د. خالد السلطانيمعمار واكاديميعند طرح سؤال من قبيل: ما هي العمارة؟؛ سنسمع من كثر إجابات مقنعة وصائبة عن هذا التساؤل. لكن طرح تساؤلا آخر مضمونه: .. ما هي العمارة المعاصرة؟. سنتوقع ردوداً مبهمة وغامضة، وأحياناً غير صحيحة. ليس لان "المجيبين"
عن هذا التساؤل غير مهنيين، فمعظم المهنيين، هم ايضا حيارى امامه. وهذه الحيرة المشوبة بالارتباك، سببها غربة و"غرائبية" نتاج العمارة المعاصرة. ما جعل كثراً من الناس يقلعون عن مواكبة ما تنتجه "الورشة المعمارية" وينقطعون عنها. فهي عند رأي كثر، (كثر من المهنيين وطبعا غير المهنيين)، منتج مليء بالمتغيرات المتسارعة والدراماتيكية، وحافل في "انقلابات" أسلوبية متضادة في الذوق والفهم والطرح!. غير ان الحصول على اجابات ملتبسة وأحياناً مواربة، وفي الكثير من الحالات غير مقنعة، لا يعني عدم شرعية السؤال، بل وربما بسبب هذا كله، يكتسي هذا السؤال حصافته وآنيته ... وشرعيته ايضاً. وهو ما سعى وراء الإجابة عنه، على سبيل المثال، الصحفي الفرنسي "جيل دو بور" Gilles De Bure، في كتابه الشيق " حديث عن العمارة المعاصرة" Talk about Contemporary Architecture، الصادرة ترجمته الانكليزية حديثا (2010) من دار نشر "فلاماريون"، بعد ان صدرت عن الدار نفسها طبعته الفرنسية سنة 2009. يعجبني، شخصياً، حديث الصحفيين عن العمارة. وهذا الإعجاب مرده إلى أسباب كثيرة؛ منها مقدرتهم الشجاعة (هل أقول الجسورة؟) على التعاطي مع موضوعة العمارة، بمقاربات مهنية متنوعة. كما انهم، ولكونهم بعيدين عن المهنة، فبوسعهم ان ينظروا الى العمارة من خارجها، عكس معظم المهنيين الذين يجدون صعوبة كبيرة في التخلي عن أمكنتهم "داخل" العمارة؛ مستمتعين بمواقعهم فيها، محيطين أنفسهم بـ "غار" مميزاتها، وما تسبغه عليهم من صفات. معلوم ان الدراسة الموضوعية لاية ظاهرة، كما تعلمنا المناهج النقدية، يتعين ان ترى بشمولية وبادراك واسع، والاهم، ان ينظر لها (للظاهرة) من الخارج ، وليس من الداخل. بيد اني اكن للصحفيين اعتبارا مضافاً، لكفاءتهم في إيصال أفكارهم ورؤاهم إلى الآخرين بسهولة ويسر يثيران الدهشة. كان صديقي "جلال الماشطة"، يردد دوما مقولة لصحفي روسي، عن وجه الاختلاف بين "العالِـم" و"الصحفي". ففي حين الاول ".. لا يعرف كل شيء، لكنه يعرف امرا محددا بعمق.!" فان الثاني/ الصحفي، "يعرف كل شيء، لكنه لا يعرف امرا محددا بعمق!". وبالطبع، فان هذا التصنيف، لا ينطبق على الصحفي "جيل دو بور" مؤلف الكتاب اياه. فهو بالإضافة الى معرفته "أسرار" مهنته الصحفية ( وربما اسرار مهن آخرى!)، فانه يعرف العمارة ..بعمق. وهو ما أهله ليكون احد المحررين في اشهر المجلات المعمارية العالمية: "العمارة المعاصرة" Architecture d’aujourdhi (AA) ذات التأثيرالمهني الكبير، ومجلة "الفنون الجميلة" وكذلك "مجلة الفنون" وفي غير ذلك من المجلات الفنية الفرنسية المرموقة. ويتعين عليّ الاشارة، والشيء بالشيء يذكر، بان ثمة هوى خاصاً يجد مكانا له في العلاقة بين العمارة والصحافة. وهذا الهوى المفعم بالشغف، هو الذي يجعل من الصحفيين، احياناً، معماريين مشهورين. لنتذكر ان "ريم كولهاس" (1944) Rem Koolhaas ، كان بالاساس صحفياً، قبل ان "يتحول" الى العمارة، وليضحى، بعدئذٍ، واحدا من نجوم عمارة ما بعد الحداثة، (وهو بالمناسبة استاذ "زهاء حديد" ايام دراستها في A.A)؛ كما ان "لو كوربوزيه" ذاته، عرف العالم المهني مشروعه التخطيطي - المعماري التجديدي، من خلال مجلته "اسبيري نوفو" (الروح الجديدة)، التى اسسها في نهاية العقد الثاني من القرن العشرين. ومعلوم ان الأوساط المهنية العالمية علمت بمشاريع "الكونستروكتيفيزم" الروسي، ليس عن طريق المشاريع المنفذة، وانما عبر مقالات مجلتهم "العمارة المعاصرة" (C.A.). وهل ممكن ان نتناسى، هنا، ذكر اسم الصحفي والكاتب " سيغفريد غيديون" (1888-1968)، وكتاباته الصحفية التى اثرت تأثيرا عميقا ونافذا في مجمل منجز عمارة الحداثة؟ وكذلك الكاتب والصحفي (قبل انتقاله الى مهنة العمارة) "جارلس جينكز" (1939) Chares Jencks، والذي بفضله ودأبه، وبفضل كتاباته تم الترويج لعمارة ما بعد الحداثة، مؤسساً وخالقاً مصطلحها وموضحا مفاهيمها التنظيرية. لكن الإسهاب في هذا، سيولد حكاية آخرى بالطبع. اذاً، دعونا نرجع الى موضوعنا الرئيس، الى كتاب "جيل دو بور"، ومعنى العمارة المعاصرة. يجيب المؤلف الفرنسي في كتابه ذي 256 صفحة من القطع المتوسط، باختزال شديد، عن ذلك السؤال المحير والغامض، لكنه، ايضا، المهم معرفيا. وهو يلجأ الى عرض مختلف الأفكار بطريقة مميزة وشيقة ومفهومة،, وخصوصا مفهومة. ذل
... ولـكــن مــا هــي الـعـمـــارة الـمـعـاصـــرة؟
نشر في: 7 ديسمبر, 2010: 04:57 م