبايولوجية(القانون رقم (1) لسنة 2024)، والذي يحدد مهمات الهيئة بمايلي:
* تحقيق الأمن والأمان في مجال الإستخدامات السلمية للطاقة الذرية وفق مبادئ الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
* تأمين الرقابة على الإستخدامات السلمية للطاقةالذرية وللأشعة المؤينة والمواد الكيماوية والبايولوجية ومعالجة النفايات الإشعاعية ومنع الإستخدامات غير السلمية لها.
* حماية العاملين والمجتمع والابيئة من المخاطر الناتجة عن تطبيقات الأنشطة الخاضعة للرقابة.
* منع إستخدام أراضي العراق والمياه الأقليمية والفضاء الجوي الذي يعلوها وكل مكان يخضع لإختصاصها لأي أنشطة محضورة بموجب لإلتزام جمهورية العراق بالمعاهدات والأتفاقيات ذات الصلة.
مما ورد يتضح بجلاء ان الجهات المذكورة لها نفس المهمة. وهي مثال صارخ على التعددية غير المبررة للمؤسسات العراقية. ويبدو ان من سن قوانينها فاته المثل الشهير: "السفينة إذا كثرت ملاحيها غرقت"!
من جهة أخرى، الملاحظ ان مركز الوقاية من الإشعاع، ومديره العام د.صباح الحسيني، بارز في هذا المشروع، مع ان مهمة مركزه بالدرجة الأساس رقابية إستشارية وتحديد المناطق الملوثة إشعاعيا.
فقد صرح الحسيني لـ"الصباح" في 23/4/2024 ان مركز الوقاية من الإشعاع في وزارة البيئة يعمل على تطوير الاستخدامات السلميَّة للطاقة الذريَّة.، وإنَّ هذا التطوير يأتي عن طريق التوسّع في مجال بناء المنشآت والمفاعلات البحثيَّة والمحطات النوويَّة للأغراض السلميَّة.
وقبل ذلك بإسبوعين أعلن الحسيني لـ " شفق نيوز":هناك دعماً دولياً لدعم ملف استعادة العراق لمكانته الدولية في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، برز من خلال زيارة مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولقائه رئيس مجلس الوزراء وعدد من المسؤولين رفيعي المستوى وتأكيده على حرص الوكالة لتوفير الدعم المطلوب لامتلاك العراق للتكنولوجيا النووية وإنشاء المفاعلات للأغراض البحثية وإنتاج الطاقة الكهربائية.
فهل مركز الوقاية من الإشعاع هو المسؤول الأول عن المشروع العراقي للطاقة النووية للأغراض السلمية؟