اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > المسافرون نحو الهاوية

المسافرون نحو الهاوية

نشر في: 11 يونيو, 2024: 12:09 ص

غسان شربل

ذات يوم اتخذ رجل اسمه صدام حسين قراراً كبيراً وشديد الخطورة؛ أمَرَ قواته باجتياح الكويت وتوجَّه إلى البصرة للإشراف على التنفيذ. امتنع أيضاً خلال ذلك النهار عن الرد على الاتصالات التي رمَت إلى تدارك الاندفاع نحو الهاوية. روى لي أحد الذين عملوا في قصر الرئاسة العراقي قصة تلك الأيام العصيبة. تذكر كيف عاد طارق عزيز من اجتماع القيادة القُطرية أسود الوجه ومثقلا بالقلق. قال عزيز إنه حاول في اجتماع القيادة القُطرية للحزب لفت النظر إلى الأخطار التي يمكن أن تترتب على قرار ضم الكويت وعدّها محافظة عراقية. وأضاف أن صدام التزم الصمت إبان المناقشات موحياً بأن الحاضرين شركاء في القرار. ضاع صوت عزيز بين أصوات المزايدين واتُّخذ القرار الذي أدمى الكويت وبعدها العراق ودفعت المنطقة ثمنه باهظاً.
تذكرتُ رواية العامل في القصر العراقي وأنا أتابع احتفالات "الحلفاء" بالذكرى الثمانين لإنزال النورماندي الشهير الذي كان محطة فارقة في الحرب العالمية الثانية. امتنع المحتفلون عن دعوة فلاديمير بوتين إلى المناسبة رغم الثمن الهائل الذي دفعه الاتحاد السوفياتي في المواجهة التي أدت إلى دحر النازية. أكدت الاحتفالات أن العالم يعيش اليوم مرحلة هي الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية. هذه الأيام أخطر من المناخات التي رافقت الحرب الفيتنامية والحرب الكورية، ولعلها أخطر من أزمة الصواريخ الكوبية التي كادت تضع أميركا والاتحاد السوفياتي أمام وجبة نووية مدمرة.
أعرف تماماً أن روسيا ليست العراق. وأن فلاديمير بوتين ليس صدام حسين. وأن ترسانة "جيش صدام" لا تقارَن لا من قريب أو بعيد بترسانة "الجيش الأحمر" في طبعته البوتينية. هذه المرة المسرح أخطر واللعبة أخطر. ليس بسيطاً أن يُقتَل جندي روسي على أرض بلاده بقذيفة أميركية أطلقها الجيش الأوكراني بموافقة واشنطن. وأن يُقتل جندي روسي بقذيفة من دبابة ألمانية الصنع. وليس بسيطاً أن يحوِّل بوتين ومساعدوه حديث الأسلحة النووية صحناً عادياً موضوعاً على مائدة العالم. والأمر نفسه حين يقول سيد البيت الأبيض إن زعيم روسيا "رجل غير محترم وديكتاتور"، وإنه "لن يتوقف في أوكرانيا"، وإن بلاده ليست في وارد التخلي أبداً عن بلاد زيلينسكي الذي احتضنه المشاركون طويلاً كأنهم يقدمون الضمادات لانتكاسات جيشه الأخيرة.
مرة جديدة. بوتين ليس صدام حسين. وروسيا ليست العراق. لكن هل اعتقد سيد الكرملين أن الغرب سيقف عاجزاً وسيسارع إلى محاولة إقناعه بقبول جائزة متواضعة؟ جيشه يتقدم في الأراضي الأوكرانية، لكن هل يستطيع فرض الاستسلام على أوكرانيا ما دام الغرب يضخّ المليارات والأسلحة في عروقها؟ وماذا عن يقظة لغة المحارب لدى جنرالات بلدان "الناتو" والحديث أن الحرب مع روسيا آتية مهما تأخرت؟ وماذا لو قرر الجالس على عرش ماو تسي تونغ تتويج مسيرته باستعادة تايوان أو إحكام الحصار الخانق حولها؟ هل يستطيع العالم احتمال هذا السير المتسارع نحو الهاوية؟ لا يمكن إنكار أن الغرب أساء التصرف مع روسيا الخارجة من الركام السوفياتي. بالغَ في تحريك بيادقه باتجاه حدودها وأيقظ لدى جنرالاتها عُقدة الحصار القديمة. لكن العالم يتخبط اليوم في الفخ الأوكراني المفتوح على كل الأخطار.
كنا نتابع أصداء الاحتفالات بالذكرى الثمانين لإنزال النورماندي حين أطلّت المجزرة المروعة في مخيم النصيرات. لم يعد إحصاء المجازر الإسرائيلية سهلاً. ولم يعد ممكناً العثور في القاموس على كلمات تعبِّر عن نهر الوحشية المتدفق على أرض غزة. النكبة الحالية أشد هولاً من النكبة الأولى التي وضعت الشرق الأوسط على خط الزلازل قبل سبعة عقود. أخطر بكثير وعواقبها أشد. إنها تشير ببساطة إلى ما يمكن أن ينتظر غزة إذا ما تعثرت "خطة بايدن" ورجحت كفة الحرب الطويلة المفتوحة. خطورتها تكمن في أن نجاح المؤسسة العسكرية والأمنية في إطلاق أربعة من الأسرى قد يُغريها بتكرار المحاولات، وهو يعني تكرار الأهوال والمجازر.
لا جدال في أن إسرائيل هي المسؤول الأول عن عودة الوضع الفلسطيني إلى الانفجار. أغلقت كل النوافذ التي فُتحت في اتجاه السلام من "اتفاق أوسلو" إلى "مبادرة السلام العربية". لنترك جانباً التحليلات التي تتعلق بالبُعد الإقليمي لـ"طوفان الأقصى" وتوقيته وعلاقته بمسار التطبيع في المنطقة والدور الإيراني في الإعداد لـ"الطوفان"… هول المجازر المرتكَبة لا يسمح اليوم بمثل هذا النوع من النقاشات.
مجزرة مخيم النصيرات رهيبة. سنشهد كثيراً منها إذا تعذَّر وقف الحرب وإطلاق عملية تبادل الرهائن والأسرى. إذا رجح خيار الحرب الطويلة المفتوحة قد يكون "اليوم التالي" رهيباً. هل يمكن ضبط حدود الحرب إذا اختارت الآلة العسكرية الإسرائيلية سحق "حماس" بغضَّ النظر عن الثمن؟ وهل يمكن الاستمرار في الحديث عن "قواعد الاشتباك" بين إسرائيل و"حزب الله" إذا تقدمت إسرائيل في عملية قطع "الضلع الفلسطيني" في "محور المقاومة"؟ وماذا عن إيران إذا توسعت الحرب؟ وهل كان السنوار يعتقد أن "الطوفان" سيؤدي إلى حرب طويلة؟ وهل كان فعلاً شرارة حرب استنزاف محدودة؟ لا بد من منع الشرق الأوسط من الاندفاع نحو الهاوية في وقت يسافر المناخ الدولي في القطار الأوكراني نحو هاوية يصعب التكهن بنتائجها وكوارثها؟.
· عن صحيفة الشؤق الاوسط

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

صدور 35 أمر قبض واستقدام بحق الدرجات العليا خلال أيار الماضي

الإعمار تحدد موعد إنجاز مدخلي بغداد مع محافظتين

مبابي يظهر بقناع جديد في تدريبات فرنسا قبل مواجهة بلجيكا

التربية: السماح لطلبة السادس الابتدائي والثالث الراسبين بـ3 دروس تأدية امتحانات الدور الثاني

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

المتفرجون أعلاه

جينز وقبعة وخطاب تحريضي

تأميم ساحة التحرير

زوجة أحمد القبانجي

الخارج ضد "اصلاحات دارون"

العمودالثامن: عقدة تشرين

 علي حسين ظهر علينا مؤخراً المحلل السياسي عماد المسافر في " نيو لوك " متطور، ليحدثنا عن مخاطر من أسماهم " التشارنة "، والرجل يقصد الشباب الذين شاركوا في تظاهرات تشرين التي أزعجت...
علي حسين

كلاكيت: ساذرلاند..الممثل أدى جميع الأدوار

 علاء المفرجي مسيرة ستين عاما، مترعة بمئتي فيلم وعدد من المسلسلات الناجحة، هي حصيلة احد أهم ممثلي السينما بالعالم، دونالد ساذرلاند.. الذي رحل عن عالمنا هذا الأسبوع. هذا الممثل الذي قيلت بحقه الكثير...
علاء المفرجي

البرامج الأكاديمية ودورها في تعزيز الرغبة في التفوق الدراسي

د. طلال ناظم الزهيري ممارسة مهنة التعليم بشكل عام، والتعليم الجامعي بشكل خاص، تضعك أمام تساؤل مهم: لماذا يتفوق بعض الطلاب في الدراسة الجامعية بينما يبدو البعض الآخر أكثر تكاسلاً وعدم مبالاة؟ هذا التساؤل...
د. طلال ناظم الزهيري

غزة - فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي

فواز طرابلسي 1-2 سيمرّ وقت قبل ان يرقى الفكر السياسي، وليس فقط الادب والفن، الى مستوى التعبير عما شاهدنا وشهدنا عليه في غزة والضفة في الاشهر الماضية من وحشية مدرعة بالذكاء الاصطناعي تواجهها بسالة...
فواز طرابلسي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram