علي حسين
تقول لكم إيران: "لن نسمح لواشنطن أن تبقى في العراق" ثم تطرح عليكم سؤالاً "منذ متى كان القرار بأيديكم؟". وقبل أعوام أخبرتكم أنقرة بأنها حامية لحمى السنة في العراق، وفاضت واستفاضت وهي تحذر من الاقتراب من قواتها المتواجدة في العراق، في الأشهرالماضية كانت أمريكا تراوغ، مرة تقول إنها قصفت مواقع في العراق، ومرة تستغرب من القصف وتسأل من فعلها؟ نواب الإطار التنسيقي مشغولون بالحرب على منصب رئيس مجلس النواب وتأديب كل من يحاول الجلوس عليه.
تمنيت أن يقرأ جميع الساسة العراقيين مذكرات اثنين ممن صنعوا تاريخ بلادهم، ونستون تشرشل وشارل ديغول فسوف يتبين لهم بوضوح معنى أن يساهم السياسي في كتابة صفحات ناصعة من تاريخ بلاده، فقد كان لدى الرجلين الفهم الحقيقي لمعنى السياسة والشعور الوطني، والسعي لإنجاز عمل تاريخي وطريقة الولوج إلى هموم الناس.
وللرجلين منذ ولادتهما موهبة التأليف وقد تميز تشرشل بأسلوب ماهر في الكتابة جعله يخطف جائزة نوبل، وفي لحظة من المرح أسرّ إلى أحد الشبان بالقول “نحن جميعاً ديدان” ليلتفت إلى إحدى السيدات التي اغتاظت وقلقت مما سمعت ليقول لها "لكن أعتقد بأني دودة براقة".
ولم يقل تشرشل يوماً إن فترة حكمه هي الأنجح والأفضل مثلما أخبرنا إبراهيم الجعفري، الذي اجتاحت البلاد في عهده أخطر موجة عنف طائفي، طبعاً ”الفيلسوف” لم يُستدع للمحكمة ولم يتجرأ أحد أن يسأله حتى هذه اللحظة عن أسباب القتل على الهوية الذي انتشر في عهده .
أخطاء كثيرة ارتكبها مسؤولون سابقون وحاليون ولن نسمع أن القضاء تدخل وطالب بمحاسبتهم، بل العكس نراهم مصرين على أنهم أصحاب التغيير، وأنهم الذين أنقذوا الناس من مخالب صدام وعليه يحق لهم أن يسرقوا من المواطن حريته وكرامته بعد أن سرقوا منه أمنه وحاضره ومستقبله وثرواته.
سأعود ثانية إلى ونستون تشرشل الذي قال ذات يوم “إن الديمقراطية هي أفضل الأنظمة السيئة لكن عندما تسوء يكون سوؤها فظيعاً”، وسوء الديمقراطية هو الذي جعل تشرشل يحترم الإعلام حتى حين وجه الأخير سهام النقد إليه ودفعه إلى أن يتقاعد، يذكر المؤرخ البريطاني جيفري وبست أحد أبرز كتاب سيرة رئيس الوزراء البريطاني السابق، أن الرجل حظي بنصيب كبير من المقالات والتقارير التي هاجمته، ويتساءل المؤرخ ما الذي يستطيع السياسيون الآخرون إضافته إلى سجل تاريخ حياتهم أكثر من خدمة وطنهم خلال سنوات حرب ضروس؟ وأي رجل آخر غير تشرشل حين يواجه عاصفة إعلامية شرسة يتقبل الأمر ويذهب ليجلس في بيته، ليكتب مذكراته؟.