TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > شمس سوكوروف

شمس سوكوروف

نشر في: 5 ديسمبر, 2012: 08:00 م

لم تقف السينما الروسية عند منجزها العظيم من الأفلام التي أصبحت مادة للدراسة في الأكاديميات السينمائية في كل مكان من العالم ، بل أيضا عن رموزها السينمائية التي كان لها أثر واضح في تطور هذا الفن على مدى أكثر من مئة عام من تاريخها ..  وإذا كانت التحولات السياسية الكبرى منذ منتصف الثمانينيات قد أثرت في الإنتاج الثر لهذه السينما فإنها لم تستطع أن تنال من حضورها البارز في المشهد السينمائي العالمي .
فهي لم تتوقف عند رموز مثل  ايزنشتين وبودوفكين وكوزينتسيف وخوتسييف  وميخائيل روم وتاركوفسكي وباراجانوف ويوسيلياني، وغيرهم ، بل استمرت في تقديم المواهب السينمائية في مختلف مجالات هذا الفن ، ويقف هنا المخرج الكسندر سوكوروف بموهبته وعطائه المتميز كأحد أهم النجوم الساطعة في سماء هذا الفن في روسيا والعالم.
فالمخرج الذي كانت أفلامه محظورة في الزمن السوفيتي، أدرجته أكاديمية السينما الأوروبية بوصفه أحد  أفضل عشرة مخرجين سينمائيين في العالم. وتعد رباعيته التي أنجزها تباعا خلال العقد الأخير من مسيرته السينمائية علامة بارزة في مسيرة الفن السابع والتي تتحدث عن انتهاء عصر الدكتاتوريات في العالم. والتي تتألف من فيلم "مولوخ" حول هتلر و"العجل" حول لينين وستالين و"فاوست" و"الشمس" حول الإمبراطور الياباني هيروهيتو.
 وهو الفيلم الذي سنحت لي فرصة مشاهدته قبل خمسة أعوام عندما عرض للمرة الأولى في مهرجان روتردام الدولي.
وقد استطاع أن يلفت إليه أنظار جمهور المهرجان حينها بقيمته الفنية، وموضوعته التي وفر لها أدوات سينمائية منحتها معالجة ذكية أدهشت جمهور ونقاد المهرجان حينها .
وعلى الرغم من حداثة تجربة هذا الفنان ، إلا انه بدأها بمغامرة تناول صورة شخصية لثلاث شخصيات تاريخية كان لها حضور طاغٍ في القرن المنصرم ، فقد سبق له أن طرح رؤياه عن هتلر في فيلمه الأول (مولوخ) وعن شخصية لينين في فيلمه (العجل) ..أما في فيلمه هذا فانه يعرض بضعة أيام من حياة إمبراطور اليابان هيروهيتو ، قبل أيام من استسلام اليابان في الحرب الكونية الثانية. فالإمبراطور ما زال مثل إله بالنسبة لشعبه، وهو يمارس حياته العادية منشغلا بنشاطاته اليومية، يتشاور مع معاونيه، وهو أيضا ينتظر الأمريكان حاملين له أمر الاستسلام، وحين يأتون آخر الأمر، فان على هيت ان يخضع لإرادة الجنرال في أداء مذهل يلعب فيه الممثل الياباني اوكاتا يسي دور هيرو هيتو بأسلوب شابلني خلو من الصوت (في أكثر من مرة يطلق عليه اليانكيون في الفيلم اسم (شارلي) دور شخص يحس بإفراط بتميزه الشخصي، لكن في الوقت نفسه ذليلاً أمام شروط عدوه.
على أكثر من صعيد، الفيلم تعبير عن الشخصية غير العادية لزوكارون.. فناك وقائع متميزة، حس فكاهي، تصاعد درامي. وهناك أيضا استخدام مدهش للمكان، وتنويع جميل للصوت. الممثل اوكانا ايسي يعرفه الجمهور من خلال دوره في فيلم (ادوارد يانفرين) عام 2000.
في هيروهيتو صورة للخرافة، إيماءاته متيسبة، حركاته متشنجة، شفتاه الدائمة الارتجاف تجاهد لإخراج الكلمات.. صورة استعارية رائعة عن الأفكار حين تعجز الكلمات عن التعبير عنها، جنرال أميركي لا يسمى في الفيلم، الذي يفترض أن يكون الجنرال دوكلاس ماكارثر، في مشهد حوار مثير يجمع الاثنين (الإمبراطور والجنرال) مشهد يحيلهما إلى كلاسيكيات السينما الروسية العظيمة حين تهيمن الشخصية على الكادر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

إطلاق سراح النائب الاسبق أحمد العلواني

الغبار يخيم على الأجواء العراقية مجدداً

الأمم المتحدة: مليونا منزل مُدمّر كلياً أو جزئياً في سوريا

نائب يرفع دعوى قضائية ضد أحمد الشرع

برلمانية تحذر من شبكات التهريب: يستغلون النساء المطلقات لتهريب الذهب عبر المطار

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

البْصَرة عراقيَّة.. لا عَلويَّة ولا عثمانيَّة

العمود الثامن: الجلوس على أنفاس المواطن

روما على مفترق طرق – هل تكتب الجولة الثانية نهاية أزمة أم بداية تصعيد؟

قناطر: المُوحِشُ المُسْتفرَد بين السعفِ والقبّرات

(50) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياةً بين قذيفتين

العمود الثامن: نور زهير ياباني !!

 علي حسين منذ سنوات وأنا أقرأ كلّ ما يقع بين يدي من كتب عن البلاد العجيبة اليابان، وأدهشني الأدب الياباني من كواباتا مروراً بكنزابورو أوي وميشيما، وانتهاءً بأشيغورا وموراكامي . شعب يكتب بحروف...
علي حسين

قناديل: مائدة طعامك التي تقرأ مستقبل العالم

 لطفية الدليمي علّمتْنا تجاربُ كثيرة في الحياة أنّ الأمثلة الشاخصة أكثر تأثيراً في مفاعيلها من المقولات المجرّدة. كلّما نظرتُ في مصدر الطعام الموضوع على مائدتي غمرَني إحساسٌ بأنّ هذا الطعام يمكنُ أن يكون...
لطفية الدليمي

قناطر: هل الثقافة مكملات غذائية ؟

طالب عبد العزيز في العودة الى قضية الجوائز الأدبية بالعراق والوطن العربي نجد أنّها لم تتبلور في قيمتها على المستوى الشعبي، فلا يُشار لأصحابها بالأهمية، ولا نجد لها دوراً في صنع الثقافة، على خلاف...
طالب عبد العزيز

العدالة الدولية تحت المطرقة

حسن الجنابي (الجزء- 3) كان الأمريكان والدول الغربية في غاية الرضا عن الدور الذي كانت تؤديه محكمة الجنايات الدولية (ICC). فقد نشطت المحكمة في ملاحقة بعض الجرائم الدولية، ومنها جرائم بعض القادة الصرب في...
حسن الجنابي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram