متابعة/ المدى
مبدعون ثلاثة اتفقوا على استحضار الشاعر الكوردي العالمي شيركو بيكه س، هم الكاتب والمترجم هيوا عثمان، والروائي علي بدر والفنان التشكيلي ضياء العزاوي.. جمعوا ادواتهم الفنية بكل دقة وأناقة وكأنهم قرروا نحت نصب شعري مفاجئ يبقى خالدا، تماما كأشعار شيركو، واي عمل رائع ومبدع يمكنه ان يسامق مفردات هذا الشاعر الذي حبس الانواء واطلقها قصائد لا تشبهها اية قصيدة اخرى، وهو القائل:
" الفرق بيني وبين الكثير من الشعراء هو ما يلي: أكتب بلغة سلسة كالماء الصافي لعشقي! ولذا حتى لو كان االعشق في الطرف الآخر من العالم ، سيفهمني!".
"مقبرة القناديل"، القصيدة الملحمية الطويلة التي ستنقذ الشعر الكوردي والعربي والعالمي من عار الصمت على المذابح التي ارتكبت بحق الكورد في العراق على مدى عقود، او عصور، ربما، منذ ان رفع الغزاة سيوفهم تحت شعارات مقدسة وكاذبة ليذبحوا الكورد. منذ ذاك وحتى "الانفال"، يقول شيركو في ملحمته الشعرية التي انجزها في مدينته السليمانية في 16 كانون الاول عام 2003، كشاهد على ما حدث: "في ظلام ليلة صيف العام 1988، عدة كيلومترات غرب توبوزوا، وقف دحام على تلة، كان يراقب صف الحفر التي كانت تحفرها الجرافات بفمه".
"مقبرة القناديل" التي اعتبرها مترجمها، من االكوردية الى العربية، هيوا عثمان "رواية شعرية"، بينما وصفها الروائي علي بدر، الذي قدم لها، باعتبارها "ملحمة شعرية"، يقول:"قصيدته الطويلة مقبرة القناديل التي ترجمها هيوا عثمان إلى االعربية تتضمن بما لا يقبل الشك فصول الملحمة، كل ادواتها الاسلوبية الخفية والظاهرة، كل فصولها ووحداتها، كل حدودها ومساحاتها، وإن كان قد أطلق عليها هو رواية شعرية".
واتا اتضامن تماما مع رأي وتحليل علي بدر. بالفعل كل عناصر الملحمة الشعرية تتوفر في هذه القصيدة الملحمية بدلا من وصفها بالطويلة.
يستطرد الروائي علي بدر في تحليله لـ "مقبرة القناديل"، قائلا: "انها ملحمة فقراء أكراد، فلاحين بسطاء يُساقون الى موت أصم، موت أدرد، ملحمة خاسرين ومظلومين، ملحمة مهزومين امام قوة عاتية وغادرة.. إنها ملحمة بكل ما تحتويه من إنشاءات عميقة في السرد والرؤية والتاريخ والوقائع والوثائق والبيانات، لكن ابطالها بلا بطولة، سوى بطولة موتهم، موت في الصمت والفراغ، ضحايا غائبون، بلا شهود يشهدون على موتهم سوى المقابر الجماعية". يقول هيوا عثمان، مترجم ملحمة "مقبرة القناديل" لرووداو: ترجمة هذه القصيدة من الكوردية الى العربية استغرقت اكثر من عامين صعبين للغاية، ذلك ان ترجمة اشعار شيركو بيكه س لا تشبه ترجمة اية قصيدة لشاعر آخر".
يكتب، عثمان في مقدمته: "عندما بدأت بترجمة "مقبرة القناديل" لم أكن قارئا لها من قبل. قررت أن اصبح المتلقي للحكاية والمترجم للقصيدة في آن واحد. والنتيجة كانت رحلة شاقة ومؤلمة بين الكلمات والقصص والاوزان والقوافي". مضيفا: "قررت ان أمسح من ذاكرتي كل ما عرف عن الانفال.. فقررت ان اتعرف على القصة من جديد عبر سردية بالنثر والشعر من شيركو. وما جعلني متيقنا من صحة هذا القرار في الترجمة هو ثقتي بقدرة شيركو على الحكاية والسرد".
وعن محنة ترجمة اشعار بيكه س، يوضح الكاتب والمترجم هيوا عثمان قائلا: "إن ترجمة شيركو أصعب بكثير من ترجمة شعره. ومع كل قصيدة جديدة كان يضاف الى جعبتي قاموس جديد أو ابجدية جديدة، للالم والفرح والحزن والحب والموت!".
يضيف: "في مقبرة القناديل استخدم شيركو جميع ابجديات، وانا استعنت بجميع القواميس واضعا امام عيني "اختلاجات"محمود درويش..في هذه"المقبرة" رأى شيركو كل القناديل وكل فتافيت العظام في منفى "نقرة السلمان" وسمعها وهي تروي كل شيء". هذه الملحمة الشعرية التي بذل فيها عثمان وبدر والعزاوي، الذي رسم وصمم الغلاف وكذلك الرسوم الداخلية، اضافة مؤثرة للثقافتين الكوردية والعربية، من حيث سلامة ودقة وشاعرية الترجمة، والاكثر من هذا كشف الحدث الصادم (جرائم الانفال) وعرضه علانية امام الاجيال واالتاريخ وتعرية الاكاذيب، تماما مثلما اراد الشاعر شيركو بيكه س.
بقي ان نذكر بان "مقبرة القناديل" من اصدار دار المدى، والتي تقع في 143 صفحة من القطع المتوسط، جاءت مفجأة وفتحا ادبيا وفنيا لمعرض اربيل الدولي للكتاب بنسخته الـ 16، واغناء للمكتبة العربية.