مايكل انجلو انطونيوني، المخرج الايطالي الشهير، مرّ قرن على ولادته، فقد ولد في عام 1912، وفارق الحياة في سن الـ 94، ولم يترك العمل حتى أواخر ايام حياته تقريباً، ومن خلال اعماله منحنا سينما أشبه بالأسطورة، بعد الحرب العالمية الثانية. في مهرجان كان بتاريخ 15 من ايار 1960، قدم انطونيوني، (الطريق)، فيلم يعتبره مؤرخو السينما صعباً ومتحدياً ومختلفاً عن اعماله الاولى، وكان ذلك الفيلم نقطة مولد صعبة للسينما الحديثة، وكان نجاح الفيلم هائلاً، بحيث ان انطونيوني ونجمة الفيلم الجميلة مونيكا فيتي، كانا ينخرطان بالبكاء أينما جلسوا، وازدادت الضجة بعد اسبوع مع فوز الفيلم بجائزة خاصة، وهذا المخرج المتميز، اصبح في الأعوام الأخيرة (من الطراز القديم)، ونوع السينما الأوربية الراقية التي قدمها لم يعد تنال اهتمام المتفرجين.
ومن أفلامه الاخرى التي لقيت نجاحاً كبيراً (الليل) في عام 1961، حيث تميز بالاداء المدهش للممثل مارسيللو ماستروياني وجان مورو، بدوري جيوفاني وليديا، الزوجان غير السعيدين في مجتمع راقٍ، حيث يحضران حفلات تتواصل طوال الليل، وجيوفاني المشغول بانجذابه نحو امرأة أخرى تقوم بدورها مونيكافيتي.
وبعد ذلك قدم انطونيوني فيلم (الصحراء الحمراء) عام 1964، وكان ذلك فيلمه الملّون الأول، وقامت مونيكافيتي بدور زوجة رجل صناعي، تعاني من كآبة، إثر حادث تحطم السيارة.
وأفلام انطونيوني الانكليزية الثلاث جاءت بعد هذه المرحلة (انفجار) عام 1966، ويتحدث عن مصور فوتوغرافي حديث (ديفيد هيمينغز)، يلتقط بالصدفة صورة لجريمة تحدث في حديقة بلندن، ولا يكتشف ذلك الا منذ تكبيره الصورة بتفاصيلها، انه سر غيبي (بأسلوب الإحساس بالاضطهاد)، وربما ان الفيلم ألهم الكثيرين بالقتل، مثل حادثة مقتل جون كيندي، رئيس الولايات المتحدة الأميركية.
أما الفيلمان الثاني والثالث فهما، (نقطة زابريسكي) 1970، وهو فيلم أنطونيوني الساحر عن محتجين من الهبّيز في أواخر الستينات في اميركا، ويتضمن الفيلم مشاهد حقيقية رائعة للمجاميع والحشود، تصور بصدق، أميركا ومجتمعها في حين ان قصة الحب التي تدور فيه، أقرب الى أسلوب غوداد (المخرج الفرنسي).
انه فيلم يجمع ما بين أوربا وأميركا بشكل جيد، اما الرؤية الكارثية لانفجار بضائع المستهلكين فهو مشهد حالم رائع.
وفيلم نقطة زابريسكي، انتقد بقسوة من قبل النقاد في أميركا، علماً انه أجرأ افلام انطونيوني التجريبية، وقد وضع الفيلم في الظل، بفعل وهج بطل فيلمه التالي، (المسافر) ونعني بذلك جاك نيكلسون الذي يؤدي دور لوك، الذي يختفي تحت اسم غريب متوفى، يظهر ثانية كتاجر سلاح، والذي يتلقى لوك مصيره وهو القتل.
وأفلام انطونيوني التالية لم تكن بمستوى ما قدمه في المرحلة الأولى ومنها، (جونك كيو- الصين-عام1972) وهو فيلم وثائقي طوله ثلاث ساعات ونصف، وجاء بعده، فيلم بعنوان (سر أوبروالد) عن مسرحية لكوكتو، ولايمكن للمشاهد نسيان هذا الفيلم، حيث كانت فيه مونيكا فيتي في أفضل أدوارها، كملكة تقع في حب من سيكون قاتلاً.
وبعد هذا الفيلم، تغير اسلوب انطونيوني منتقلاً الى الاثارة الجنسية، وفيلمه (تعريف امرأة- 1982) يتضمن بعض المشاهد الجنسية، وهو يبدو أشبه بالأفلام الإباحية، وفي منتصف الثمانينات، عانى انطونيوني من جلطة في الدماغ، ولكنه واصل كتابة القصة القصيرة، وعاد الى السينما بفيلمه الأخير، (ما خلف الغيوم)-1995، معتمداً على اعماله التي كتبها، وقد أخرجها بالتعاون مع المخرج الألماني (فيم فيندر) وهو أيضاً من افلامه الجنسية.
ولكنه يعيد فيه موضوع فيلم (الانفجار) وكما يقول بطله، الممثل جون مالكوفيج، (لقد بدأت اكتشف الحقيقة مع بدء تصويره، وأكبّر سطح الأشياء من حولي، وقد شارك فيه ايضاً مارسيللو ماستريوناني وجان مورو.
وبعدئذ توارى انطونيوني عن المشهد، ظلاً لما كان عليه في السابق، وعمله الأخير-2004، كان فيلماً قصيراً ينتمي الى ما يسمى – إيروس.ومن الممتع اليوم، العودة الى أفلامه التي انتجت في الخمسينات من القرن الماضي ومنها، (قصة حب) و(سيدة بلا زهرات كاميليا) و(القهر) والذي يتناول فيه ثلاث قصص تدور أحداثها بالتتالي في فرنسا، إيطاليا وإنكلترا، وهو في أفلام الجريمة والاثارة، وهناك ايضاً فيلمه (الاصدقاء)- 1995، بطولة الينورا روسي، وفيلم (الصرخة)-1957.
إن أفلامه بمجموعها رائعة تدل على عبقريته في مجال الاخراج، ولكن فيلمه، (سيدة بلا زهرات كاميليا)، هو الذي يدل على اسلوب إخراجه وهو جوهرة سينمائية بحق، وإن أعيد عرض أفلامه في الخمسينات، فان اسمه يتجدد بالتأكيد.
عن الغارديان