عاش كل من كابا وتارو وأحبّا بعضهما البعض عند الخطوط الأولى للحرب، ليصبحا أشهر مصورين للحرب في زمنهما.
وقد بدأت القصة بصورة، ففي عام 1934، اتفق أندريه فريدمان وكان يعيش في المهجر (باريس)، على تصوير الحياة السويسرية، لحساب شركة تأمين، وفي بحثه عن (موديل) لصوره، التقى بسويسرية شابة مهاجرة، وهي روث كيرف، في مقهى، واتفق معها لتكون وجهاً يصورها في اعلاناته، ولأنها لم تضع ثقتها التامة بالشاب الجذاب، فقد جلبت معها صديقتها غيرتا بوهوريللي، الواثقة بنفسها، وذات الابتسامة الجذابة، وهكذا بدأت قصة جميلة من قصص الحب، ضمن اجواء سياسية وسيقوم كل من أندريه فريدمان وغيرتا بوهيريللي بتغيير اسميهما ومصيرهما، ليصبحا روبرت كابا وغيرتا تارو، الثنائي الاشهر خلال الحرب الاهلية الاسبانية، وسيقوم الاثنان معاً بتغيير طبيعة الصور الفوتوغرافية للحرب، الى اسلوب جديد مايزال متبعاً حتى اليوم، وأصبح كابا الأشهر، بل اشهر مصور فوتوغرافي في القرن العشرين، بسبب الصور التي التقطها عن الإنزال العسكري في البورماندي على ساحل أوماها، وهي العملية التي تعرف بـ(D-Dag) واشتهرت مقولته: (إن كانت صورك غير جيدة بما فيه الكفاية، فيعني ذلك عدم اقترابك بشكل كافٍ).
وتلك الطريقة الشجاعة المجازفة للاقتراب من اجل تصوير مشاهد القتال، سيكلف غيردا أوكابا حياتيهما – قتلت الاولى عند الخطوط الاولى للحرب الأهلية الاسبانية عام 1937، والثاني، قتل إثر انف جار قنبلة مزروعة في الهند الصينية عام 1954.
وتتواصل اسطورة كابا وغيردا عبر الزمن حتى اليوم، مع صدور رواية بريطانية بعنوان (في انتظار روبرت غابا)، كتابة سوزان فورتس، وكانت طبعت قبل ثلاثة اعوام في إسبانيا، وترجمت حتى اليوم الى 20 لغة، واشترى المخرج مايكل مان حقوق تحويلها الى فيلم سينمائي، وهو الذي قدم من قبل (حرارة) و(إنسايدر) و(عدو الشعب).
والحرب الاسبانية ستكون الاساس، الحوار يبدو في بعض الأحيان غير ملائم، يمزج ما بين الحقيقة والخيال، وسيغضب العديد من الاوصياء على سمعة كابا وتارو، وتقول فورتس، (كنت أمينة مع الحقائق، البيانات الوثائقية وأماكن التنقل، وقرأت كل ما يتعلق بهما: رسائل، مذكرات، وسيرة حياة، ولكن الرياح تحتاج الى ارساء شخصيات تبدو حية، وهذا الامر ينعكس على الحوار، في الحب والجنس والرغبة. إن المؤلف يكتب، مع قدم على الارض واخرى معلّقة في الهواء).
أما جيمي فوكس (مؤرخ للتصوير، ومدير وكالة ماغنوم للتصوير، التي أسسها كابا بالاشتراك مع هنري- بريسون) فيقول، (إن الرواية تحلق في الخيال، أعتقد ان من الخطأ تصعيد الحب بتلك الطريقة، كابا كان شاباً مفرطاً في الاهتمام بمظهره، وكان مدمناً على الشراب وزير نساء، ولديه عدد من الحبيبات، ومنهن إنغريد برغمان، أما تارو فقد وجدت حب حياتها في تيد الان- الرجل الذي كان معها عندما أصيبت بتلك الجراح القاتلة، وهذه المعلومات لا تفيد باعتقادي الرواية الرومانسية).
أما تريشازيف، المخرجة التي قدمت فيلم بعنوان (الحقيبة المكسيكية)- 1910، عن العثور على مجموعة من سالب عدد كبير من الصور التي التقطها كابا، ولم تنشر، فتقول: (ان هذه الرواية هي خيال مبني على قصة حب، وحب استند على حقيقة).
وإن كانت هناك قضية اتفق عليها الجميع فهي عدم وجود خط مستقيم في علاقة روبرت كابا وغيردا تارو، إذ ان فريدمان الشاب، سرعان ما أرسل الى اسبانيا بعد لقائهما الأول، ليصبح مصوراً لمجلة ألمانية للتصوير، وكتب بعد اسبوع رسالة الى غيردا يبثها شوقه، وبعد عودته، أمضى الاثنان عطلة الصيف في جنوب فرنسا وبرفقة عدد من الاصدقاء، وحسب ما قال روث كيرف، في كتاب كيرشو (دم وشامبانيا: حياة وأوقات روبرت كابا، (ان الحب نشب بين الاثنين في جنوب فرنسا، لقد كان الاثنان لاجئين في فرنسا، هو من اصل هنغاري، وهي المانية-يهودية- من عائلة برجوازية، وقد عانى الاثنان، قبل وصولهما باريس، من الشرطة السرّية النازية، وتم اعتقالهما مراراً، ولذلك الأمر، كان اللقاء بينهما سهلاً، ودفعهما الحرص على تغيير هويتيهما، مع الحفاظ على اخلاصهما لجذورهما اليسارية، وكانت بوهوريل منتمية الى منظمة شيوعية فيما كان فريدمان يوزع منشورات ضد النازية في برلين ويلصق ليلاً على الجدران (بوسترات) دعاية للحزب الشيوعي وقد اعتقلت (غيرتا) للمرة الأخيرة من قبل النازيين في 19 آذار 1933، واتهمت بالتآمر ضد هتلر، وبعد اطلاق سراحها، استخدمت جوازاً مزوراً للسفر الى باريس حيث قامت برعايتها شبكة للشيوعيين، وعندما التقى الاثنان، كانت تجاربهما الشخصية واحدة: السياسة، الاعتقال، واختيار باريس كمنفى، ثم تغيير الاسماء وهوية وحياة جديدة.
وعلى الرغم من عدم تمكن فريدمان شراء (فيلم) له، لكنه كان يرهن آلة التصوير الخاصة به، لمواصلة الحياة. كما قام ايضاً بتدريب (غيرتي) على التصوير وعثر على عمل لها في وكالة للتصوير، وكان تأثيرها عليه كبيراً، إذ كان فوضوياً، لا يحب الحياة الاعتيادية، ولكنها جعلته يعتاد عليها، وكان يقامر ويدمن الشراب، ولولاها لكانت حياته المهنية قد انتهت مبكراً.
وفي باريس كان ايضاً هنري فريدمان، الذي تولى مهمة تظهير الصور، وهناك تعرف الثلاثة على الفلاسفة والكتاب والفنانين، وهم يحلمون بأوقات أفضل.
وفي تلك المرحلة ايضاً، غيّر الاثنان اسميهما الى روبرت كابا وغيردا تارو، واتفقا على السفر الى اسبانيا عام 1936 لتغطية أحداث المقاومة ضد نظام فرانكو.
وكان شأنهم مثل العديد من الكتاب ومن بينهم جورج أورويل وأندريه مالرو، ذهبوا الى اسبانيا لاسباب سياسية أو الكتابة، والتعرف على تلك التجربة، وكان القتال ضد الفاشية حقيقياً وشخصياً وهي معركتهم.
وكانت برشلونة لدى وصولهم اليها تعمها الفوضى والجمهوريون الشباب يغادرونها الى الخطوط الاولى للمعركة وعندما سافر الاثنان الى قرية صغيرة قرب قرطبة، وجدا حشداً من الفلاحين يهجرون منازلهم وقنابل الفاشية تدك القرية، وكانت تلك فرصة لهما لتصوير تلك المشاهد، في سلسلة شهيرة من الصور، استغرق تصويرها بضع دقائق فقط، وتلك الدقائق المعدودات، صنعت اسطورة روبرت غابا، كمصور حربي، وواحدة من تلك الصور وهي التي يظهر فيها أحد المقاتلين وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، ما تزال تستخدم حتى اليوم كنموذج للصور الحربية، كانت صورة تلّخص الحرب، وتضم كافة أحاسيس الغيظ والثورة التي تثيرها لوحة الـ (غورنيكا) فيما بعد، وقالت تادو، معلقة ببساطة، كان كل شيء هادئاً في القرية، ولم نجد ما نصوّره ثم بدأ عدد من الرجال بالهبوط من المنحدر ثم بدأ الرمي، والتقطنا بعض الصور.
وبدأت سمعة كابا تنمو كمصور محترف لا يبالي بالمخاطر مهما كانت، مهيئاً بذلك الاتجاه العام للتقارير الحربية، وكانت تارو ايضاً تشاهد وهي تنتقل في خطوط القتال، حاملة آلة التصوير وشجاعتها تلك ارتبطت بتهورها ايضاً، وظلت تنتقل بين جبهات القتال وخطوطها الاولى، تصوّر ما تشاهد.
وعاد الاثنان في اجازة قصيرة الى باريس للاحتفال بيوم باستيل، ولكن تارو سرعان ما عادت لوحدها الى اسبانيا. على الرغم من مخاوف اصدقائها.
ومتحدية قراراً يمنع الصحفيين من السفر الى الجبهة، تمكنت من الوصول الى برونيت، مع الصحفي كند تيد الان، صديقها المقرب، الذي أحبته بعدئذ وظل الاثنان ينتقلان من مكان الى آخر من اجل الموضوعات الصحفية.
وفي الـ 25 تموز، وجد الاثنان نفسيهما في حفرة، ومن حولهما تنهال القنابل بدون توقف، واصلت تارو التصوير، وألان يحاول حمايتها والقنابل تتساقط حولهما، وبعد ذلك بدأ الجمهوريون الانسحاب من المنطقة، وخرج الاثنان من الحفرة وبدأا بالهرولة، وثم صعدا الى سيارة فيما الطائرات تواصل قصفها، ثم اصطدمت السيارة بدبابة (جمهورية)، فقد قائدها السيطرة عليها، وقع الاثنان على الارض، نقلا الى المستشفى، وماتت تارو متأثرة بجراحها بعد ساعات قليلة وكانت في الـ 26 من عمرها، أما الجريح الان فلم يذهب لرؤيتها، وقالت الممرضة، ان آخر عباراتها كانت (هل احتفظوا بكاميرتي)!
وجرى تشييع تارو في باريس وسار في جنازتها الألوف من الناس ومن بينهم كابا وتيد ألان، ونظم الاحتفال الحزب الشيوعي الفرنسي، (من أجل التضامن العالمي مع الجمهورية الاسبانية). وبوفاتها تحولت غيردا تارو الى بطلة، وأصبح روبرت كابا، أفضل مصور للحرب في القرن العشرين وقد توفي هو أيضاً في خلال حرب الهند الصينية عام 1954، وهو في سن الـ 40.
واليوم، تبدو غيرتا وقد خرجت عن ظل كابا كمصوّرة شهيرة، كانت امرأة رائدة كمصورة وناشطة سياسية وأكثر من (متحررة) في زمانها وقد ارتبطت حياتها بحياة كابا، علماً انها كانت امرأة مستقلة.
عن الغارديان