طالب عبد العزيز
جميل جداً أن تكون صورة العراقي خارج البلاد كالتي نسمعها ونشاهدها عند البعض من المدونين العرب، فالكرم والغيرة والشجاعة عناوين انسانية عظيمة، وصفات يُحسد عليها من يتمعُ ويتصفُ بها، لكنْ شريطة أن تؤتى في موضعها، فإكرام الضيف على حساب حاجة الاسرة للطعام والدواء تبذير وحُمق، والغيرة في غير محلها نوع من المرض، والوقوف مع المعتدي ومناصرته بالسلاح تهوّر وظلم .. وهكذا، يعبّر البعض عن الصفات تلك بما ليس في موقعها وجوهرها، حتى صرنا نحسب كلَّ تظاهرة لمجموعة بشرية حقّاً ومطلباً، وكل بندقية تشهر حكمة وشجاعة، وكلَّ كلمةٍ نصراً يتحقق.
أُسْتُغِلّ العراقيُّ البسيط، صاحب الحق في الوجود والعيش والكرامة أبشع استغلال، وصاريرفع بيرقه ذابّاً عن سمعة العشيرة والحزب والطائفة، ويحارب مستميتاً بما يملك عن السمعة تلك، دونما تأمل بواقع معيشته، دون أن ينظر الى سكنه وحياته ومستقبل أبنائه، مدفوعاً من الشيخ ورجل الطائفة ومدّخر السلاح، سهل القياد، أعمى، لا يلتفت الى ما هو فيه وعليه، مشحوناً بديناميت الغيرة والكرم والشجاعة، متأثراً بما تندفع اليه الجماعة، حتى صار يشماغ وعقال الشيخ وعمامة زعيم الطائفة ومقر الحزب أولى بالذود والحماية من بقائه قرب زوجته، حاضناً أطفاله، مفكراً وعاملاً على تأمين حياتهم ومستقبلهم.
في حديثه التقليدي ومزاحه البريء في مجلس عام، يقول مسؤول محليٌّ شيئاً عابراً، جملةً عرضيةً، لا يقصد الاساءة فيه لأحد، ولا يمكن تحميلها خارج مقاصدها، وطاقتها التعبيرية، لكنَّ أغراض السياسة والانتفاع الشخصي والمال المترقب في المشاريع تستدعي من البعض تحميل الجملة فوق طاقتها، بل وتحريفها بعيداً عن مرامها، والمناسبة التي قيلت فيها، وهكذا سيتم التحشيد وتُستدعى الجماعة، ويمرر الامر بوصفه إهانةً لها، ونيلاً من كرامتها، وطعناً في شجاعة أفرادها، الذين سيندفعون، بكل تأكيد، تاركين وظائفهم وأعمالهم في السوق، ومصالحهم الخاصة ليجدوا أنفسهم عتلةً في مشروع هم أكثر الخاسرين فيه، إذْ، مالذي سينتفع منه صاحب المتجر البسيط الذي أغلق متجره، وذهب يرفس التراب بقدمه، وما الذي سيجنيه العامل في البناء إنْ أذهبَ يومه هناك، ناطحاً السماء بعقاله؟
وفي حملة إحدى الحكومة المحلية على العشوائيات والمتجاوزين على اراضي الدولة، ربما يحدث مثل هذا في بغداد أوالبصرة أوذي قار أو كربلاء يحدثُ أنْ تفلت كلمةٌ من مسؤول محليِّ، أرهقه عمله، واختلف مزاجه تحت ضغط الوظيفة والشمس المحرقة وسوء الوضع المحلي. كلمة، ربما لم تأت صحيحة في سياقها، أو أنها كانت تعبيراً عن موقف عام تبنته الحكومة تلك، يقضي بإزالة التجاوزات على أراضي الدولة، من قبل شاغليها الوافدين من مدينة أخرى، ذلك لأنَّ الحكومة تريد تنفيذ خطتها في المشاريع المحالة الى الشركات، بقصد النفع العام. لم يجر الحديث عن حاجة هؤلاء الى السكن والعيش الكريم والمستقبل الآمن إنمّا تم توظيف الكلمة تلك مناطقياً، كيف لا وأدوات التسقيط السياسي والطائفي والقبلي جاهزة، والمجاميع الملحقة بزعامات التوظيف ذاك حاضرة لتلبية التحشيد والاصطدام، بما في ذلك الحجارة والرصاص إذا اقتضى الأمر.
بقاء العراقي البسيط بيد شيخ القبيلة وزعيم الطائفة وخازن الاسلحة كبرميل وقود، وكمشروع خدمي أو كغرض طائفي أو سياسي أمرٌ مفزع، وأكثر فزعا منه عدم قدرة العراقي هذا على فهم ما هو فيه، وإلى اين سيقاد؟ والطامة الكبرى تكمن في غياب المؤسسة الرسمية التي ترعى مصالحه، خارج المؤسسات تلك، وفي غياب التنظيم السياسي المخلص والواقعي، غير المتخذ من الغيب والهرطقة مادة في التفكير والعمل.