"آدينة" و"رانا" امرأتان ذات نشأتين مختلفتين. آدينة امرأة ثرية عصرية متمردة تهرب من بيت عائلتها وهي تحمل رغبة سرية في التحول إلى رجل. رانا من عائلة محافظة دينياً تحملها في سيارة التاكسي التي أجبرت على قيادتها بعد أن دخل زوجها السجن.
إن هذه العلاقة المزدهرة بين الاثنتين تؤلفان قلب فيلم "المرايا المتقابلة" من إخراج نيجار أذربيجاني وهو الفيلم الذي حقق نجاحاً كبيراً في شباك التذاكر في طهران الأسبوع الماضي وجلب إلى الشاشة لأول مرة قضية حساسة هي التحول الجنسي.
من بين العديد من التناقضات المدهشة للحياة في الجمهورية الإسلامية أن التحول جنسياً أصبح مباحاً منذ فتوى صدرت عام 1987 من قبل "آية الله الخميني". إن إيران في الواقع تسمح بعملية التحول إلى الجنس الآخر أكثر من أي بلد آخر عدا تايلاند وتقدم العون المالي منذ مدة طويلة لمثل هذه العمليات الجراحية. لكن على الرغم من أن المتحولين جنسياً ربما كان لهم دعم من الحكومة إلا أنهم بقوا شخصيات مثيرة جداً للجدل بين عامة الناس.
وكان الحكم الديني قد وجه الشكر إلى النشاطات التي قامت بها في الثمانينات "مريم خاتون مولكارا" قائدة حملة حقوق المتحولين جنسياً في إيران التي كتبت إلى الخميني تطلب منه أن يحدد مصيرهم. وكانت "مولكارا" من قبل رجلاً واشتغلت في التلفزيون الحكومي قبل الثورة الإسلامية عام 1979. في منتصف السبعينات بدأت تكتب إلى الخميني الذي كان آنذاك في المنفى تطلب منه الإجازة الشرعية لعملية تغيير الجنس. في عام 1987 وبعد عقد من الحملات ذهبت بنفسها إلى الخميني الذي كان آنذاك القائد الأعلى ورجعت بفتوى كتبت باليد تسمح للمتحولين جنسياً أن يختاروا جنسهم.
قبل أن يصنع الفيلم قالت منتجته "فرشته تايربور" بأنها لم تكن تعلم حتى بفتوى الخميني المذكورة. وقالت لصحيفة الغارديان:" في البداية كان من الغريب جداً لي أن أكتشف أن عمليات تغيير الجنس مجازة في إيران. إذ تمنح السلطات القروض وتصدر الهويات الجديدة للمتحولين بعد الجراحة وهو الأمر الذي لا تجيزه العديد من البلدان".
وعلى الرغم من وجود الفتوى لحد الآن إلا أن قضية التحول الجنسي نادراً ما يجري الحديث عنها بين عامة الناس. إن إطلاق فيلم "المرايا المتقابلة" الذي جذب الكثير من الاهتمام، قد خلق الفرصة إلى وسائل الإعلام الإيرانية لإثارة القضية. حتى التلفزيون الحكومي والقنوات الإذاعية التي كانت تتجنب مثل هذه الموضوعات، قد كتبت عن الفيلم.
تقول تايربور:" بعض من المتحولين الشباب الذين رأوا الفيلم أصبحوا في غاية التحمس إذ أنهم قاموا بحملات كي يشجعوا الآخرين على مشاهدته". ومن بين المعجبين به "سامان أراستو" وهو ممثل إيراني معروف خضع لعملية تحول جنسي.
وقال سهيل، 33 سنة أجرى عملية جراحية أيضاً للتحول، بأن دعم القانون لا يعني الحصانة من المضايقات من مختلف المؤسسات الأخرى للدولة.
وخلافاً للتحول الجنسي فإن المثلية الجنسية محرمة وعقوبتها الموت في إيران لكن سهيلا يعتقد بأنه أن تكون متحولاً أكثر صعوبة من أن تكون مثلياً.
ويضيف:" حين تكون متحولاً فإن مظهرك يتغير وهذا أمر لا يمكن أن يناسب العديد من العوائل الإيرانية. لكن حين تكون مثلياً فإن عائلتك ربما تسامحك طالما أنك أخفيت مثليتك في السرّ".
بالنسبة لـ"شادي أمين" وهي قائدة إيرانية لحملات الحقوق في ألمانيا تقول أن عمليات تغيير الجنس في إيران جدّ فقيرة إذ أنها لا تعادل سوى "عملية الجزارة". وتضيف:" في مجتمع ديمقراطي فإن عملية تغيير الجنس هو اختيار للمتحولين لكن في إيران هو التزام من أجل بقائهم".
تشير أمين إلى أنه حين ماتت متحولة بعد فشل العملية في مركز مدينة أصفهان مبكراً هذه السنة فقد رفض الرجال والنساء تغسيلها حسب الطقوس الإسلامية.
إن الأقلية الجنسية في إيران لا يفيدهم وجود إرباك ضمن المجتمع حول الفروق ما بين أن تكون مثلياً أو متحولاً. فالعديد من الآباء يعتقد أنهم يجبرون أبناءهم المثليين على إجراء عملية التحول الجنسي، بينما علماء النفس والمعالجون النفسيون الذين يعدون المثلية الجنسية مرضاً عقلياً ينصحون باستعمال "العلاج".
تقول برونون روبرتسون المتخصصة بالعمليات الجراحية:" الإرباك ينشأ جزئياً من حقيقة أن القانون الإيراني يصف المثلية كونها جريمة رئيسية بينما يصف التحول الجنسي كونه علمياً وشذوذاً "قابلاً للتصحيح".
"إن الضغط كبير من قبل الدولة والمجتمع على الشباب الإيراني من أجل الخضوع إلى القيم الاجتماعية والالتزام بالعرف والقوانين السلوكية. لهذا فليس من المدهش بأن العديد من المثليين في إيران الذين لا يظهرون متحولين في الجنس يقولون أنهم يتعرضون للضغط من أجل إجراء عمليات التحول".
(المرايا المتقابلة) فيلم إيراني يسلط الضوء على المتحوّلين جنسياً
نشر في: 5 ديسمبر, 2012: 08:00 م