د. أسامة شهاب حمد الجعفري
قديماً قال الرومان (استخدام الاردياء لايخلو من خطأ) وبما ان السياسة ساحة لتجلي القانون لا فعلاً مدفوعاً بالطمع والرغبة في حيازة الأشياء والكسب غير المشروع. والحزب السياسي الذي يتمكن من الوصول الى السلطة فانه يمارسها من خلال اتباعه في التنظيم المؤسسي,
عبر ما تملك السلطات الحزبية ومصادر القرار داخل الهيئات القيادية من سلطة اختيار الشخصيات لشغل مناصب الدولة, وقد لا يُحسن الحزب السياسي اختيار الوزراء العائدين له في التشكيلة الحكومية , فيرتكبون نتيجة المحاصصة اعمال فساد اداري ومالي مستغلين مناصبهم والحصانة التي يوفرها نفوذ الحزب الذي ينتمون اليه, صحيح ان الوزير الفاسد يكون مسؤولاً مسؤولية قانونية شخصية عن افعاله , لكن ماذا عن الحزب السياسي الذي مكّن ذلك الوزير الفاسد لتلك المناصب وسخر كل نفوذه الحزبي لحمايته, هل يبقى بعيداً عن المسؤولية القانونية؟ وهل على الشعب تحمل تبعات سوء هذا الاختيار ؟ طالما يبقى الحزب بعيداً عن المسؤولية القانونية عن سوء اختيار الوزراء فان الشعب يبقى ضحية لسوء قراراته وخياراته ويستمر الحزب في فضاء العدمية السياسية لا ينتج سوى العبث واللامعنى في حياة الجماهير. فكيف يمكن اخضاع الحزب السياسي للمسؤولية القانونية عن سوء ذلك الاختيار؟
اولاً: الحزب السياسي شخص قانوني خاضع للقانون المدني العراقي
الحزب السياسي شخصية معنوية وفق المادة (18) من قانون الأحزاب السياسية العراقي رقم 36 لسنة 2015 يملك بموجبها الشخصية القانونية التي تمكنه من تحمل الالتزامات وممارسة الحقوق, وهذا الشخص القانوني الذي يمارس نشاطه في المجتمع يخضع لكافة القوانين التي تحكم الشخص العراقي ومنها القانون المدني العراقي رقم 41 لسنة 1950 والذي ينظم المسؤولية المدنية التقصيرية للمتبوع عن أفعال تابعيه وفق المادة (219) منه, وهذه المسؤولية وفق قواعدها العامة فيه تقرر ان الشخص الذي يسميه القانون بـ(المتبوع) والذي يستخدم اشخاص يعملون لحسابه وفائدته وتربطهم به علاقة تبعية والذي يسميهم القانون بـ (الاتباع) يكون مسؤول عن الاضرار التي يحدثوها في المجتمع وكأن أخطاء الاتباع قد صدرت عن المتبوع ويمكن للفرد والمجتمع والدولة المتضررون منهم الرجوع على المتبوع بالتعويض عن هذه الاضرار بالدعوى المباشرة.
والفلسفة القانونية من وراء تقرير هذه المسؤولية هو حض الشخص على حُسن اختيار اتباعه لاداء مهامه ورعاية مصالحه, وعدم استخدام غير الجيدين منهم, لضمان حماية النظام العام في المجتمع, وان صدور الأخطاء من هؤلاء الاتباع يدل دلالة قاطعة غير قابلة لاثبات العكس ان الشخص القانوني قد اخطأ : اما في الاختيار ( Faute de choit ) او في الرقابة والتوجيه
( Faute de surueillance ). حُسن اختيار الاتباع واجب على الفرد وحق عام للمجتمع, والاخلال بهذا الواجب يترتب عليه المسؤولية المدنية عن الاضرار الناشئة عنه.
والحزب السياسي باعتباره شخصاً قانونياً يمكن مسائلته وفق المسؤولية المدنية التقصيرية للمتبوع عن أفعال اتباعه اذا ما احدثوا ضرراً للمجتمع والدولة عند ممارسته للعمل السياسي شأنه شأن أي شخص في المجتمع العراقي, فهو لايشذ عن هذه القاعدة القانونية, وليس مستثنى عنها. فتقرير الشخصية القانونية للحزب السياسي يعني تقرير مسؤوليته القانونية بكافة أنواعها المدنية منها والجنائية والإدارية امام القضاء المختص وهذا السياق هو الذي قررته المادة (19) من قانون الأحزاب السياسية العراقي رقم 36 لسنة 2015 عندما اقرت خضوعه بشكل مطلق للقضاء.
ثانياً: الحزب السياسي وسلطة اختيار الوزراء والمسؤولية المدنية عنها
ارتبط وجود الحزب السياسي بغاية الوصول للسلطة وفق المادة (2/ اولاً) من قانون الأحزاب السياسية العراقي رقم 36 لسنة 2015 , ولكن ماذا تعني السلطة غير تدبير حياة المجتمع وإدارة شؤونه العامة؟ فتكون الغاية النهائية للحزب السياسي هي تدبير شؤون المجتمع, من خلال كوادر الحزب السياسي الذي نجح في مسك زمام السلطة. والحزب السياسي يلتزم بحُسن ادارة السلطة ولا يتأتى له ذلك الا ان يُحسن اختيار كوادره ونخبه الخاصة القادرين على إدارة تلك السلطة, لان السلطة لن تستقيم من دون حُسن اختيار الحزب السياسي لاتباعه المخصصين لإدارتها, وان عدم استقامة السلطة التي يقودها احد اتباع الحزب السياسي يحقق المسؤولية القانونية لذلك الحزب ليحتكم إليها المجتمع و يلجأ اليها لضبط السلطة من أن تتغول, فالسلطة شرٌ مطلق , و لا يوقف السلطة إلا سلطة القانون.
هذه هي “سلطة الاختيار” التي يملكها الحزب السياسي الممنوحة له بموجب القانون لتمكينه من الوصول وإدارة السلطة, وبما ان اختيار رجال الدولة في حقيقته “سلطة” يملكها الحزب السياسي, وهو الذي سهل وصول اتباعه الى السلطة ولولاها لما تمكن احد من اتباعه من تبوء مناصب في سلطات الدولة, وبما ان وجود اتباع الحزب السياسي في الدولة لا ينفي انقطاع العلاقة التبعية بين الوزير وحزبه, وهذه العلاقة التبعية تتضمن في حقيقتها ان الحزب مايزال يملك الحق في رقابته وتوجيهه لانه هو من اختاره. فمسؤولية الحزب السياسي عن فساد وتقصير وزرائه الذين اختارهم لقيادة الوزارة قائمة طالما يتمتع بـ” سلطة الاختيار” واستمرار سلطة التوجيه والرقابة, وطالما وجدت السلطة وجدت المسؤولية, فالمسؤولية هي المقابل للسلطة.
و من خلال هذا التفكيك القانوني لبنية الحزب السياسي الداخلية يتضح ان اختيار الحزب لوزرائه في الدولة هي في حقيقته “سلطة” وكل سلطة يجب ان تخضع لرقابة القانون المدني اذا ما اخطأ اتباعه وترتب على هذا الخطأ ضرراً للمجتمع والدولة فان الحزب السياسي هو الذي يكون مسؤولاً مسؤولية مدنية عن فساد من اختارهم لادارة السلطة ويلتزم بتعويض الاضرار التي أحدثوها بالمال العام, لتهاونه في بحُسن اختيار الأشخاص الكفوين وتقصيره برقابته عليهم.