عبد الحليم الرهيمي
أعلنت مؤخراً ثلاث دول اوربية اعترافها رسمياً بدولة فلسطين وفق ( حل الدولتين) وهذه الدول هي اسبانيا والنرويج وايرلندا . وبهذه الاعترافات بلغ عدد المعترفين بالدولة الفلسطينية 147 دوله من اصل 193 دوله تشكل منظمة الامم المتحدة ، وذلك بدءاً من عام 1988 الذي اعلنت فيه منظمة التحرير ما اسمته بـ (وثيقة الاستقلال) .
عبّرت القيادات الفلسطينية عن ترحيبها ورأيها بهذه الاعترافات واعتبرتها (لحظات تاريخية) تمر بها القضية الفلسطينية وبوصفها أيضاً (خطوة فعلية لدعم تنفيذ حل الدولتين) . وقد أعتبر مجلس التعاون الخليجي ذلك خطوة محورية واستراتيجية نحو تحقيق حل الدولتين ، مثلما عبّرت السعودية ايضاً عن ترحيبها بهذا الاعتراف بدولة فلسطين .. ثم تتالى الترحيب والتأييد لهذه الخطوة عدد من الدول العربية ودول العالم .
وبينما تجلت أهمية هذه الاعترافات اولاً بتقدير وتثمين القيادات الفلسطينية ، فقد تجلت أهميتها من جهة ثانية بالغضب المسعور لاسرائيل وحكومة بنيامين نتنياهو ، التي أتهمت اسبانيا والنرويج وايرلندا بـ (مكافأة الارهاب) ! ، وهو الموقف الذي يشير الى خشية اسرائيل من هذه الاعترافات التي تظن انها ستضع ، وجهود دبلوماسية عربية ودولية اخرى ، على سكة قيام هذه الدولة الذي يرعبها ! وبدوره لم يتأخر الرئيس بايدن عن التعبير عن مخاوفه لقيام هذه الدولة بتصريحه بأنها لا تتحقق بـ ( اعتراف احادي الجانب) الامر الذي يعني سيكون ساعياً لعرقلة قيامها طالما ربط تحقيقها باعتراف اسرائيل بها (الجانب الآخر) وهو الامر المستحيل تحقيقه في ظل حكومة نتنياهو .
هذا الترحيب والتأييد اللذين حظيت بهما القضية الفلسطينة باعترافات الدول الاوربية الثلاث بدولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية على اهميته ودلالاته يتطلب استثماره ، مع الانجازات السابقة التي حققتها القضية الفلسطينة عبر ايجاد آليات عملية وبجهود اخرى متعددة المحاور والتحركات على الصعد العربية والاقليمية والدولية والتسلح بما تحقق من انجازات لوضع قيام الدولة الفلسطينة على سكة الانجاز العملي . فاذا كانت اهمية تحقيق ذلك هي لمصلحة الفلسطينيين اولاً واساساً ، فأن دول المنطقة والعالم ترى في ذلك مصلحة حقيقية لها ايضاً خشية ان يؤدي استمرار التوترات والعنف كما حصل في غزة وخاصة عندما بلغ التصعيد في الحرب لمرحلة خطيرة انذرت بوقوع حرب اقليمية او دولية شاملة يتضرر منها الجميع . اما المستفيد الاكبر المهم الذي يتجاهله كثيرون من مصلحته اقامة الدولة الفلسطينة فهي شعوب المنطقة باستبعاد نشوب حروب مدمرة ، وانتهاء الادعاءات الفارغة للانقلابات العسكرية وممارسة حكم الاستبداد والقمع بذريعة العمل لتحرير فلسطين وخدمة القضية الفلسطينية ضد شعوب بلدانها كما شهدنا ذلك خلال العقود السبعة الماضية ، فضلاً عن التغطية على فشلها في حكم وتقدم وازدهار بلدانها ، والتغطية ايضاً على فسادها وسرقة المال العام .
لقد تزعمت او قادت اسبانيا اعترافات الدول الثلاثة مؤخراً بالدولة الفلسطينة ، التي اعترف برلمانها اصلاً بالتصويت على قرار الاعتراف منذ عام 2014 وكلف الحكومة التعبير عن ذلك . وفي ضوء ذلك يمكن الافتراض ان اسبانيا تبادر الان القيام بالمساعي التي تؤدي الى ذلك ، قبل الآخرين ، وبأعتقادها ان تلك المساعي ستواجه مصاعب وتحديات ينبغي التنبه لها واخذها بالاعتبار.
ولتوضيح ذلك ، نشر وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الاوربي والتعاون لمملكة اسبانيا ( خوسي مانويل الباريس بونيو) مقالاً في صحيفة الشرق الاوسط اللندنيه مؤخراً بعنوان ( الاعتراف بدولة فلسطين .. اي تحديات ؟ ) جاء فيه قوله ( ان للشعب الفلسطيني الحق في الامل ، كما للشعب الاسرائيلي الحق في الأمن ، انه السبيل الذي يفضي الى السلام ) وأضاف ( وحرصاً على السلام تؤيد سياستنا حل الدولتين الحل الذي اضحى لا رجعة فيه ، وان السبيل الى ذلك يتمثل في الاعتراف بدولة فلسطينة وعضويتها في الامم المتحدة واكد خوسي ايضاً ( ان اسبانيا لن تدخر جهداً في الانخراط مع كل الاطراف المعنية من اجل حل سلمي للنزاع ، واذْ قررنا الاعتراف بالدولة الفلسطينة فمرد ذلك لجسامة التحديات لجهة السلام والعدالة ) .
وبهذه التطورات التي سبقت اعترافات الدول الثلاث بالدولة الفلسطينية وبالاعترافات ذاتها ودلالاتها يمكن الافتراض باقتراب الوضع الدولي ان يضع تحقيق الدولة الفلسطينة في اولويات جدول اعماله ، وهذا يحتم على القيادات الوطنية المعتدلة من القيادة الفلسطينة التعامل البناء والايجابي مع هذه التطورات وعدم السماح للجهات المتطرفة والمتشددة من عرقلتها بـ (دكة الرفض والمزايدات ) على غرار (الدكات العشائرية في العراق) !!