ايمان محسن جاسم جريدة المدى أخذت على عاتقها مهمة الدفاع عن الحقوق والحريات ، والدفاع عن هذه الحقوق يتم بطرق عديدة في مقدمتها بلورة ثقافة الحقوق بصورة عامة وحقوق المرأة بصورة خاصة ، خاصة إننا نعيش في مجتمع ذكوري الطباع والرأي ، تتغلب فيه نزعات السيطرة المطلقة البعيدة كل البعد عن مفاهيم حقوق الانسان، وطالما رفعنا أصواتنا
في أكثـر من مناسبة ومحفل بغية عدم التجاوز على حقوق المرأة ،لأن العراق بات دولة منضوية وموقعة للكثير من الاتفاقيات الدولية والعالمية الخاصة بحقوق الانسان ومنها الاعلان العالمي واتفاقية الحد من التمييز العنصري ضد المرأة المعروفة باتفاقية سيداوا وغيرها من المواثيق الدولية ، إضافة إلى تضمين الدستور العراقي خاصة ما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية حيث نصت المادة 14 :العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي. فيما أشارت المادة (16):تكافؤ الفرص حقٌ مكفولٌ لجميع العراقيين، وتكفل الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك .والكثير من المواد الدستورية التي تتحدث بهذا الشأن ، إضافة إلى تخصيص 25% من مقاعد البرلمان ومجالس المحافظات للمرأة ، وقد يتصور البعض بأن المرأة العراقية باتت تلعب دورا كبيرا في السياسة العامة للبلد، لكن الواقع يؤكد غير ذلك باستثناء بعض ناشطات المجتمع المدني اللواتي يسعين لإيصال صوت المرأة العراقية بعد أن عجزت البرلمانيات العراقيات من إيصال هذا الصوت بسبب مصادرة آرائهن من قبل الرجال، وخير دليل على ذلك ما عرف بتقاسم السلطة والمناصب في البلد حيث غيبت المرأة العراقية عن المناصب السيادية حتى لمستوى نائب رئيس وزراء أو نائب رئيس برلمان ونائب رئيس جمهورية ، بل تم إبعاد 81 عضوه في البرلمان من المداولات والمناقشات ، وهذا التغييب هو انتهاك لحق المرأة ويمثل استهانة ليس بقدراتها فقط بل وبحجمها في المجتمع العراقي لاسيما إنها تشكل أكثر من نصف المجتمع العراقي .ويمكننا أن نقول بأن مصادرة حق المرأة هو جزء من الثقافة السائدة بمصادرة حقوق الآخرين والتي ما زال المجتمع العراقي يعاني هذه التصرفات التي تبتعد كثيرا عما منصوص عليه في الدستور العراقي الذي يجب أن يكون هو الفيصل والحامي لحقوق الآخرين .ولم يقتصر انتهاك حقوق المرأة في المجال السياسي والمدني فقط بل نجده مترسخاًَ في الأسرة ذاتها التي لازالت تنظر للمرأة نظرة سطحية تهميشية لا تولي لآرائها ووجهات نظرها أية أهمية ، بل ما زال البعض يرفض تناول الطعام مع زوجته أو أخته أو ابنته لأنها امرأة . وهذا أمر غريب وينم في نفس الوقت عن نظرة ضيقة ومأساوية في نفس الوقت .إن هذا هو العنف النفسي، وآثاره كبيرة جدا فهو ظاهرة تجد جذورها في الثقافة الذكورية التي تحيل المرأة إلى كائن دوني وتميز بينها وبين الجنس الآخر من منطلق عدم التوازن واللامساواة بين الجنسين، ويتم تبريرها بأسباب متعددة منها: ضعف المستوى الاقتصادي والاجتماعي (البطالة، الفقر...). فالمرأة للأسف مقهورة ومضطهدة في جميع المجتمعات بلا استثناء حتى الدول الغربية التي تدعي إنصافها للمرأة نجد هنالك انتهاكات خطيرة جداً وبأرقام عالية.إحدى الإحصائيات تؤكد أن مليار امرأة في العالم تعاني من العنف الأسري ،ومليون ونصف مليون امرأة فرنسية يُعانين سنوياً من ضرب الزوج. وإن كان هذا يحدث في المجتمعات الغربية فهو أمر متوقع حدوثه في مجتمعات اعتمدت التشريعات الوضعية ،وتركت التشريع الإلهي ،ولكن من غير الطبيعي أن تعاني المرأة في المجتمع العراقي الذي لعبت فيه المرأة دورا كبيرا في العقود الماضية وكانت سندا قويا للرجل في محنة الحياة الطويلة والشاقة ، وكثيراً ما تحدثنا في ندوات ومؤتمرات عن دور المرأة العراقية سواء داخل أسرتها أو دورها في المجتمع لم نجد من ينصت إلينا، وكل ما نسمعه مجرد كلمات إنشائية نظرية لا تجد لها واقعاً ملموساً في الحياة العملية .ما نريد الوصول إليه هو أن المرأة العراقية تعاني من مصادرة حريتها واقعيا لكنها تتمتع بحقوق كبيرة نظرياً وهنالك فرق كبير جدا بين هذا وذاك ، إذ إن الحقوق ليست صكوكا ومواثيق مكتوبة وبنوداً ومواد تقرأ في المناسبات فقط بقدر ما هي أفعال تترجم لأرض الواقع وتكون ثمارها صيانة حقوق المرأة وعدم استخدام العنف ضدها ، هذا العنف والتمييز الذي وصفته اتفاقية حقوق المرأة الصادرة من الأمم المتحدة بما يأتي: أية تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر ، أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها ، بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل.
حقوق المرأة بين النظرية والتطبيق
نشر في: 10 ديسمبر, 2010: 06:33 م