اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > زياد جسام.. تراكيب اللون ومراكب الحلم

زياد جسام.. تراكيب اللون ومراكب الحلم

نشر في: 3 يونيو, 2024: 12:13 ص

محمد طهمازي
«النوم الطويل لا يناسبني إطلاقاً، إن اختصاصي هو الأرق، أتفنن به، سأعوض كل ما فاتني من النوم حين أموت.»
كارلوس زافون
قد يستجيب الإنسان للنوم طلبا للراحة، لكن الفنان حين ينام فهو إنما يغوص في ذلك القلق الأبدي الذي يمد بنيته الفكرية بهلوسات وكوابيس وذكريات كانت تشغل عالمه الطفولي ذاك العالم الذي لا يموت حينما يكبر الإنسان بل يتحول من حالة البراءة الى حالة العفوية التي يجهد عامة الناس للتخلص منها كونها لا تلائم عالم الأقنعة والتمثيل في كل مفاصل الحياة فكل من تراهم حولك هم ليسوا هم بل نسخ مزيفة ومشوهة. الفنان حين ينام يكون أشد يقظة وتفكير وقلق وهذا ما نراه في أعمال زياد جسام بفرعيها التشكيلي المرسوم والتشكيلي التركيبي (الانستليشن).
حين ينام زياد فهو يأخذ بزمام مركبه الطفولي إلى منتصف بحيرة الحلم حينها يترك مجاذيفه ويقفز عميقا في لون مائها المخضر بحثا عن أشيائه التي تركها هناك في القاع ليجدها وقد نبتت عليها طحالب النسيان، دراجته الأثيرة، انتيكات أهله حتى ذلك الشغف برائحة الحبر والورق في الكتب التي ما تزال نسب أحجامها تفوق حجم ذلك الصبي الذي صار جزءا من أبطال قصصها.. إنه نموذج لأجيال فقدت الكثير من طفولتها أو فقدتها برمتها في صخب الحروب والصراعات الدموية.. يفتش ويفتش في كل مرة عن أشيائه بيد أنه في الحقيقة يبحث عن زياد الصغير المفعم بالأحلام الباحث عن الدهشة وهو لا يجد إلا بعضا من آثاره في كل رحلة غوص فيعود به ليوجد منه تجربة إبداعية تصنع تراكمية في الإدراك الحسي العادي للمتلقي، وربما الجمالي المتقدم تعيده إلى لحظات الدهشة وهو يقف إزاء العمل الفني الذي شغلته عنه فوضى الحياة ومخدرات العالم الافتراضي.. موقع يتيح له المجال ليكون مشاهدا مشاركا في عمليه خلق المفاهيم والقيم الجمالية الإدراكية وليس مجرد مُستقبل لما يُمليه عليه الفنان…
إن عالم الحلم هذا يغذي التشكيل التركيبي لدى زياد حيث يحرره من منظومة العمل التقني المعتاد ليطلقه في فضاءات واسعة من الخيارات التنفيذية سيما وأن فن الانستليشن يقوم على تركيبات شكلية يوظف وجودها التكويني الفيزيائي لخلق تداخلات متعددة الجوانب، بصريا، مع المكان في تلاعب مع الفراغات وعناصر المحيط الحاضن للعمل، وهي تنفذ، في كثير من الأحيان، من خامات إما جاهزة أو يتم تحوير أشكالها في ذات مكان عرضها لصعوبة نقلها من الستوديو.
فيما عالم الواقع يغذي لدى زياد اشتغالاته التشكيلية المرسومة التي تحركها أفكاره وقناعاته المتفاعلة في مساحة رغبته في الحياة بكل حرية وعفوية، نجد أن كل الشخوص الذين نراهم في لوحاته من دون ملامح لكنهم يضجون حيوية وشغف بالحياة ورغبة جامحة في الاستمتاع بكل لحظاتها وملذاتها هم زياد والأشخاص الذي يشغلون الحلقات القريبة منه وهو حينما محى ملامحهم إنما ليمنحهم كل متع الحياة من دون تخصيص أو تفريق أو تمييز أحد عن الآخر. ومن زاوية آخرى فهو يخفي هوياتهم عن العيون المريضة التي تترصد كل إشارة تدل على تمتعهم بخياراتهم الإنسانية . يقول ماريو بارغاس يوسا: « لم يكن يعرف ذلك الشاب معنى الخيار الحر. ربما يكون قد عرفه في طفولته ولكنه نسيه لا بد أنه شيء جميل . حينما يكون لديك الخيار الحر لا بد أن يكون لفنجان القهوة طعم أفضل، وسيخلف سماع الأغاني من المذياع في الجسد والروح إحساسًا أكثر سعادة عندما يمتلك هذا الشيء الذي انتزعه السلطويون المجانين منا منذ عشرات السنين.. انتزعوا منا الخاصية المقدسة التي منحنا إياها الرب..الاختيار الحر «
يعيش زياد جسام في منطقة القلق التي تتوسط عالمين عاشهما الرافديني في فجر الحضارة البشرية حينما أسس لفلسفة الوجود والعدم المتخيلة ونجح في المزاوجة الأسطورية بين عالميها حينما ألحت عليه قريحة الإبداع في طريق سعيه صوب الحقيقة في عالم معتم خال من مشاعل تنير وعيه وتغني تفكيره.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

اليوم ..خمس مباريات في انطلاق الجولة الـ 36 لدوري نجوم العراق

بدء التصويت في انتخابات فرنسا التشريعية

"واتساب" يختبر ميزة جديدة عند الفشل بارسال الصور والفيديوهات

تطوير لقاحات جديدة للقضاء على الحصبة نهائياً

الأونروا: سكان غزة فقدوا كل مقومات الحياة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت

حوار مع الروائية الفيلسوفة أيريس مردوخ : الرواية الجيدة هي هِبة للإنسانية

"الزنا".. أحدث روايات الكاتب البرازيلي الشهير باولو كويلو

هل دجلة الخير للجواهري نهر؟

كيف تموت منتحرا؟

مقالات ذات صلة

فشل الذكاء الاصطناعي في مضاهاة الخلق الأدبي والفني
عام

فشل الذكاء الاصطناعي في مضاهاة الخلق الأدبي والفني

د. نادية هناويمنذ ثورة أوروبا الصناعية في القرن التاسع عشر، والعالم غير الصناعي ينظر بعين الريبة إلى المستحدثات الصناعية والمبتكرات العلمية، متوجساً مما ستصل إليه الثورة العلمية من اختراعاتٍ وتقنياتٍ، فيضع احتمالاتٍ مستقبليةً فيها...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram