اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > يا أهل الثَّقافة والإعلام.. رفقاً بالألقاب

يا أهل الثَّقافة والإعلام.. رفقاً بالألقاب

نشر في: 13 يونيو, 2024: 12:03 ص

رشيد الخيون

إن نسيت فلا أنسى اعتراض صاحب سيارة الأجرة، المنطلقة مِن عدن إلى صنعاء(1991)، والعادة تُسجل أسماء المسافرين، خشية السُّقوط مِن الجبال في الوديان، على أحد الرُّكاب وقد كتب «الدُّكتور» فلان. اعترض قائلاً: «يا أخي نحن رُكاب لا محامون ولا دكاترة»! خجل صاحبنا، وترك استخدام (الدّكتور) في غير موقعها، وظل شاكراً ذلك الفضل، وذلك التّعليم، فالحياة مدرسة، والبسطاء المعلمون. ظل صاحب (الدَّال) كلما تذكر الموقف قال: «أدبني فأحسن تأديبي».
كان ذلك مستهلاً للحديث عما نسمع عبر الفضائيات، والجرائد والمجلات، والأكثر في مواقع الإنترنيت، بضجة الألقاب العلمية والأدبيَّة، منها ما يرميه مقدم البرنامج مِن لقب «الدّكتور» و«المفكر»، و«الفيلسوف»، على الضّيف المتحدث، وترى الغالب منهم يلبس اللّقب، وإن كان ليس له حقٌّ به، ومنهم وهم النّدرة النَّادرة يحاول التّصحيح، تحلياً بالموضوعيَّة.
تأخذك الدّهشة عندما تجد لقب مركب «المفكر الفيلسوف»، أو «المفكر الكبير»، و«الخبير الاستراتيجيّ»، و«البروفيسور الدُّكتور»، و«الدُّكتور الشّاعر»، أو «العالم الرّبانيّ»، بما يخص رجال الدّين إلى آخر ما يخدش الآذان مِن ألقاب لأناس ليسوا أهلاً لها. كيف مَن ليس لديه شهادة ثانوية يُضفي عليه لقب الدكتور المفكر، وإذا كان دكتوراً في علم ما، فلا بد أنه يُفكر، وإذا كان مفكراً فلماذا الكبير؟ قد يكون ذلك، لكنها ألقاب علميّة، لا شأن لها في الحياة الاجتماعيَّة، إلا لطلب التّعظيم، بينما عظماء البشر لم يُعرفوا إلا بأسمائهم.
بدأ فيض الألقاب، خارج الاستحقاق، مع ظهور الجرائد والمجلات، فالبرامج الإذاعية والتلفزيونيَّة، مِن قِبل عصبة مِن الأدعياء، أشار إليهم الجواهريّ(ت: 1997)، وهو يتذكر أبا العلاء المعريّ(ت: 449ه): «تَصَّيدُ الجاهَ والألقابَ ناسيةً/ بأنَّ في فكرةٍ قُدسيَّةٍ لقبا»(قف بالمعرة: 1944).
كتب أمين باشا معلوف(ت: 1943) ناقداً فوضى الألقاب: «قلما تذكر مجلاتنا وجرائدنا شخصاً إلا (و) نعته بمثل قوله: العالم العلاّمة، والشَّاعر المجيد، والكاتب المتفنن، والقاضي العادل، والباحث المدقق، وفيلسوف الإسلام، والجهبذ، والألمعي… اقترح اجتناب هذه النُّعوت»(مجلة المقتطف 1911).
كذلك كتب محمد كرد علي(ت: 1953): «شاهدنا ما يُضحك من تحكم أرباب الصُّحف السَّيارة، في الألقاب العلمية، حتَّى آل الأمر ببعض الفضلاء أن يستنكفوا من ذكر أسمائهم بين أناس لا يلحقون غبارهم… وهكذا لفظ الأستاذ والمعلم والفاضل، وهذه اللفظة اليوم تُطلق على تسعة أعشار مَنْ يقرؤون ويكتبون»(مجلة المقتبس 1913).
أصبحت ألقاب: العالم الخبير، والمفكر الكبير، والعلامة، وغيرها سائرة سائدة في الثَّقافة، تعبر عن الهوس في طلب الألقاب، كتب علي جواد الطَّاهر(ت: 1996)، ناصحاً: «في تراثنا لا تخدم الشَّاعر صفة العالم، ولا تخدم العالم والعلامة صفة الشَّاعر… والدكتور لا تخدمك شاعراً…»(الباب الضّيق(.
أمَّا الشيخ محمد جواد مغنّية(ت: 1979) فاختص بألقاب أقرانه، التي أخذت تُطلق على كل معتمر العِمامة، قال: «كهذا الشَّيخ الذي كتب بالقلم العريض، على ما جمع وطبع، تصنيف فلك الفقاهة، قلم التحقيق والنَّباهة، شيخ الطَّائفة، قدوة مجتهدي الفرقة المحقة، نائب الإمام، باب الأحكام، غياث المسلمين، حجة الإسلام، آية الله…» (تجارب محمَّد جواد مَغنية).
يحتاج اللّقب إلى صيانة، فوضع (الدَّال) قبل الاسم، لا يرفع الشَّأن، أو تقديم اللقب في التّعارف، لا يكبر حامله به، إذا لم يُصن باستدامة المعرفة.
أقول: رفقاً بالألقاب، فلا أجدها ابتذلت مثلما اليوم. هذا، ولمحمود باشا سامي الباروديّ(ت: 1904) قولٌ عندما جُرد مِن ألقابه وحُكم عليه بالإعدام ثم المؤبد(1883): «مَنَحْتُكَ أَلْقَابَ الْعُلا فَادْعُنِي بِاسْمِي/ فَمَا تَخْفِضُ الأَلْقَابُ حُرّاً وَلا تُسْمِي». تواضعوا، فالعلم عطاء لا باللّقب ثناء، لا الفارابي ولا الكندي ولا داروين ولا ديكارت، ولا بُناة المدن والحواضر، اعتزوا بغير أسمائهم وإنجازهم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. شمال

    منذ 4 أيام

    المشكلة هي في التضخيم حد المبالغة والإفراط، حين يكون لقب المطرب قيصرا " كاظم الساهر" والشاعر جنرالا"محمد عمر عثمان"?شاعركردي معروف انتحرقبل اعوام!؟ فماذا سيكون لقب قائد عسكري في مرتبة"جنرال" والقيصرالحقيقي يكون لقبه مطربا !؟

  2. hadi salman

    منذ 3 أيام

    احسنتم النشر فنحن في زمن التفاهه والتفاهات اصبحت الالقاب على القشور لا على الجواهر ولا عجب ان تطلق الازقاب على التافهين فهم يقودون الحياة ويصنعون حياة قطرية تافهة

يحدث الآن

دراسة جديدة: النباتات تتمتع بالذكاء والقدرة على حل المشكلات

طائرة ركاب تهبط بسلام بعد احتراق محركها

"الناتو" يدرس رفع الجاهزية النووية في ظل التهديدات العالمية

ريال مدريد يخطط لتحصين نجم جديد

العراق يبحث عن "لاعبات محترفات" لبناء منتخبه النسوي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

المتفرجون أعلاه

جينز وقبعة وخطاب تحريضي

تأميم ساحة التحرير

زوجة أحمد القبانجي

الخارج ضد "اصلاحات دارون"

العمودالثامن: "فاشوش" جمهوري!!

 علي حسين قبل عام بالتمام والكمال خرج علينا رئيس الجمهورية وراعي الدستور معلناً سحب المرسوم الجمهوري الخاص بتعيين الكاردينال لويس ساكو، بطريركاً على الكنيسة الكلدانية في العراق، وكان فخامته ينوي وضع السيد ريان...
علي حسين

كلاكيت: عن أفلام الطريق

 علاء المفرجي أفلام الطريق كنوع سينمائي، فيما يتعلق بشخصياتها وقصصها وشكلها وأفكارها؟ فأفلام الطريق قاموسيا هي تلك الأفلام التي تغادر فيها الشخصيات مكانها في رحلة على الطريق، وما تصادفه في هذا الطريق من...
علاء المفرجي

برعوشا – بيروسوس: التاريخ دول وأحداث متعاقبة تقودها العناية الإلهية

د. حسين الهنداوي (6)ظلت المعلومات حول الحضارات العراقية القديمة بائسة الى حد مذهل قبل التمكن من فك رموز الكتابة المسمارية على يد هنري رولنسون في منتصف القرن التاسع عشر، والتمكن بالتالي، ولأول مرة بعد...
د. حسين الهنداوي

يا أهل الثَّقافة والإعلام.. رفقاً بالألقاب

رشيد الخيون إن نسيت فلا أنسى اعتراض صاحب سيارة الأجرة، المنطلقة مِن عدن إلى صنعاء(1991)، والعادة تُسجل أسماء المسافرين، خشية السُّقوط مِن الجبال في الوديان، على أحد الرُّكاب وقد كتب «الدُّكتور» فلان. اعترض قائلاً:...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram