TOP

جريدة المدى > عام > موسيقى الاحد: بارتوك وتجميع الموسيقى الشعبية

موسيقى الاحد: بارتوك وتجميع الموسيقى الشعبية

نشر في: 20 إبريل, 2024: 11:29 م

ثائر صالح

الجزء الثالث

الرحلة الى تركيا

طلب مصطفى كمال أتاتورك من الموسيقي الألماني باول هندميت (1895 - 1963) المساعدة في تنظيم ما يتعلق بالحياة الموسيقية على أسس جديدة معاصرة، وكان هذا في سنة 1935.

قام هندميت بإعادة تنظيم التعليم الموسيقي وتأسيس داراً للأوبرا وإطلاق فن الباليه على أسس حديثة. لكن لم يكن هناك عالماً موسيقياً تطلب منه الحكومة التركية التعامل مع التراث الشعبي الموسيقي سوى بارتوك الذي ذاع صيته في الأوساط العلمية بصفته حجة في العلوم الإثنوموسيقية، على الخصوص بعد أبحاثه الجزائرية (1913) ومشاركته البارزة في مؤتمر القاهرة الدولي للموسيقى العربية في 1932.

رأى بارتوك أن استعمال المادة الموسيقية الشعبية (أغاني وموسيقى الفلاحين بالدرجة الأولى) في التأليف الموسيقي يمكن أن يجري على ثلاثة مستويات: المستوى الأول هو استعمال العمل الموسيقي الشعبي بشكل أمين، المستوى الثاني هو اختيار المؤلف الموسيقي موتيفات معينة من المادة التي يعالجها وإدخالها في عملية التأليف الموسيقي بحيث يمكن تمييزها والتعرف عليها، أما المستوى الثالث فهو استعمال الأسلوب الموسيقي للمادة الشعبية وملامحها دون اقتباس أي شيء ملموس من مادتها. ونجد في أعمال بارتوك كل هذه المقتربات من معالجة المادة الموسيقية التي جمعها وحللها، مثلما ذكرت في كتابة قبل بضعة أسابيع.

كان بارتوك مقتنعاً بوجود قرابة موسيقية مجرية تركية بالأساس، خاصة بعد عثوره على نماذج مشتركة ضمن ما حصل عليه من مادة موسيقية تعود لمجموعات إثنية من الأورال تستعمل سلماً موسيقياً خماسياً (پنتاتوني). لذلك قابل بفرح كبير دعوة خلق اولري (بيوت الشعب، وهي حركة أسسها حزب أتاتورك) في ربيع 1936 لإلقاء محاضرات في جامعة أنقرة عن جمع الموسيقى الشعبية وتقديم مؤلفاته الموسيقية.

وصل بارتوك اسطنبول في 2/11/1936 واستقبله هناك الموسيقي التركي المعروف أحمد عدنان سايغون (1907 - 1991) ورافقه طوال جولته التركية، كما رافقه باحثان من جامعة أنقرة ليتعلما منه "أسرار المهنة" خلال جمعه المادة التراثية.

وقع اختيار الأتراك على مناطق السكن الشتوي لقبائل اليُرُك، وهي قبائل لا تزال شبه بدوية قريبة من عثمانية وطرسوس ومرسين وعينتاب القريبة إلى الحدود السورية. لكن رحلة التجميع هذه واجهتها صعوبات كثيرة، فعدا الأمطار وصعوبة التنقل في المناطق النائية واستعماله وسائل نقل بدائية ومرضه لفترة، اصطدم بالتقاليد التي تمنع المرأة من الغناء أمام الغرباء وبتخوف المغنين من التقنية الغريبة التي شاهدوها أمامهم وهي الفونوغراف واسطوانات الشمع، وخوفهم من فقدان صوتهم بعد تسجيله مثلما ينحبس الجني في المصباح السحري.

وصف بارتوك رحلته التركية في كلمة أذاعها الراديو المجري بعد شهر ونيف من عودته، ونشرت الكلمة في العدد الأول من أشهر دورية أدبية مجرية في التاريخ هي نيوغات (الغرب) سنة 1937، تطرق بارتوك فيها إلى أوجه التشابه بين الأغاني التركية والمجرية. أنجز بارتوك تدوين وتحليل كل المادة التي جمعها في تركيا في أيار، بعد ستة أشهر من عودته.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

بروتريه: فيصل السامر.. قامة شامخة علماً ووطنيةً

الحكّاء والسَّارد بين "مرآة العالم" و"حديث عيسى بن هشام"

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة

في مجموعة (بُدْراب) القصصية.. سرد يعيد الاعتبار للإنسان ودهشة التفاصيل الصغيرة

دجلة الجريح .. رحلة نهرية عبر مهد الحضارة

مقالات ذات صلة

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة
عام

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة

أدارت الحوار: ألكس كلارك* ترجمة: لطفية الدليمي يروى كتابُ مذكرات لي ييبي Lea Ypi ، الحائز على جائزة، والمعنون "حُرّة Free" تجربة نشأتها في ألبانيا قبل وبعد الحكم الشيوعي. أما كتابُها الجديد "الإهانة indignity"...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram