اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > التاريخ بين الفتح والغزو

التاريخ بين الفتح والغزو

نشر في: 3 ديسمبر, 2010: 06:21 م

إيمان محسن جاسمللتاريخ أكثـر من مسار وأكثـر من توجه، وهنالك مقولة مفادها ( التاريخ يكتبه المنتصر ) وربما نتفق جميعا على هذا ولا نختلف فيه أو عليه ،وما يهمنا في هذا المقال هو معرفة كيف نتناول تاريخنا بعيدا عن الرؤية الموجودة في كتب التاريخ خاصة المنهجية منها والتي تؤسس لقاعدة كبيرة جدا ، هذه القاعدة تبدأ ببناء أفكارها وفق ما قرأته من صفحات التاريخ منذ المرحلة الابتدائية حتى شابت عليها وترسخت ،
 وفي مقالات عديدة تخص هذا الجانب نشرت عبر جريدة المدى الغراء وصحف أخرى ، تم تناول هذا الموضوع الشائك المتداخل مع الدين وليس مترابطا ، وهنالك فرق كبير جدا بين التداخل والترابط ، لأننا ضمن عالمين ولنا تأريخان يجب أن يكونا مترابطين ارتباطا وثيقا وقويا ، العالم الأول عالمنا العربي وما يربطنا بهذا العالم من علاقات ، والعالم الثاني هو عالمنا الإسلامي وما يتبعه من علاقات هو الآخر .وحضارة ما بين النهرين كحضارة لا يمكن الطعن بها أو التشكيك بأصولها وإنجازاتها لأنها تمثل حالة بعيدة جدا عما تناولناه في المواضيع السابقة لأن حقبتها التاريخية لا تشكل محل جدل ونقاش وليس لها تداعيات ممتدة أبعد من مرحلتها التي كانت فيها ، أي بعبارة أدق إنها لم تكن مؤثرة في المرحلة التاريخية التي تلتها وليست متواصلة لأن ما كان موجودا من نظم حكم في سومر وأكد وآشور وغيرها نظام حكم سلالات عائلية تتوارث الحكم في ما بين أبنائها، شأنها في ذلك شأن الفراعنة والفرس والروم .وعادة ما ينتهي حكم أية سلالة باندحارها في موجة غزو تتعرض لها فتطيح بمن تطيح لتكرس من جديد حكم عائلة وسلالة أخرى .وهذا النمط من الحكم لا يؤسس روابط تواصل قوية ، وقد انتقلت هذه الصيغ من حكم السلالات والتوارث إلى صميم الدولة العربية الإسلامية في حقبتين (الأموية والعباسية ) وشكلت مرحلة تاريخية امتدت أكثر من سبعة قرون ، وكانت في هذه المرحلة كافية جدا لأن ترسخ أشياء كثيرة في ذهنية أجيال عديدة منها: محاولة تغيير مسارات التاريخ نفسه عبر ربطه ربطاً مباشراً بالدين ، وقد نوهنا في مقال سابق عن هذا بإيجاز دون الخوض في التفاصبل التي تحتاج لملفات عديدة ولكنني أوجزها في أسطر ، حيث إن الدولة الإسلامية  كانت دولة عالمية في مرحلتها الأولى من خلال إدارة شؤونها وتنظيم أمورها وتولي الولاة مناصبهم، بغض النظر عن انتماءاتهم القومية والقبلية.وفي مرحلتها الثانية ( الدولة الأموية ) تحولت لدولة قومية بمعناها المتداول الآن، ويوحي ذلك من تسميتها حيث انحسرت في عائلة واحدة تكرست بها مفاهيم القومية بشكل واضح وجلي، لهذا كانت تردد دائما مقولة ( العرب مادة الإسلام ) وبالتالي حولت الدين الإسلامي هو الآخر إلى قومي بدلاً من عالمي ، وهذا انعكس بطبيعة الحال على نواح عديدة في مقدمتها محاولة ضم أمصار جديدة للدولة العربية ليس من باب نشر الدين بقدر ما هو من باب زيادة الجباية ورأس المال ، في ظل تعاظم صرفيات الدولة وتعدد مصادر البذخ بشكل جنوني، احتاجت معه الدولة  إلى زيادة مواردها على حساب مبدئية الدين الإسلامي .وسارت الدولة العباسية على ذات المنوال مع بعض الإصلاحات التي لم تتعد فترتها الأولى من إشراك البرامكة والأتراك وإسناد بعض المناصب لهم في هذا المكان أو ذاك ، لكن بقيت الدولة مركزية مصدرها الخليفة فقط .وهذه المركزية هي التي نريد أن نصل إليها في مقالنا هذا ، فإذا ما أدركنا بأن سبعمائة سنة من المركزية في كل شيء ، كم سيكون التراكم التاريخي الذي يجعل من الوهم حقيقة بحكم كثرة تداولها وشيوعها بين الناس ، إلى درجة إن الدولة الأموية وفي وقت مبكر جدا استطاعت تكوين رأي عام في بلاد الشام معاد لآل بيت الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولنا في واقعة ألطف دليل قطعي على تأثير صناع التاريخ في كتابته ، بحيث ثمة تاريخ آخر يتداول ليس هو بالتاريخ الحقيقي أو المسار الصحيح له .ثم جاءت الدولة العثمانية التي اعتبرها البعض فتحاً إسلامياً لعقود طويلة ، ولم يتم اعتباره غزواً واحتلالاً إلا في 20 سبتمبر 2010  حيث قامت وزارة التربية والتعليم المصرية بتحويل درس الفتح العثماني لمصر إلى "الغزو العثماني" وذلك في مناهجها الدراسية لهذا العام ، والسبب أن هذا التغيير يعد رداً سياسياً مصرياً على الدور التركي في العالم الإسلامي والمنطقة العربية، ومحاولة "لدحض هذا الدور والتقليل منه خاصة في ظل الحديث عن ارتباط هذا الدور بالخلافة العثمانية التي يعتبرها بعض المؤرخين آخر دول الخلافة الإسلامية".وهنا يتضح لنا بأن التاريخ ممكن أن يتغير إذا ما اقتضت مصالح النظام السياسي في أي بلد من بلداننا ذلك بصورة مفاجئة وسريعة . لهذا عندما قلنا بأن إعادة قراءة التاريخ وخاصة تاريخ بلاد ما بين النهرين يجب أن تخضع لمنطق الحوادث كما حصلت لا كما كتبت من قومية واحدة وبنفس قومي ودون مراعاة لدور القوميات بل والديانات الأخرى في هذه البقعة من الأرض ، إنما كنا نريد التأسيس لفهم جديد للتاريخ بعيداً عن المفاهيم الكلاسيكية التي تناولها البعض في مجلداتهم دون أن يقدموا ما يجب تقديمه ، وربما عاشوا ضغوطات السلطة ورغباتها في محاولة صناعة تاريخ لم يحصل أبداً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram