بسام عبد الرزاق
اقام بيت المدى، أمس الأول الجمعة، ندوة بعنوان "14 تموز في ذاكرة العراقيين"، ناقشت التداعيات الأخيرة لقرار الغاء عطلة ثورة 14 تموز في قانون العطل والمناسبات الذي اقره مجلس النواب، وقدمت المداخلات عرضا مستفيضا لاحداث الثورة وارتباط الذاكرة الوطنية العراقية بهذا الحدث النوعي ومساراته اللاحقة.
مقدم الجلسة الباحث رفعت عبد الرزاق، قال ان ثورة 14 تموز من الاحداث التاريخية الجسيمة في العراق ويوجد شبه اجماع شعبي ووطني على أهمية هذه الثورة كونها عيدا وطنيا عراقيا، وهي ثورة وطنية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، الفكرة والخطة والتنفيذ، نعم هناك تراجعات بالسياسة العراقية بعد ثورة 14 تموز لكنها لا تنكر اهداف هذه الثورة العامة.
وأضاف، انه "بالنسبة لتنظيم الضباط الاحرار الذي قام بهذه الثورة، فلا توجد أي شائبة على هذا التنظيم من حيث الوطنية والكفاءة العسكرية والتاريخ العسكري لكل افراد هذا التنظيم، وفي ثمانينيات القرن الماضي عندما شكلت لجنة رئاسية وفيها خليل إبراهيم حسين لكتابة التاريخ العسكري العراقي، وقد أصدرت هذه اللجنة عددا من الكتب عن تاريخ القوات المسلحة العراقية، ولكنها لم تصل الى فترة 14 تموز، ويقول احد أعضاء هذه اللجنة، كلفنا بان نبحث في دوائر الوثائق العالمية في لندن وأميركا وباريس، وكان التوجيه ان نبحث عن شيء عن قادة هذه الثورة، ويذكر خليل إبراهيم في موسوعته بانه لا توجد أي وثيقة من وثائق العالم تخص العراق فيها ادانة ولو من بعيد لقادة تنظيم الضباط الاحرار". وبين ان "سيرة عبد الكريم قاسم معروفة للجميع ويكفي ان نقول عنه انه دليل على النزاهة والوطنية ونكران الذات، والحديث عن 14 تموز حديث يجري الان مع المحاولة الأخيرة من بعض اركان الدولة العراقية الحالية بإزالة هذه المناسبة الوطنية، ونحن لسنا مع هذا التوجه، وقبل يومين كتب رئيس تحرير جريدة (المدى) فخري كريم مقالة طويلة عن هذا الموضوع، واليوم جلستنا عن هذه حادثة الغاء مناسبة ثورة 14 تموز من الذاكرة العراقية، والتي هيهات ان تنسى هذه الثورة العظيمة".
من جانبه قدم د. حسان عاكف، شكره لدار المدى على مبادرتها بإقامة هذه الفعالية في هذه الأوضاع التي تتصاعد فيها محاولات النيل من ثورة الشعب الوطنية 14 تموز.
وأوضح ان "محاولات النيل من 14 تموز اذا اردنا ان نتجاوز السنوات الأولى بعد تفجر الثورة وانتصارها والتكالب عليها ممنن قبل اطراف داخلية واقليمية وخارجية متنوعة وننتقل الى العقود الأخيرة، يمكن القول ان محاولات النيل هذه والتقليل من شأن 14 تموز بدأت اذا صح القول منذ ثلاثة عقود خصوصا بعد غزو الكويت في الحرب المدمرة التي حصلت وساد على اثرها مزاج عام سلبي داخل المجتمع العراقي وانعكس على العراقيين المتواجدين في الخارج، والذين كانوا عموما من المعارضين لنظام صدام حسين، انعكس هذا المزاج السلبي أيضا وبدأت تظهر أفكار وتحليلات طابعها العام متشائم".وأشار الى انه "بدأت تنشر مقالات من بعض السياسيين الذين اصابتهم حالة التراجع وكانت هناك صحف في المعارضة تشجع على هذه الكتابات وكان هناك جريدة الحياة وجريدة الشرق الأوسط يكتب فيها من قبل صحفيين وسياسيين عراقيين، ووصل الامر الى اناس لا يشك في وطنيتهم واخلاصهم".
وأضاف، ان "المؤاخذات التي تطرح ضد ثورة 14 تموز القديمة والتي يجري تجديدها باستمرار، هي ان الثورة أطاحت بنظام برلماني دستوري وجاءت بنظام دكتاتور عسكري، والمؤاخذة الثانية، ان ثورة 14 تموز أدخلت في الحياة السياسية العامة للبلد ممارسات شاذة تمثلت في زج الجيش والعسكر، والبعض يضيف لها (العسكر الاغبياء) في شؤون السياسة وتقرير مصير البلد بعد ان كان هذه الأمور محصورة بيد سياسيين لهم خبراتهم وتجاربهم، والمؤاخذة الثالثة، هو تحميل ثورة 14 تموز كل المآسي والنكبات التي حلت بعد ان تمكن أعداء ثورة تموز من محاصرتها واجهاضها والقضاء على قادتها الشرفاء النزيهين وبالتالي قادوا البلد الى سلسلة من الانقلابات العسكرية الى ما بعد 2003". وتابع، ان "من يحملون ثورة تموز هذه الكوارث وكأنها هي المسؤولة عن انقلاب 8 شباط الأسود وما جرى خلال 17-30 تموز وانقلاب صدام على حزبه في 1979، كل هذه وببساطة وسطحية وسذاجة يحملوها الى 14 تموز، في حين ان هذه الانقلابات ورموزها كانت تهدف الى دفن ارث ومنجزات تموز".
ولفت الى ان "واحدة من الطروحات التي تقول ان ثورة تموز احلت نظاما دكتاتوريا فرديا عسكريا محل نظام مدني دستوري برلماني، نعم ثورة تموز للأسف بالرغم من انها سنت دستور مؤقت لكن لاعتبارات كثيرة وظروف البلد والصراع والتآمر الذي أحاط الثورة منذ ايامها الأولى لم يمكنها من عرض مشروع الدستور للاستفتاء الشعبي، وبتقديري الأسباب الموضوعية كانت أساسا قبل ان تكون أسبابا ذاتية، دون ان يعفى قادة الثورة وبمقدمتهم الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم من المسؤولية الأولى في عدم انجاز ذلك".
ونوه، "ولكن حقا كان النظام الملكي نظام برلماني دستوري تجرى فيه انتخابات حرة ديمقراطية، هذا امر عجيب وغريب حينما نسمع هذا القول من أناس متابعين يعتبرون انفسهم مثقفين وبعضهم عاش تلك الفترة ورأى طبيعة الجو الديمقراطي وكيف كانت تشكل البرلمانات، النظام الملكي منذ 1921 ولغاية 1958 أي في 37 سنة طيلة فترته كان هناك قوانين متواصلة للطوارئ، والتي أعلنت في هذه الفترة 16 مرة وشغلت اكثر من نصف عهد النظام الملكي، 16 أعلنت الاحكام العرفية، وكانت الأمور تدار بارادات وتدخلات ملكية متواصلة منذ فيصل الأول الى غازي، وامور العراق كانت تدار من 3 جهات، البلاط الملكي والسفارة البريطانية في بغداد ومجموعة من السياسيين المتنفذين الذين ظلوا طيلة العهد الملكي يلعبون الدور الأساسي وفي مقدمتهم نوري السعيد، وهذه الأطراف هي من ادارت شؤون البلد اما البرلمان والانتخابات فكانت شكلية وهناك الأمثلة الكثيرة عن هذه المرحلة".
بدوره قال د. علي الرفيعي، ان "كل بلد لديه عيده الوطني اما حركة تصحيحية او ثورة شعبية تبقى في ذاكرة التاريخ وتحتفل بها الاجيال، وعلى سبيل المثال الثورة الفرنسية في 1789 والى الان أجيال كثيرة عرفت ان هناك ثورة وطنية ايدها الشعب تبقى في الذاكرة الوطنية وجزء من تقوية وتعزيز الروح الوطنية في ذلك البلد".
وذكر انه "لم نفاجأ بمحاولات طمس ذكرى ثورة تموز، والقريب من الواقع السياسي والشخصيات التي تدير الواقع السياسي منذ 2003 والى الان نسمع منهم انه لا حاجة لثورة تموز وعملوا على سرقة الذاكرة الوطنية من العراقيين، وان كان الشباب يسمع بعطلة ثورة 14 تموز، السنة والسنوات القادمة والجيل الجديد لن يعرف ثورة تموز، وهي سرقة لثورة ناصعة حصلت في هذا البلد لأغراض مبيتة ودنيئة". وأضاف ان "ثورة تموز كانت ضرورة لتغيير النظام الملكي لتأسيس نظام جمهوري يقوم على احترام الانسان وحقوقه ومعالجة المشاكل البنيوية في البلد، صحيح ان الصراع الذي بدأ بين الاتجاهات السياسية كان موجودا، ولكن لا يمكن ظلم تموز، ولا ينفي ان تموز هي ثورة مدعومة من قبل الشعب".
القيادي في الحزب الشيوعي العراقي، فاروق فياض، أشار الى ان "هناك ضرورة لتوجيه سؤال عن عملية الغاء هذه العطلة، واعتقد ان كل استحضار لحدث تاريخي لا يتعلق بالحدث التاريخي بحد ذاته، كون ما مضى لا يمكن ان يتغير، انما استحضار هذه الاحداث له اثاره وتداعياته على الحاضر والمستقبل، وعملية الغاء هذا المنجز الوطني، في شقيه الوطني والمدني، ليس مصادفة انما هناك توجه لكل ما له علاقة بالجانب الوطني والناصع لقادة ثورة 14 تموز، وبالتالي هو تضييق على المساحات المدنية والجوانب الديمقراطية بالبلد، كون 14 تموز صحيح لها اعداء الامس أيضا لها اعداء اليوم".
د. عبد الله حميد العتابي، لفت الى انه "منذ اليوم الأول لثورة 14 تموز والى يومنا هذا والحملات ضد هذه الثورة قائمة وستبقى قائمة لسبب بسيط جدا، هو ان العراقيين دائما مختلفين، وهناك دعوات على مستوى الوطن العربي وليس العراق، ان النظام الملكي خير من النظام الجمهوري، وهذه الدعوات قطفت ثمارها في العراق، حين صدر هذا القرار الجائر بإلغاء عطلة 14 تموز، والغريب ان من يقف على رأس مجلس النواب من الكرد الفيليين وعبد الكريم قاسم هو من منح هذه الشريحة المهمة من العراقيين الجنسية العراقية، وهكذا يجازى". وبين انه "حتى البعثيين لم يجرؤوا على الغاء هذه المناسبة، وهذا القرار اريد منه مسح الذاكرة الجمعية اصبح فيها العراقيين متساوين في الحقوق والواجبات بعد 37 عاما من الطائفية والفساد".
د. ماهر الخليلي، قال ان "14 تموز موضوع اثار الجدل كثيرا في السنوات الأخيرة، ونحن نسأل أنفسنا لماذا نستحضر التاريخ، هذا الامر يجري في سبيل تقوية العقيدة الوطنية وتنوير الشعب بتاريخه والنهوض من الكبوات التي حدثت في التاريخ، ونقرأ الإيجابيات والسلبيات لتجنب السلبيات في المستقبل".
وأكمل، ان "ثورة 14 تموز، هل كانت قومية ام شيوعية ام وطنية، والتسلسل التاريخي هو من يحدد يجيب، انها لم تكن شيوعية ووطنية في بداياتها، هي انقلاب عسكري قومي من ضباط احرار يؤمنون بالقومية العربية على غرار اليمن ومصر، وعبد الكريم قاسم بطل الثورة شذبها من كل مداخلاتها القومية وتقرب من الاتحاد السوفيتي والشخصيات الشيوعية واستفاد منهم في بناء الدولة، وهي من حققت هذه الإنجازات في 4 سنوات و7 اشهر واستطاع ان يسكن ثلثي الشعب العراقي وبناء الكثير من المصانع والمستشفيات".
عماد الجواهري، ذكر ان "الحديث الذي كان يسبق ويمهد لالغاء عطلة تموز، كان يدور ولسنين عديدة بين كونها ثورة او انقلاب، وقدمت خطة تتحدث عن مجمل التغييرات التي حصلت بعد ثورة 14 تموز، ومانت المحصلة كتاب ضخم عن هذه التحولات، والاصل في هذه الاطروحة هو البحث عن الوزارات المستحدثة بعد 14 تموز، كون كل وزارة مستحدثة تعكس متغير اجتماعي واقتصادي وقع في البلد".
واشار الى ان "وزارة الإصلاح الزراعي وكذلك وزارة النفط ووزارة البلديات، والحديث عن هذه الوزارات هي المسؤولة عن قطاعات مهمة، ومنها الإصلاح الزراعي والنفط والإسكان والصناعة، وفوقها وزارة التخطيط التي تقوم بالتخطيط للمتغيرات، وكل هذه المتغيرات وقعت في اقل من 5 سنوات".
وانهى بالقول، انه "طالما نحن نعيش في بلد اسمه جمهورية العراق اذن هناك حدث يرتبط بجمهورية العراق، كما في فرنسا يتم الاحتفال بالجمهورية الخامسة وامريكا بعد قرنين تحتفل بالاستقلال، فلماذا نضيع هذا اليوم، هل هناك الاعداد لعهد جديد؟ ونظام حكم نتوقع ان ننتظره، ام اننا باقون على جمهورية العراق؟".