سعد علي
يثير الفيلم البرازيلي (المحطة الأخيرة) قضايا منها صراع الأجيال والهوية البديلة واندماج مهاجرين عرب في مجتمع جديد يرونه جديرا بمواهبهم ولا ينتظرون فرصة الانتقام منه بل إن بعضهم يتماهى مع اللغة المكتسبة ويعتبر العربية ماضيا يجب ألا يتذكره.
وتدور الأحداث في البرازيل عام 2001 بعد أن يفقد (طارق) زوجته ويعيش وحيدا مع ابنته المراهقة (سامية) ويرى أن عليه الوفاء بوعده لزوجته بالبحث عن رفاق لبنانيين هاجروا معه إلى البرازيل قبل نصف قرن ثم تفرقت بهم السبل.
ويشارك الفيلم الذي تبلغ مدته 114 دقيقة في المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي المقام حاليا والذي وافتتح يوم الأربعاء الماضي.
وفي رحلة البحث عن رفاقه القدامى يبدو طارق (الفنان اللبناني منير معصري) جزءا من الماضي ولكنه متصالح أيضا مع مجتمع جديد قضى فيه خمسين عاما ولكنه يعاني جموح ابنته العنيدة سامية ويرفض فكرة تحررها أو أن تقيم مثلا علاقة بدون زواج.
ولكن الفتاة لا تحتمل أن يربطها أبوها بماض لا تنتمي إليه وترفض أن تعامل "مثل قطعة لحم" فكلما قابل أبوها أصدقاءه يبادرونه بالسؤال عما إذا كانت سامية "مرتبطة" فتنفر من أصدقاء أبيها ومن القيم التي تراها رجعية وتعلن أنها "حرة وليست متاعا."
وكان هم الأب أن يصل إلى صديقه (علي) وفي الطريق إلى علي يقابل آخرين منهم أخوه (كريم) الذي هرم وكاد يفقد القدرة على الكلام ويصير في ركن منزو من البيت في حين ينشغل أولاده الذين أصبحوا برازيليين تماما بحياتهم.
ثم يقابل صديقا أصبح رجل أعمال كبيرا ويسأله طارق بالعربية كيف يصل إلى علي فيندهش من "اللغة (العربية)" التي يتحدث بها صاحبه ويقول إنه نسيها واندمج تماما في المجتمع الجديد بلغته وعاداته وصلواته.. إلا أن شيئا من ذلك الماضي يبدو أنه ظل في اللاوعي إذ يسأله "سامية مرتبطة" كأنه يريدها زوجة لابن له فتنهض البنت وتخرج وتصفه بالرجعية والتصنع إذ يجري عمليات تجميل ويصبغ شعره على عكس الشعر الأشيب لأبيها.
ويكشف الفيلم ما يشاع عن ذكاء اللبنانيين وحسهم التجاري واعتبار "اللبنانية مهنة وليست جنسية" كما يقول البعض..
ففي رحلة طارق للبحث عن علي يسأل شابا - يبيع منتجات يدوية بالقرب من أحد الموانئ - عن شاب جاء إلى هذه البلاد قبل نصف قرن واسمه علي.. وبعد الحوار يسأله الشاب أن يشتري منه شيئا فيشيح طارق بوجهه ويقول وهو يعطيه ظهره "أنا أبيع ولا أشتري."
وينتهي الفيلم بلقاء الصديقين والعودة إلى بيروت التي كانت فيما مضي "في حجم كف اليد" والآن تغيرت.
وفي الندوة التي أعقبت عرض الفيلم في المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية قال مخرجه مارسيو خوري إن قصة الفيلم قريبة من الواقع المصري كما لمس ذلك من ردود الفعل.
وأوضح أن في الأحداث قدرا كبيرا من الحقيقة إذ يصير الوطن الجديد بديلا وهوية جديدة تورث للأبناء "ثم يأتي جيل ينسى هويته الأصلية" وفي البرازيل مهاجرون لبنانيون انخرطوا في المجتمع وفي بعض الحالات لا يعتنق الأبناء دين آبائهم.
وتابع خوري - الذي هاجر جده من لبنان قبل نحو 130 عاما - أن بعض المهاجرين العرب أخفوا ديانتهم الإسلامية عقب هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001 خوفا من "اتهامهم بالإرهاب".