TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > مسيحيو بيث نهرين في عهد الاتحاد المللي

مسيحيو بيث نهرين في عهد الاتحاد المللي

نشر في: 20 إبريل, 2024: 11:27 م

أنطون قس جبرائيل

(2-2)

الإتحاد المللي

أ - ‏تاريخه:

‏المعلومات المتوفرة حول (قبيلة ملاّن الكردية) نواة الإتحاد المللي قليلة جداً، وقد جاء بالموسوعة الشامية في تاريخ الحروب الصليبية بأنه: " في سنة ستة وخمسين وخمسمائة - المعادلة لحوالي سنة ١١٦١م – وثب الأكراد المللية على قلعة شاتان وملكوها وانصرف عنها الأمير درباس الجوبي... ". كما أن الأمير محمد المللي كان أمير سنجق الخابور، وقد ثار على العثمانيين عام ١٥٩٨م.

وموطن المللين الأصلي بلاد الرافدين منذ القديم، ولكنهم في القرن الحادي عشر الميلادي، رحلوا باتجاه منطقة (وان) لأن سلاطين السلاجقة كانوا يودونهم، ومنحوهم (إقطاعية) بتلك المنطقة، لكنهم تركوها وعادوا إلى موطنهم الأصلي في الجزيرة الفراتية.

ويقول محمد جمال باروت بأن العشيرة الكردية الرئيسية هي عشيرة ميلان التي تحولت في هذه الفترة الى الإتحاد المللي. وفي عام ١٧٠١م أسكنت الحكومة الملليين في ديار بكر، ثم أسكنتهم منذ عام ١٧١١م في الرقة… وكان هذا الإتحاد مركب الهوية، وهذا ما تحمله الدلالة الفيلولوجية لإسم (المللية) التي تعني (هزار ملت أي ألف ملة).

والمللية قسمان (ملية الخضر) وعددهم قليل ومساكنهم غرب وجنوب مدينة عامودا، ومللية (الباشات) ومساكنهم كانت ضمن منطقة واسعة تمتد من ديار بكر إلى ماردين والرقة وحلب والموصل، وهم موضوع هذا البحث.

وإبتداءً من القرن الثامن عشر الميلادي هيمنت المللية على شمال سوريا بالكامل. وحكمت ماردين وراثياً منذ عام 1735م، وكان امراءها يعرفون بلقب (سلطان البر).

ب- ‏بعض رجالاته:

١- تيمور باشا المللي

استلم زعامة الإتحاد المللي بعد إعدام والده محمود بك بسبب الثورة التي قام بها، وقد اشتهر بشجاعته وكرمه الشديدين وخضعت له العديد من القبائل الكردية والعربية في ولاية ديار بكر ووان وبادية الجزيرة وحلب، وكان يدير الأمور من قلعته في ماردين قلعة (موك). وجهز جيشه تجهيزاً حسناً فاشتهر في مدة زمنية قليلة وهابه واليا حلب وديار بكر. ‏وبقي لسنوات طويلة يحكم المنطقة، وسيطر على جميع المراكز الواقعة ضمن إيالات حلب ودياربكر والرقة.

وقد جاء بتاريخ مدينة ماردين مايلي:

" فعند ذلك أرسل حسين السركجي إلى سلطان البر تيمور باشا الملي يتوقع عنده بأن يمنع عنه هذه العساكر..... . وكان تيمور باشا نافذ الكلم عند الوزراء وسائر الحكام؛ لكونه من أهل الشوكة والعظمة".

وبسبب جبروته وخروجه عن سيطرة الأستانة، تم إعداد جيش جرار لم يستطيع الصمود أمامه، فسارع للتخلي عن (قلعة موك) في ماردين لأعدائه وتوجه نحو ولاية حلب، فقام الجيش العثماني بصب جام غضبه على العشائر الكردية وخاصة المللية، وأزاح حاكم ماردين من منصبه وقتل عدداً كبيراً من وجهاء المللية، وأصبحت ماردين بدون حماية يسود فيها القتل والسلب والنهب، وبقي تيمور باشا طليقاً في الخارج لمدة ثلاث سنوات. وفي عام ١٧٩٤م ذهب تيمور باشا إلى بغداد بناءً على دعوة رسمية من واليها بعد أن تم الصفح عنه، ليصبح بعدها والياً على الرقة عام ١٨٠٠م ولكثرة أعدائه لم يستطع القيام بأعباء هذا المنصب، فتم نقله إلى سيواس وأصبح والياً عليها عام ١٨٠٣م. وللعلم لم يكن يتقاضى الضريبة من الحجاج الذين كانوا يمرون بمنطقته، كما نافس زعامة دياربكر الحضرية، واصطدم بأهلها عدة مرات وقبل وفاته لجأ تيمور باشا إلى مقاطعة الخابور، وبدأ ببناء تحالف جديد من القبائل لمساعدته على استعادة منصبه، ولكنه توفي بعد ذلك بوقت قصير.

٢- أيوب بك بن تيمور باشا

دامت رئاسته حوالي أربعين عاماً أمضاها بإستقلالية ذاتية، وكان مشهوراً بجوده، وقال عنه الأب جوزيف وولف الذي زار مناطق المللية عام ١٨٢٣م ما يلي:

" لدى أيوب ثمانون ألف عائلة كردية وعربية تحت إمرته، إنه أقوى شخص في البادية وكامل البلاد المحيطة به ترتجف خوفاً من إسمه، كما أن المسيحيين واليهود يثنون بشكل كبير على نزاهته وعدالته… ".

وقد وصفه الكثيرون، ومنهم السير باكنغهام الذي زاره عام ١٨١٦م وقال عنه: " إن أيوب رجل قوي للغاية، بكل ما تحمله الكلمة من معنى ".

لقد فرض أيوب بك سلطته على مناطق شاسعة جداً تمتد من بحيرة بنغول إلى سنجار، كما وصلت إلى مدينة حماة السورية عام ١٨١٨م. وكان حكمه للمنطقة المذكورة بشكل مستقل غير ‏عابيء بأوامر السلطة الحكومية العثمانية.

ويقول ستيفان وينتر بأنه:

" كان … آخر حصن ضد أشرس هجمة لتحالف الغزو البدوي الوهابي بإتجاه الشمال".

وقد تعاون أيوب بك مع جيش محمد علي باشا (المصري)، وقاتل معهم ضد القوات العثمانية. وكان دعم المللية للمصريين بارزاً في معركة حمص، إلاَّ أن هذا الوفاق لم يستمر، وبرغم تحويل أيوب بك ولاءه للعثمانيين، إلا أنهم عندما استعادوا السيطرة على الضفة الشرقية للفرات عام ١٨٣٤م، شنوا حملة شعواء على المللية، ولاحقوا وسجنوا زعماءها، واستولى أعدائهم القدامى على أراضيهم في الجزيرة الفراتية وخاصة قبيلة شمّر التي أصبحت سيدة الجزيرة، وبعد وفاة أيوب بك في سجن قلعة ديار بكر، إنتقلت رئاسة المللية إلى إبن أخيه تيماوي بك.

‏٣- تيماوي بك

كانت المدة التي قاد بها تيماوي بك الإتحاد المللي قصيرة، إلاَّ أنها كانت مليئة بالاحداث التي عبّرت عن رغبته في مقاومة الهيمنة العثمانية الى حد التخلص من سلطتها فتابع التعاون مع المصريين وأفسح المجال لقواتهم للدخول الى بعض المناطق الكردية، وقدم لهم الطعام والمواشي والإمدادات اللوجستية، وسعى إلى تكريس العلاقة الدبلوماسية مع حكام مصر الذين ساعدوا المللية لاحقاً، وأدى توسطهم لدى السلطان العثماني الى العفو عن قياداتهم الذين كانوا معتقلين لدى السلطة العثمانية، وإعادة دورهم السياسي لهم من جديد.

أما بالنسبة لنهايته فقد قُتل بإحدى المعارك مع العثمانيين حوالي عام ١٨٤٠م، ودفن في قرية الهيشري التابعة لماردين. ونظراً لفقدان المللية زعيمها، نزلت بها المصائب والويلات فقد أغارت عليها عشيرتا شمّر وطيء وإستولتا على الكثير من أراضيها.

٤- محمود بك المعروف معمو بك

أصبح رئيساً للملليين بعد انسحاب إبراهيم باشا المصري من بلاد الأناضول.

وبعد أن تابع إعمار مدينة (ويرانشهر) جدد قلعتها وجمع جيشاً كبيراً من العشائر العربية والكردية، وساعده والي دمشق الذي وضع بعض القوات العسكرية بتصرفه، فأخذ يستعيد القرى والمناطق التي سيطرت عليها قبيلتا شّمر وطيء، وإثر نزاع بينه وبين والي ديار بكر قبض عليه الوالي وزجه في السجن لمدة طويلة، ثم عفى عنه السلطان العثماني عبد العزيز بشفاعة خديوي مصر نتيجة متابعة إبنه إبراهيم الحثيثة.

‏وبعد إطلاق سراحه توفي بعام ١٨٧٨م بسبب مرضه ودُفن بمقبرة الشيخ جاكير بحلب وخلفه إبنه إبراهيم.

٥- إبراهيم باشا المللي

ولد حوالي عام ١٨٤٥م وترعرع في ويرانشهر، وتزوج من خنسة باشا وهي كردية من عشيرة خلجان المللية من عائلة الداوود، كما تزوج من شمسة باشا وهي عربية من قبيلة (جيس) من بيت العثمان، وقد قابله الكثير من الرحالة والسفراء والقناصل الأجانب وكتبوا عنه، ومنهم اوبنهايم الذي قال: "ينحدر إبراهيم باشا من سلالة قديمة من الأمراء البدو الذين غزوا ممالك وأسسوا سلالات ملكية…"، إلاَّ أن وصف السير مارك سايكس له يبقى الأكثر تميزاً حيث قال:

" كان إبراهيم باشا شخصية عجيبة حقاً، فكان بلا شك قائداً طبيعياً للرجال يمتاز بقدرة عجيبة على ضبط النفس كما هي صفات أولئك الرجال الذين اختبروا الجوانب الأكثر قسوة وإضطراباً في الحياة ".

ويتابع مارك سايكس القول:

" ….. وافصح الباشا خلال الحديث عن معرفة مدهشة ودقيقة بشؤون وأحداث أوروبا…. وكان الناس الذين يحيطون به ينتمون إلى شتى العناصر والمذاهب…. انخرط إبراهيم مع رؤساء أكراد آخرين في سلك قوات الحميدية، ورفعت رتبته إلى مير ميران وأعطي لقب الباشا بعد قيامه بزيارة إلى استنبول بعد هذا اخذت سياسته تأخذ طابعاً أكثر جرأة فبدأ يقاوم البدو ويشجع النصارى على النزوح إلى ضواحي ويرانشهر… وفي الوقت الذي كان رؤساء قبائل أخرى منهمكين في نهب وقتل الأرمن كان إبراهيم باشا يحمي المسيحيين من كل النحل والمذاهب.

وقد قُدر أثناء المذابح التي ذهب الأرمن ضحيتها، بأن إبراهيم أنقذ عشرة آلاف أرمني من الهلاك ".

وعن تميزه بالعدالة يقول عبد الكريم بهجت:

"ولما انتشرت أخبار عدالته وصولته في مدائن رها (أورفة) وماردين وديار بكر صار أبناء المسيحيين والمسلمين يتقاطرون أفواجاً مع عيالهم إلى قضاء ويرانشهر مركز إبراهيم باشا المللي ويسكنون ويتاجرون فيها آمنين على أموالهم".

ويقول باروت:

"وأصبح القناصل الأجانب… يهتمون ببناء علاقة مباشرة به، ويدعونه إلى زيارتهم في حلب… وكان إبراهيم باشا، من جانبه ملاطفاً للأوروبيين بثبات، و حريصاً على كسب ثقة المسيحيين المحليين الذي اخذت أعداد متزايدة منهم في الإستقرار والتمتع بالحماية في عاصمته ويرانشهر".

وقد منحه السلطان العثماني لقب (أمير أمراء الكرد)، ونتيجة إستفادته من فائض إنتاج القمح في ديار بكر في زمن الندرة العالمية والعثمانية وغيرها من الموارد أصبح ثاني أغنى رجل في الشرق بعد السلطان عبد الحميد الثاني.

وقد تحدث عنه إيف ترنون قائلاً:

"......... وقبيلة الملّي يرأسها إبراهيم باشا. وهذا الأخير هو اليوم الأقوى من جميع الرؤساء الأكراد في هذه المقاطعة. فقد كان غنياً جداً، ذكياً، داهية، وكان بخاصة محمياً من (الباب)..... .. كان يسود ناحية فيرانشيهير ".

وقد ذكر الرحالة السويدي أليكس (Alexis) الذي زاره مدى عظمته... ووصفه من لحظة دخوله إلى خيمته، وجلوسه فوق كرسي مغطى بجلد أسد... وكان السجاد فوق الأرض مخصصاً لجلوس الضيوف، والمرشد كان أرمنياً.... ويذكر كيف يريد الباشا أن تتمتع المنطقة بالحرية والسلام....

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram