المدى – تبارك عبد المجيد
يصف مراقبون في الشأن البيئي إدارة النفايات في العراق بأنها "متخلفة"، وهو وصف يتجلى بوضوح في المشاهد اليومية لأكوام القمامة المتناثرة في الشوارع والأحياء السكنية.
في بغداد، مثلاً، تشوه النفايات المنتشرة أمام المستشفيات وبين أروقة الأحياء السكنية المظهر العام، وتنبعث منها روائح كريهة، مما يزعج المارة ويؤثر سلباً على جودة الحياة. هذه الأزمة المتفاقمة تعكس تدهور الوضع البيئي والصحي في البلاد، يقول المواطن سلام محمد إن "انتشار النفايات اصبح غير معقول، حتى في الأسواق الشعبية وامام المقاهي"، ويجد سلام ان المواطن يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية، اذ لا يزال هناك من يرمي قناني المياه في الشوارع العامة، على سبيل المثال.
ويضيف لـ(المدى)، أن "بعض النفايات تنتج من أصحاب المحال التجارية، الذين لا يتعاملون معها بشكل صحيح ويتركونها في الشارع وسط الأسواق"، وتساءل سلام عن دور الجهات الحكومية المسؤولة عن معالجة هذه الكارثة البيئية، على وجه الخصوص "وزارة البيئة والبلديات".
ختاماً، يتمنى سلام، وهو أحد سكان بغداد، أن يأتي اليوم الذي يستطيع فيه التجول في مدينته دون أن يصطدم بمشاهد تراكم النفايات في كل زاوية. حلمه بسيط ولكنه يعكس رغبة عميقة في رؤية بغداد نظيفة وجميلة.
يَعتبر الناشط البيئي د.جاسم الأسدي، رئيس مجموعة طبيعة العراق البيئية، أن العراق يعاني من مشكلة كبيرة تتعلق بإدارة النفايات التي تنتشر في الشوارع، وبين المنازل، وأمام المستشفيات، وحتى في المناطق الزراعية والمدارس. ويشير في حديثه لـ(المدى) إلى أن "الحكومات المتعاقبة قد تحدثت منذ سنوات عن تدوير النفايات وإنشاء معامل في بغداد والبصرة وذي قار، ولكن لم يتم تنفيذ أي شيء على أرض الواقع".
ويكمل الأسدي قائلاً إن "الأحاديث عن إدارة النفايات كثرت، إلا أن النفايات في تزايد مستمر، وأن المحارق تنتشر بشكل يعكس خطورة كبيرة على البيئة والصحة، حيث تعتبر أماكن لانتشار القوارض والجرذان. ويشير إلى ضرورة وجود حملات توعوية وتكثيف الجهود التطوعية، بالإضافة إلى جعل إدارة النفايات ضمن القضايا المهمة لدى الحكومة نظراً لأهميتها للصحة العامة ونظافة البيئة".
بدوره، يحث الأسدي الحكومات المحلية على وضع خطط تتعلق بإدارة النفايات وإنجازها خلال الدورة الانتخابية الحالية، وتعزيز التعاون المشترك مع كافة الجهات ذات العلاقة. ويقترح الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي نجحت في استثمار النفايات في جوانب اقتصادية مختلفة.
وأضاف الأسدي أن "المواطن أيضاً يتحمل جزءاً من المسؤولية في هذا الشأن"، مشيراً إلى أن بعض المراكز الصحية، التي من المفترض أن تكون مسؤولة عن الصحة، تلقي بنفاياتها الخطرة في الأنهار، مما يزيد من تفاقم المشكلة. وأكد على أهمية تفعيل القوانين المتعلقة بإدارة النفايات ووضع مشاريع ملموسة لتحقيق ذلك.
ويتابع الأسدي، أن "وزارة البيئة تتسم بالخجل في إجراءاتها ومتابعتها للقضايا المتعلقة بالنفايات، وتفتقر للعديد من الإجراءات التنفيذية الفعالة على أرض الواقع، مما يجعل من الضروري تكثيف الجهود والعمل بجدية لحل هذه الأزمة البيئية والصحية"، ويلوح إلى "غياب دور الوزارة في دعم العاملين في القضايا البيئية، منها منظمتنا التي تعد احدى المؤسسات الاولى التي عملت على التنوع الاحيائي في العراق".
ينتج العراق 20 مليون طن يومياً من النفايات، فيما تفرز أمانة بغداد لوحدها 9 آلاف طن يومياً، وتعد هذه الكميات ثروة هائلة تنتظر الاستثمار من خلال إعادة تدويرها لإنتاج مواد جديدة قابلة للاستعمال، وفي الوقت نفسه المحافظة على البيئة وتوفير فرص عمل للعاطلين.
وتتمثل المواد القابلة للتدوير في المعادن، مثل الحديد والألمنيوم والفولاذ والبلاستيك والزجاج والورق والكرتون المقوى وإطارات السيارات والمواد النسيجية، ويمكن أيضاً إعادة تدوير مياه الصرف الصحي.
من جانبه، يرى الصحفي والباحث في شؤون البيئة والتغير المناخي خالد سليمان، أن "مشكلة النفايات في البصرة قد تفاقمت بشكل كبير، حيث يتم رمي المخلفات البشرية والنفايات المنزلية بمختلف أنواعها في قنوات المياه، مما جعلها مصدراً للروائح الكريهة، والفايروسات، وانتشار العديد من الأمراض، والإزعاج البشري".
وفي حديثه لـ(المدى)، يشير إلى أن "شناشيل البصرة تعاني من هذه المشكلة بشكل خاص، لدرجة أن الروائح الكريهة تجعل من الصعب تحمل البقاء في المنطقة، على الرغم من وجود مركز يُفترض أنه مخصص لحمايتها". ويضيف أن "النفايات والمياه الآسنة لا تزال تُنقل من مركز العاصمة إلى مناطق أخرى مثل ديالى، حيث تُلقى في نهر ديالى، مما يعتبر شكلاً متخلفاً جداً من أشكال إدارة النفايات في العراق".
ويقترح سليمان تبني طرق حديثة للتخلص من النفايات، مثل إنشاء مراكز متخصصة تعمل بآليات حديثة لتحويل المواد الخارجة من المنازل ومعالجتها لإنتاج وقود حيوي لا يولد غازات دفيئة، مما يتيح استثمار النفايات في عدة جوانب اقتصادية، وذكر أن العراق يحتضن معملا واحدا يعمل بهذا الالية، وهو موجود في محافظة السليمانية.
ويؤكد سليمان أن الحكومة إذا كانوا جادة في معالجة مشكلة النفايات كما تزعم، يمكنها تحقيق أرباح اقتصادية من خلال استثمار النفايات، بالإضافة إلى جعل البيئة أكثر صحة وحماية الأنهار والتربة.
تحتضن العاصمة بغداد وحدها أكثر من 213 مقلع طمر صحي، 149 منها غير حاصل على الموافقة البيئية، بحسب أحدث إحصاء لجهاز المركز الإحصائي في العراق، كما تسكنها آلاف العائلات التي تضطر إلى مواجهة التلوث والأمراض ثم النبذ المجتمعي والإهمال الحكومي.