بغداد/ تميم الحسن
حين زار رئيس الحكومة محمد السوداني قبل ايام جهاز مكافحة الارهاب، بدت وكأنها رسائل مبالغ بها للرد على هجمات ضد وكالات تجارية امريكية استمرت اكثـر من يوم في بغداد، لكن خلف الكواليس كانت مقلقة بالفعل، بحسب مصادر مطلعة.
واجه السوداني منذ استلامه السلطة نهاية العام الماضي، أسوأ الأوقات، وأشدها توتراُ بين الفصائل والقوات الامريكية بسبب الحرب في غزة. هاجمت الجماعات المسلحة 90 هدفا امريكيا في الداخل (من تشرين الاول 2023 الى شباط الماضي)، وفق بيانات صدرت عن المجموعة التي تطلق على نفسها "المقاومة العراقية".
ورغم ذلك لم يتطلب من رئيس الوزراء حينها الذهاب الى اقوى تشكيل عسكري في البلاد (مكافحة الإرهاب)، والطلب من هناك، من داخل الجهاز، ان يستعدوا "للتعامل مع العابثين بالأمن والاستقرار"، كما جاء في بيان للحكومة الاسبوع الماضي.
وتسببت هجمات في بغداد قبل اسبوع، يعتقد ان وراءها فصيلا غير معروف تحت اسم "أصحاب الكهف"، استمرت لأكثر من يوم الى إحداث اضرار في مطاعم وشركات اجنبية داخل العاصمة وفي مناطق قريبة من مقرات حكومية وحزبية و"الحشد".
والفصيل الاخير وجماعات أخرى مشابهة تستخدم اسماء وهمية، تظهر وتختفي في أوقات غير مفهومة، فيما يعتقد بأنها واجهات لمجاميع مسلحة معروفة ومشاركة في العملية السياسية.
وتقول المعلومات الواردة من مصادر مطلعة وصلت الى (المدى) ان "هذه الفصائل، أبرزها أصحاب الكهف، تظهر في أوقات الخلافات السياسية، وهي تعمل لصالح جهات سياسية، وتهدف للضغط على الحكومة".
"أصحاب الكهف" من أقدم الجماعات المسلحة التي استخدمت اسماء وهمية، وظهرت بياناتها اول مرة في 2019 كفصيل مناهض للوجود الامريكي في العراق. واعلنت في 2020 مسؤوليتها عن هجمات ضد ارتال الدعم اللوجستي، ثم ضرب السفارة الامريكية.
وفي تلك الفترة ظهرت أسماء اخرى مثل "المقاومة الدولية"، "عصبة الجبارين"، "الوارثين"، "كتائب الصابرين"، "كتائب كربلاء"، و"كتائب سيف الله".
العمليات المسلحة الاخيرة التي طالت الوكالات الاجنبية في بغداد، كانت قد جاءت بعد عودة السوداني من واشنطن، وحديث الحكومة عن نجاح الزيارة والوصول الى تفاهمات لانسحاب القوات الامريكية وبدء علاقة "ثنائية مستدامة" بين البلدين.
وتمضي المصادر بالقول: "كانت الأوضاع خطيرة في الاسبوع الماضي وكادت ان تتطور لاستهداف مصالح امريكية اخرى، ووصلت الى رئيس الحكومة تقارير امنية عن تحركات مشبوهة، وهي تنسف ما تم تحقيقه بين العراق والولايات المتحدة".
السوداني كان، بحسب بعض التسريبات، قد هدد في وقت سابق بالاستقالة إذا لم تتوقف الجماعات المسلحة عن استهداف المعسكرات التي تضم امريكان في العراق، قبل ان تدخل الفصائل في هدنة (غير معلنة) منذ شباط الماضي، مستمرة حتى الان.
ولمنع انهيار الهدنة زار السوداني بعد يومين من تلك الهجمات على الوكالات الامريكية جهاز مكافحة الارهاب.
وفي كلمة له، قال إن مهمة الجهاز تتعدى مكافحة الإرهاب الى التصدي لكل "مهددات الأمن الوطني"، مضيفا: "إذ أن التهديدات لم تعد تتمثل بفلول داعش المندحرة، بل يتوجب الاستعداد للتعامل مع أي محاولة عبث تحاول الإساءة للأمن والاستقرار المجتمعي".
وحاولت الحكومة ان تصور تلك الهجمات بأنها ضمن "التنافس التجاري"، لكن لم يمنع ان يمرر مسؤولون بعض الرسائل بوجود أهداف سياسية.
محمد الدراجي، مستشار السوداني، تحدث في لقاء تلفزيوني بعد يوم من تلك الهجمات عن ما أسماه "الدولة الخفية" في العراق التي تحاول "ضرب كل النجاحات والاستقرار".
بالمقابل قال هاشم الكندي، وهو مقرب من الاطار التنسيقي والفصائل ان هذه الهجمات "هي بسبب التنافس التجاري".
وكان فادي الشمري المستشار السياسي لرئيس الحكومة، تحدث في وقت سابق، عن تنافس شديد لفتح الوكالات الامريكية في بغداد، فيما عدها اشارة الى الاستقرار الذي حققته حكومته.
الشمري كشف في لقاء تلفزيوني عن وجود "1560 "طلبا لفتح سلسلة مطاعم ماكدونالدز الامريكية الشهيرة في العراق.
واتهمت وزارة الداخلية كذلك بالحدث، وجه الوزير عبد الأمير الشمري، بجملة من الإجراءات على خلفية استهداف ثلاثة مطاعم في الكرادة وشارع فلسطين.
وذكر بيان لوزارة الداخلية، ان الشمري "تفقد أماكن هذه الاعتداءات"، و"أشرف الوزير على إعادة افتتاحها".
وأضاف، أن "الأجهزة الأمنية تمكنت من إلقاء القبض على عدد من المشتبه بهم بهذه الجرائم، فيما تواصل عمليات البحث والتفتيش وفق معلومات استخبارية دقيقة عن بقية العناصر التي أقدمت على هذا العمل غير القانوني".
وأشار إلى، أن "وزير الداخلية وجه بجملة من الإجراءات من بينها معاقبة المقصرين من القوات الماسكة، إذ تم إعفاء أحد آمري الألوية من منصبه وإيداعه التوقيف وتشكيل مجلس تحقيقي بحقه، وحجز القوة الماسكة من دوريات النجدة والشرطة الاتحادية والاستخبارات لمدة شهر".
وشدد وزير الداخلية، على "اتخاذ الإجراءات الحازمة في أي قاطع تحصل فيه اعتداءات"، لكن هجمات اخرى حدثت بعد ذلك بيوم واحد ضد شركات تجارية في الجادرية وفي شارع فلسطين أيضا.
وبحسب مجلة نيوزويك الامريكية قالت قبل ايام، نقلا عن تصريحات حصلت عليها ممن وصفتهم بـ"ممثلين" عن حركة أصحاب الكهف حول استهداف المطاعم الامريكية في بغداد.
أكدوا بحسب الصحيفة، بان الهجمات الحالية هي جزء من "حراك مدني" يستهدف المصالح الامريكية الداعمة لإسرائيل في العاصمة بغداد.
وكانت المتحدثة باسم البنتاغون (وزارة الدفاع الامريكية) صابرينا سينغ، قالت ان القوات الامريكية متواجدة في العراق لــ"مكافحة التنظيمات الإرهابية وخصوصا داعش"، مضيفة "في حال ثبت ان منظمات او جماعات إرهابية وراء هذه الهجمات الإرهابية، فإننا هنالك تحديدا لمكافحتها وسنعمل مع الحكومة العراقية لمواجهتها"، في إشارة الى استعداد الولايات المتحدة لاستهداف الجهات المسؤولة عن الهجمات على المطاعم الامريكية في بغداد.
وتشير المصادر المطلعة الى ان "جزءا من تلك الفصائل مدعومة من أحزاب سياسية بعضها قريبة من "الاطار" ترى ان لا مانع من ان تكون مواجهة الامريكان عبر الدبلوماسية والسلاح"، وتلفت الى ان "بعض الفصائل غير مقتنعة باداء السوداني بادارة ملف الانسحاب الامريكي".
وكان رئيس اللجنة العليا لإنهاء مهمة التحالف الدولي رئيس أركان الجيش عبد الأمير يار الله، اكد مواصلة العمل لتحديد سقف زمني لإنهاء مهمة التحالف.
واشار يارالله في حوار مع الوكالة الرسمية الى أن اللجنة "لن تذهب لواشنطن قبل تحديد موعد إنهاء مهمة التحالف الدولي".
وتتوقع المصادر المطلعة ان "هذه الهجمات وظهور الفصائل قد يتكرر مع الاحداث السياسية المهمة، مثل اقتراب الانتخابات التشريعية التي يفترض ان تجري العام المقبل".
من جهته يقول سرمد البياتي الباحث في الشأن الامني ان "الضغط الاعلامي والرفض الشعبي هو من اوقف استمرار تلك الهجمات".
البياتي اكد في اتصال مع (المدى) ان "المختصين في الشأن الأمني والمراقبين شكلوا حلقة ضغط على تلك الفصائل، كما ان حملات جرت على مواقع التواصل الاجتماعي رفضت تلك الأعمال".
وقلل البياتي بالمقابل من الإجراءات الامنية بعد تلك الحوادث. وقال: "ليس هناك تقصير من وزير الداخلية، لكن المنتسبين قد لا يرغبون بالدخول في مواجهة مع تلك الجماعات".