محمد الربيعي
يشهد العالم اليوم ثورة رقمية هائلة تغزو جميع جوانب الحياة، بما في ذلك التعليم. فالتحول الرقمي في التعليم والذكاء الاصطناعي أصبحا ضرورة حتمية لمواكبة التطورات المتسارعة وتحسين جودة التعليم وزيادة التفاعل والمشاركة وتعزيز مهارات القرن الحادي والعشرين وتوفير فرص تعليمية متساوية للجميع.
لكن، هل يتمكن نظام التعليم في العراق من الانضمام إلى هذا التحول الرقمي واستخدام الذكاء الاصطناعي بصورة مفيدة؟ وما هي العقبات التي تواجهه في تطبيق التكنولوجيا في المدارس والجامعات؟ وما هي الحلول الممكنة لتجاوز هذه العقبات والاستفادة من التحول الرقمي في التعليم؟ هذه هي الأسئلة التي سأحاول الإجابة عليها هنا.
العقبات
يواجه نظام التعليم في العراق عدة عقبات تحول دون تحقيق التحول الرقمي في التعليم والاستفادة من التطورات الهائلة في الذكاء الاصطناعي، ومن أهمها:
- البنية التحتية الضعيفة: يعاني العراق من نقص في البنية التحتية الرقمية، مثل الاتصال بالإنترنت والأجهزة اللوحية والبرامج التعليمية. وفقا لتقرير البنك الدولي، فإن نسبة الوصول إلى الإنترنت في العراق هي 75%، وهي أقل من المتوسط العالمي. كما أن جودة الاتصال بالإنترنت ضعيفة ومتقطعة ومكلفة، مما يؤثر على تجربة التعلم الإلكتروني. بالإضافة إلى ذلك، فأن المدارس والجامعات تفتقر إلى الأجهزة اللوحية والبرامج التعليمية اللازمة لتطبيق التكنولوجيا في العملية التعليمية. وتوجد فجوة رقمية كبيرة بين المناطق الحضرية والريفية، مما يؤدي إلى تفاوت في مستوى الوصول الى التكنولوجيا والتعليم. وفقا لتقرير البنك الدولي الذي اشرنا اليه اعلاه، فأن نسبة الوصول الى الانترنت في المناطق الريفية هي 58%، مقارنة بـ 84% في المناطق الحضرية. كما أن نسبة الوصول إلى الحواسيب في المناطق الريفية هي 6%، مقارنة بـ 14% في المناطق الحضرية.
- التدخل السياسي: يتعرض نظام التعليم في العراق للتدخل السياسي من قبل الأحزاب وبصور مختلفة، مما يؤثر على استقلالية ونزاهة المؤسسات التعليمية. وفقا لتقرير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، فأن العراق يعاني من ضعف في الحوكمة والمساءلة والشفافية في قطاع التعليم، مما يعيق تطبيق السياسات والبرامج التكنولوجية بشكل فعّال. ومن المشاكل المرتبطة بنظام التعليم والتي تحول دون تحقيق التحول الرقمي بكفاءة وبسرعة والاستخدام الفعال للذكاء الاصطناعي هي الافتقار الى الموارد الكافية والسياسات التربوية والتعليمية الخاطئة ونظام الجودة الضعيف وسوء الادارة والاشراف ونقص البحث التربوي والاداري (الربيعي، 2021).
- نقص التدريب والكفاءة: المعلمون والمدرسين في العراق يحتاجون إلى تدريب شامل ومستمر على استخدام التكنولوجيا وتكاملها في العملية التعليمية. وبالرغم من عدم توفر إحصائيات وزارية دقيقة وشاملة تحدد معدلات التدريب للمدرسين والمعلمين الا انه وبشكل عام يعاني العراق من نقص في الكفاءات التكنولوجية لدى المعلمين والمدرسين، مما يؤثر على جودة التعليم والتعلم. كما أن المناهج التدريبية للمعلمين والمدرسين قد تكون غير محدثة أو غير متوافقة مع متطلبات التعليم الرقمي (للمزيد من المعلومات راجع تقرير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية).
- الفساد الإداري: الفساد والبيروقراطية هما من أبرز المشاكل التي تعيق تطور التعليم في العراق. وفقا لمؤشر الفساد السنوي الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، فأن العراق احتل المرتبة 160 من بين 180 دولة في عام 2020، مما دل على انتشار واسع للفساد في جميع مستويات الحكومة والمجتمع، والشواهد كثيرة في هذا المجال. الفساد بالتأكيد يؤثر على توزيع الموارد والميزانيات والمشاريع في قطاع التعليم وبصورة فظيعة.
الحلول
لتجاوز العقبات التي تواجه التحول الرقمي وانتشار استخدامات الذكاء الاصطناعي في التعليم في العراق، اقترح اتخاذ بعض الخطوات والإجراءات من قبل جميع الجهات المعنية بالتعليم، ومنها: - توفير البنية التحتية الرقمية اللازمة لتطبيق التكنولوجيا في التعليم، مثل توسيع شبكة الإنترنت وتحسين جودتها وتخفيض تكاليفها، وتزويد المدارس والجامعات بالأجهزة اللوحية والبرامج التعليمية المناسبة، وتأمين البيانات والمعلومات الرقمية.
- حماية المؤسسات التعليمية من التدخل السياسي وضمان استقلاليتها ونزاهتها. كما يجب أيضا تعزيز الحوكمة والمساءلة والشفافية في قطاع التعليم، ومراقبة وتقييم أداء السياسات والبرامج التكنولوجية بشكل دوري وموضوعي.
- توفير التدريب الشامل والمستمر للمعلمين والمدرسين على استخدام التكنولوجيا وتكاملها في العملية التعليمية. يجب أيضا تحديث المناهج التدريبية للمعلمين والمدرسين لتتوافق مع متطلبات التعليم الرقمي وتنمية مهاراتهم التكنولوجية في الذكاء الاصطناعي. بالاضافة الى تشجيع التعلم المستمر والتطوير المهني للمعلمين والمدرسين من خلال الايفاد لخارج البلاد وتعليم اللغات والاستفادة من المصادر والمنصات الرقمية المتاحة.
- العمل على تقليص الفجوة الرقمية بين المناطق الحضرية والريفية في العراق، وضمان توفير فرص تعليمية متساوية ومنصفة لجميع الطلاب. كما يجب توفير الدعم والمساعدة للطلاب الذين يواجهون صعوبات في الوصول إلى التعليم الرقمي أو الاستفادة منه، مثل توفير المساعدات المالية والتقنية والأكاديمية.
- مكافحة الفساد والبيروقراطية في قطاع التعليم، وضمان توزيع الموارد والميزانيات والمشاريع بشكل عادل وشفاف. يجب أيضا تبني آليات ومعايير واضحة وموحدة للتعاقد والمناقصة والتوريد والتركيب والصيانة والتشغيل في المشاريع الرقمية في التعليم، وفرض عقوبات شديدة على الفاسدين والمفسدين ونشر اخبار العقوبات المفروضة في وسائل الاعلام لردع المخالفات ولزيادة الوعي العام.
- تحديث المناهج الدراسية لتتوافق مع احتياجات العصر والتكنولوجيا، وتضمين محتوى ومهارات رقمية في جميع المراحل والمواد التعليمية، وتبني مناهج تعليمية مرنة ومتنوعة ومتكيفة مع احتياجات وميول وقدرات الطلاب، مثل التواصل الفعال عبر قنوات رقمية متنوعة واستخدام برامج الانتاجية الاساسية وحل المشكلات بطرق ابداعية باستخدام مهارات البرمجة وفهم اساسيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته والمشاركة في مجتمعات التعلم الرقمي. بالاضافة لذلك لابد ان تشجع المناهج الدراسية على الابتكار والابداع باستخدام التكنولوجيا، والريادة في مجال التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، وتعزيز التفكير النقدي والتحليلي، وغرس قيم المسؤولية والاخلاقيات في استخدام التكنولوجيا.
الخلاصة
التحول الرقمي واستخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم هو ضرورة حتمية لمواكبة التطورات المتسارعة وتحسين جودة التعليم وزيادة التفاعل والمشاركة وتعزيز مهارات القرن الحادي والعشرين وتوفير فرص تعليمية متساوية للجميع. لكن، نظام التعليم في العراق يواجه عدة عقبات تحول دون تحقيق هذا التحول الرقمي، مثل البنية التحتية الضعيفة، والتدخل السياسي، ونقص التدريب والكفاءة، والفجوة الرقمية، والفساد الإداري، والمناهج القديمة. لتجاوز هذه العقبات، يجب اتخاذ الخطوات والإجراءات الضرورية من قبل جميع الجهات المعنية بالتعليم، بضمنها على صعيد التدريب تنظيم دورات تدريبية منتظمة للمعلمين والمدرسين في مجال التعليم الإلكتروني والتكنولوجيا لضمان قدرتهم على استخدام الأدوات الرقمية بشكل فعّال في العملية التعليمية، ومشاركة جميع الجهات المُعنية بالتعليم في التعاون لضمان حصول المعلمين على فرص تدريبية مستمرة في مجال التعليم الإلكتروني والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا.
وباختصار شديد، لتحقيق التحول الرقمي في التعليم في العراق، يجب اصلاح المناهج التعليمية لتتوافق مع احتياجات العصر والتكنولوجيا، والى توفير البنية التحتية اللازمة، وتطوير الكفاءات، وتبني سياسات تكنولوجية فعّالة.
جميع التعليقات 5
محمد الربيعي
منذ 5 شهور
تسلسل نقاط الاقتراحات بعد: "لتجاوز العقبات التي تواجه التحول الرقمي وانتشار استخدامات الذكاء الاصطناعي في التعليم في العراق، اقترح اتخاذ بعض الخطوات والإجراءات من قبل جميع الجهات المعنية بالتعليم، ومنها:" ابتدا برقم 5 وكان لابد ان يبتدأ برقم 1.
د. موفق كمال قنبر-وفي
منذ 5 شهور
شكرا بروفيسور محمد على المقال التحليلي الذي يتضمن الحلول العملية، ولكن كل اقتراحاتك القيّمة تقع في خانة التمنيات والاحلام وأعتقد ان ما نحتاجه فعلاً هو ثورة أخلاقية تسبق الثورة التكنولوجية تأتي من قوة وطنية تتمكن من كنس الطبقة الفاسدة وقيمها المتخلّفة
د. عامر حسين
منذ 5 شهور
كالعادة المقالة جميلة ومميزه وفي امس الحاجة لها ولجميع المراحل التعليمة من دون شك. لكن اجد انها تفتقر لذكر الجوانب السلبية للتعليم الرقمي والذكا الاصطناعي خاصة لتلك التي تخترق أخلاقيات العمل المهني .
مفيد ذنون يونس
منذ 5 شهور
التعليم لم يعد وسيلة للتعلم وانما وسيلة للحصول على الوظيفة الحكومية او الحصول على الترقية الوظيفية. وفي اجواء الحرية المنفلتة يتكتل الطلبة بمساندة جهات اخرى للضغط على المؤسسة التعليمية لتخفيض متطلبات النجاح بما يؤمن تمرير نجاح كل الطلبةاو غالبيتهم.
مفيد ذنون يونس
منذ 5 شهور
من جانب اخر وفيما يتعلق بالدراسات العليا فان وجود قنوات قبول موازية لقناة التقديم العام (الاوائل) يجعل من اليسير على الخريجين المتاخرين في دراستهم للانخراط في الدراسة العليا وتضمن اليات العمل ولضغوط حصولهم على الشهادة بمستويات متواضعة جدا من التعلم.