فواز طرابلسي
2-2
المقاومات المسلحة
ان مشاركة حركات مقاومة مسلحة في لبنان والعراق واليمن تحت تسمية "محور الممانعة" يؤكد – برأيي - وجود قطاعات واسعة من جماهير تلك البلدان راغبة في الانخراط المباشر بالصراع العربي الإسرائيلي من موقعها المحلي، إضافة الى ممارستها التضامن مع نضال الشعب الفلسطيني. ولم تكن تلك المشاركة بمعزل عن خيارات داخلية. فأنصار الله في تعرّضهم للسفن الإسرائيلية او التي تنقل بضائع لإسرائيل في البحر الاحمر ومضيق باب المندب، يؤسسون أيضا لوجود قوة بحرية يمنية تنافس العربية السعودية على النفوذ في البحر الأحمر. والمجموعات المسلحة الشيعية في العراق إذ تتضامن مع فلسطين بقصف القواعد العسكرية في العراق وسورية، فإنها تضغط في الوقت ذاته من اجل جلاء القوات الاميركية عن العراق. وإن لجوء تلك القوى الى دعم ومساندة الجمهورية الإسلامية الايرانية انما هو بديل عن ضائع، هو الدعم الرسمي العربي. فمن يعترض على تلك الحصرية ما عليه الا المبادرة للتمويل والتأسيس والدعم. علما ان بعض الدعم العربي ورد ويرد من دولة قطر لعدة سنوات.
في لبنان، نشأت ابان الغزو الإسرائيلي صيف ١٩٨٢ مقاومة شعبية مسلحة، يسارية مدنية وإسلامية جهادية، بعدما منعت رئاسة الجمهورية (الياس سركيس) الجيشَ اللبناني من تنفيذ واجبه في الدفاع عن الوطن والتصدي لجيش الغزو وخوض معركة تحرير البلد من الاحتلال الاسرائيلي. وما من بلد يحترم نفسه كوطن، يدعو لسحب السلاح من مقاومة شعبية بعد ان اتمّت الجزء الأكبر من مهمة التحرير وتعرّضت لحربين اضافيتين للقضاء عليها. خصوصا إن كان ذاك الوطن لا يزال يطالب رسميا باستكمال التحرير وانسحاب العدو من باقي أراضيه المحتلة في البحر والبر ووقف استباحة الطيران الإسرائيلي لسيادته في الجو.
ولكن، بمثل ما يحق لمواطن لبناني ان يؤيد واجب جيشه في الدفاع الوطني وحق المقاومة الإسلامية في الوجود والاسهام في استكمال تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة، يحق له، في الوقت ذاته، معارضة استخدام نفوذ المقاومة المسلحة لتخريب انتفاضة ١٧ تشرين الشعبية، واعتبار مطالب اللبنانيين في العمل والخبز والعدالة الاجتماعية يمكن معالجتها على مستوى الطائفة. ويحق لهذا المواطن ان يرفع كامل اشكال الاحتجاج على حركة مقاومة تدّعي انها مكرسة لسيادة لبنان وتحرير فلسطين عندما تتدخل عسكريا في سورية دعما لنظام دكتاتوري دموي. بل يتوجّب على المواطن ذاته ان يكشف ويعارض دور المقاومة الإسلامية في تمرير القسط الأكبر من سياسات طبقة حاكمة من السياسيين الفاسدين ومن رجال الاعمال السارقين، المسؤولة عن الانهيار المالي والاقتصادي وافلاس الدولة ونهب مدخرات اللبنانيين وافقارهم وتشتيتهم في اصقاع الأرض الأربعة بحثا عن عمل.
اما وقد انعقد تواطؤ كبير على خصخصة الوضع في الجنوب اما باعتباره في عهدة منظمة سياسية او طائفة، فكأن المعركة فيه تعني "لبنان" او سائر "لبنان"، وإما بتنصل الحكام من تحمّل مسؤوليات فعلية عن الايواء والعناية بالنازحين، ناهيك عن التعويضات – والحال هذه، فليترك لأهل الجنوب ان يقيّموا اداء المقاومة وسائر مؤسسات الدولة والهيئات السياسية المختلفة خلال الأشهر الأخيرة.
الاستقطاب في الحركة الشعبية العربية
بتحمّل المنع الرسمي والقمع جزءا من المسؤولية عن حال الاحتجاج الجزئي والتعبئة المحدودة في سلوك قطاعات واسعة من الحركة الشعبية العربية وضعف دورها في هذه الحرب. لكن يعود ذلك أيضا وخصوصا الى عاملين نادرًا ما يرد البحث فيهما.
الاول هو عسكرة النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي والنزاع العربي الإسرائيلي، بحيث لا يترك للفعل الجماهيري – إبان المواجهات المسلحة - أكثر من ادوار الاحتجاج والتظاهر واشكال محدودة من التضامن والمساعدة، او تنفيس الغضب والاحتقان على وسائل الاتصال الاجتماعية. وسوف اعود الى هذا الموضوع.
اما العامل الثاني والاهم فهو الشرخ الكبير الذي يخرق الحالة الشعبية والجماهيرية العربية عموما، أقصد الاستقطاب، وصولا حد الخصومة والعداء، بين تيار الإسلام السياسي والتيار "المدني". والترجمة العملية لهذا الاستقطاب – ولو من قبيل ابراز اوجهه البارزة - الأحادية للمسألة الوطنية (القضية الفلسطينية) والنظرة البرّانية الى الاوضاع الداخلية والتماهي مع الانظمة القائمة وصولا الى الاعتداء عل حركات المعارضة والاحتجاجات المطالبة بالخبز والعمل والحريات ومكافحة الفساد في العراق ولبنان واليمن والسودان. ومن جهة ثانية، وفرة من حركات اجتماعية وجمعيات أهلية مدنية ليبرالية بالجملة سياسيا واقتصاديا، تبشّر باللاعنف، وتركّز على حقوق الانسان الفردية والشخصية، وعلى التعددية السياسية والثقافية على حساب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحق في تقرير المصير وفي الدفاع الوطني ومقاومة الاحتلال بكافة الوسائل، الخ.
ولقد ظهر هذا الشرخ بوضوح في العام ٢٠١١ ويتوالى فصولا في مصر، وتونس، واليمن، وسورية، ولبنان وفلسطين، والسودان، الخ.
وغني عن القول ان أحد ابرز وجه لذاك الاستقطاب يهيمن علينا الآن هو الانقسام الفاجع في الحركة الوطنية الفلسطينية الضفة واغزة وبين السلطة الوطنية وحركة "فتح" من جهة وحركتي حماس والجهاد من جهة اخرى.
"الفصل العنصري"، "الدولتان، الدولة…
ابرز "الحلول" المتداولة في حرب غزة هو العودة الي "الدولة الفلسطينية" ما شجع على مبادرة في الامم المتحدة لقبول فلسطين كدولة كاملة العضوية قتلها الفيتو الاميركي. هل يعني ذلك دولة على كامل الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧ بما فيها غزة؟ جلاء القوات الاسرائيلية من أراضيها وسيادتة "الدولة" على الأرض والموارد والقوانين والاقتصاد والعملة والمعابر والعلاقات الخارجية قيام ونظام سياسي قائم على المبدأ الانتخابي وتداول السلطة؟ هذه هي الأسئلة المطروحة على الدول ذاتها التي تتحدث الآن عن "حل" قيام "دولة فلسطينية" وقد رعت على امتداد ثلاثين سنة مسارات نسف كل اتفاق أوسلو، ومفاعيله، وخرائط الطريق اللامتناهية لتطبيقه، وتغاضت عن زحف الاستيطان، والانسحابات من المناطق، والسيطرة على المعابر ومفاوضات الحل النهائي عن اللاجئين وحق العودة والقدس.
لم يقتصر اتفاق اسلو على الفصل بين النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي والصراع العربي-الإسرائيلي، بل اصاب المشروع الفلسطيني الموحّد بإصابة قاتلة. كانت "العودة" شعارا جامعا الى حد كبير لمكونات الشعب الفلسطيني في ظل حركته الوطنية و"منظمة التحرير الفلسطينية" بعد حرب حزيران ١٩٦٧، يرتكز الى قيام "دولة فلسطين الديمقراطية" لجميع أبنائها (او يتعايش فيها اليهود والمسلمون والمسيحون، كما في صيغة حركة فتح) وحق العودة الفلسطينية الى كامل أراضي فلسطين التاريخية. تقلّص الهدف، مطلع السبعينات، الى الدولة الفلسطينية وإزالة الاحتلال عن الضفة والقطاع. في ضوء ذلك، اخذ سكان اراضي الـ٤٨ يتعاطون بمشاريع خاصة بهم، مثل "الحكم الذاتي الثقافي" للعرب في الدولة الصهيونية، الى ان ساد تشخيص لإسرائيل بما هي دولة "فصل عنصري" وهو تشخيص مليء بالالتباسات مع انه حاز قبولا ولا يزال لدى قطاعات واسعة من رأي العام الاوروبي والأميركي لما تثيره من ذكريات عن حملات مقاطعة جنوب افريقيا العنصرية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.
ان تطبيق مفهوم الآبرتهايد على أراضي الـ٤٨ لا يحمل معنى الفصل الافقي بين سكان تلك المنطقة من فلسطين (حسب الترجمة الشائعة، خصوصا عندما يرمز اليه بجدار الفصل). بل هو نظام تراتب قهري وتمييز عنصري بين دولة، كرّست هويتها اليهودية دستوريًا، والأقلية العربية فيها. على ان الدولة المعنية في الأصل دولة تهجير ومصادرة للأراضي وتجريف للقرى والبلدات. ولهذا فمحاولة نقل "الفصل العنصري" على الضفة والقطاع لا يتطابق مع واقع الحال فيها حيث الدولة اليهودية تمارس سيطرة كولونيالية عسكرية على ذلك الجزء من فلسطين التاريخية لا يقتصر على الاحتلال والإدارة العسكرية ولا يزال يتضمّن هدف التهجير القسري داخل فلسطين (غزة سابقا وغزة حاليًا) وخارجها. وقد افاد هذا النظام من تعاون وتواطء القوى الغربية للاطاحة بكل معالم السلطة الوطنية والحكم الذاتي – كما نص عليها اتفاق أوسلو – بواسطة الغزو الاستيطاني (ما يزيد عن ٧٠٠ الف مستوطن) والسيطرة على المعابر والوجود العسكري غير المحدود (تلاحق القوات الإسرائيلية الآن المقاومين الفلسطينيين في ضواحي رام الله) وفرض التعامل بالعملة الإسرائيلية والخنق الاقتصادي ومصادرة الأراضي والمياه، الخ. والى هذا كله، فقد نجح هذا النظام في تقسيم "منطقة السلطة الوطنية" الى منطقتين متمايزتين، بفرض الحصار على قطاع غزة.
أتكلم بحذر عن السجال الفلسطيني والعربي عن دولة واحدة او دولتين. تنطلق الرواية الاولى من ان اتفاق أوسلو، بل تطبيقه، قضى على حل الدولتين. ولكن هل ان العجز عن تحقيق الجزء يمنح القدرة على تحقيق الكل؟ وعلام يبنى امكان تحقيق دولة ديمقراطية لكل أبنائها او "دولة واحدة لشعبين" دون الغاء الاعلان الدستوري الذي يكرس يهودية الدولة الإسرائيلية الحصرية (تموز ٢٠١٨)؟ وفوق ذلك، ما مصير حق العودة اليهودي وحق العودة الفلسطيني في هذا المشروع؟ والمستبعد، في كل ذلك، هو حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، كأنما تأكيدا على التمييز الأصلي في اتفاق أوسلو حيث توجد "إسرائيل" ويوجد "فلسطينيون". هم أنفسهم المغيّبون منذ ان صنّفوا على انهم "الجماعات غير اليهودية" في "اعلان بلفور". وفي هذه الحال، ما المسار لتحقيق "حل الدولة الواحدة" ؟و ما القوى التي ستفرض ذلك، ولماذا تتعارض المطالبة به مع هدف مرحلي هو الدولة المستقلة على جزء من فلسطين؟
واسمحوا لي بهذا الاستطراد حول النموذج الجنوب افريقي: ابارتهايد/إزالة الابارتهايد حيث التمييز العنصري ركيزة للاستغلال الاقتصادي: الموارد والبشر.
هكذا بايجاز تم تفكيك نظام التمييز العنصري في افريقيا الجنوبية: أربعون سنة واكثر من كفاح مسلّح عبر الحدود توّج بمباشرة العمل المسلح في المدن (وسبب السجن المؤبد على نلسن مانديلا الطويل انه كان قائد الفرقة التي نشأت لهذا الغرض)؛ انتفاضات شعبية عارمة متواصلة؛ والكل بقيادة "المؤتمر الوطني الافريقي" ونواته "الحزب الشيوعي في جنوب افريقيا"؛ ولادة جناح من الأقلية البيضاء يسعى الى تسوية؛ ضغوط حملات المقاطعة عبر العالم؛ يضاف لهذا كله سقوط الانظمة الداعمة لنظام التمييز العنصري في دول الطوق بعضها بدعم عسكري من قوات كوبية - كل هذه العوامل مجتمعة دفعت الشركات التعدين المتعددة الجنسيات التي تسيطر على الاقتصاد الجنوب افريقي والحكومات الغربية الى التسوية.
اما التسوية التي فككت نظام التمييز العنصري فكان لها وجه آخر غير نهاية حكم الأقلية البيضاء ومباشرة حكم الأكثرية الافريقية. قضت التسوية ببقاء السلطة الاقتصادية، والثروات المعدنية خصوصا، بيد الأقلية البيضاء وكبريات الشركات الغربية العابرة للقوميات. بموجب تلك التسوية التاريخية تخلى "المؤتمر الوطني الافريقي" عن أبرز بند في برنامجه للتحرر الوطني - تأميم مناجم الذهب والمعادن وسيطرة الشعب على ثرواته الطبيعية. وهي التسوية التي قادها نلسون مانديلا وتحسّر في آخر أيامه على اخفاقه في انتشال شعبه من الفقر. ولا يزال خلفاؤه يعملون لاستعادة سيطرة شعب جنوب افريقيا على ثرواته الطبيعية.
هذا نموذج للتأمل والاستلهام، حتى لا يأخذنا التبسيط.
بانتظار اليوم التالي…
اكتب في الفترة الرمادية التي تتخللها المبارزة الايرانية الإسرائيلية المباشرة، وما تثيره من تساؤلات عن إجازة أميركية لفتح معركة رفح، او عن غض نظر عن حرب برية في جنوب لبنان، وحيث تتعثّر مفاوضات تبادل الاسرى، وتنسحب قطري من دور الوساطة الذي نقل الى تركيا، وقد افتتح عملية المحاسبة على "التقصير" الأمني والعسكري والسياسة في إسرائيل باستقالة رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، الخ. لذا اكتفي بتسجيل نقطتين:
أولا، " الإصلاح الوحيد" الذي يستحق الحديث عنه بالنسبة للسلطة الفلسطينية هو انهاء القطيعة والانقسام بين الضفة والقطاع؛ وانضمام حماس والجهاد الى منظمة التحرير، وتنظيم انتخابات حرّة في الضفة والقطاع لإعادة تشكيل السلطة ومؤسساتها.
بهذا يتحقق الغرض الاول الذي ما سعى اليه "طوفان الأقصى": محو آثار ٢٠٠٦-٢٠٠٧ وتحطيم معسكر الاعتقال وإعادة توحيد هذين الجزأين الحيويين من فلسطين التاريخية.
ثانيا، الموقف الوطني والسيادي اللبناني هو الذي يدعو الى استعادة كل المواقع والأراضي المحتلة التي يطالب بها لبنان لاستكمال سيادته على حدوده المائية والبرية الجنوبية، بما فيها مزارع شبعا ومرتفعات كفرشوبا والقسم اللبناني من قرية الغجر، بالإضافة الى تصحيح النقطة B1العالقة في ترسيم الحدود المائية. والاهم التوازي في تحقيق الانسحابات ووقف الخرق الإسرائيلي المتمادي للأجواء اللبنانية.
فيما عدا ذلك، كنت ولا أزال ارجّح وجود عاملين فاعلين في لجم انتقال اسرائيل من حرب عبر الحدود، الى حرب بريّة متحركة ولو في حدود جنوب لبنان. العامل الاول هو عجز إسرائيل عن تنفيذ عملية عسكرية محدودة جنوب الليطاني طالما ان المقاومة تتمتع بترسانة من الصواريخ الدقيقة المتوسطة والطويلة المدى تطال عمق فلسطين المحتلة وتستطيع ان تحدث تدميرا بيّنا في البنية التحتية والخدمات الأساسية، حتى لا نتحدث عن الاضرار العسكرية. هذا يعني ان تحييد تلك الترسانة او تعطيلها يستدعي نقل العمليات العسكرية البرية الى العمق اللبناني، وهذا لا يمكن تحقيقه بواسطة الطيران الحربي فقط بل يستدعي العمليات البرية. هذا ما لا تنفيك تكرره التقايرير العسكرية الإسرائيلية منذ سنوات.
والعامل الثاني هو توافق ضمني أميركي إيراني لا يزال يساعد على استبعاد هذا الخيار الشامل؛ واعتقد ان هذا التوافق لا يزال قائما بعد المبارزة الصاروخية الأخيرة بين ايران واسرائيل.
-ما العمل بين مواجهتين عسكريتين؟
اود ان اختم بطرح سؤال: ما هو اليوم التالي بالنسبة لحركات الجماهير العربية؟ بعبارة أخرى "وأين الملايين؟" التي بلغت اقصى درجات التعبئة وشاركت في المعركة بأشكال مختلفة من الاحتجاج والتضامن وتفريغ الغضب عبر وسائل الاتصال المجتمعية؟ ما دورها، ما مسؤوليتها، بعد ان تصمت الاسلحة؟ هل يوجد صراع العربي الإسرائيلي غير مختزل بالصراع العسكري؟
لن اكتفي بطرح السؤال عن وجود مستوى غير عسكري للصراع العربي الإسرائيلي يتجاوز المستوئ الإعلامي الدعاوي؟ اقترح فيما يلي بعض العيّنات للتفكير والتداول:
١. ما الذي يمنع تنظيم حملة عربية في العالم تحت شعار "شرق أوسط خال من السلاح النووي"? لقد رفع جمال عبد الناصر هذا الشعار وظلت الدبلوماسية المصرية ملتزمة به الى عهد مبارك. ليست تعترف إيران بانها تنتج سلاحا نوويا، ولست أدري ما اذا كانت سوف تنجح في انتاجه أصلا. لكن هذا لا يتعارض مع شن حملة تجرّم الاستثناء الإسرائيلي، الذي لا يعترف بامتلاكه سلاحا نوويا ولا هو خاضع لمعاهدة حظر الاسلحة النووية.
٢.كتبت منذ عقد من الزمن مطالبا بحملة عربية في العالم لتجريم المستوطنين. اقتضى الامر ان ترتكب إسرائيل جريمة إبادة جماعية موصوفة لتبادر بعض دول أوروبا واميركا لفرض عقوبات اقتصادية على افراد من المستوطنين. لماذا ليس حملة شاملة ترصد جرائمهم العنصرية وتتعقب زعماءهم وتجرّهم الى المحاكم وتفرض العقوبات بحقهم؟
٣.على النطاق العربي الاضيق، يمكن تجديد حملة مقاطعة بضائع وخدمات الشركات التي تموّل إسرائيل او حتى تتعامل معها. إن لم يمكن إلزام الجامعة العربية بتفعيل قوانين مقاطعة اسرائيل، وأجهزة المقاطعة، فيمكن الاستمرار بالضغط لذلك وتنظيم حملات اهلية وشعبية. لقد تكبدّت شركات دولية خسائر فادحة بسبب المقاطعة التي تعرضت لها عربيا وعالميا بسبب تبرعاتها للمجهود الحربي الإسرائيلي، وكانت الحملات ناجحة في أوروبا وأميركا أكثر منها في البلدان العربية.
٤.على أهمية دور المنظمات المسلحة في المعركة ضد الاحتلال الصهيوني، وبالرغم من التطور البيّن في مستوى أدائها وتكون محور يتنظم عملياتها، فكل هذا لا يلغي الحاجة الى وجود جيوش تؤدي دورها في الدفاع الوطني وحماية الحدود والسيادة الوطنية، وتحقق التوازن الضروري مع العدو الإسرائيلي قبل الحديث عن ترجيح هذا التوازن لصالح الحق الفلسطيني والعربي.
ولا يمكن تصوّر مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي دون إعادة تأهيل الجيوش وخصوصا في دول الطوق لحماية امنها وتعيين دورها الفعلي في الصراع.
اعرف ان الموضوع دقيق وحساس ومعقّد. لكن عنده ينجدل أيضا الوطني والديمقراطي. خصوصا ان تحوّل الجيوش من القمع الداخلي الى الاقتتال الداخلي كما في عدد كبير من الدول العربية، وانفكاك بعضها لصالح ميليشيات، ليس يكتفي بتهديد الوحدة الداخلية للبلد وليس مجرد سيادته تجاه الخارج، وانما يثير الحاجة التاريخية الملحّة للنضال من اجل توحيد القوات المسلحة، وعودة الجيوش التي لا تزال قائمة الى ثكناتها واعادة بنائها وتدعيم قدراتها ومهاراتها القتالية، وتفرّغها لدورها الأوحد في الدفاع الوطني. وهذا يعني ترتيب العلاقات مع التنظيمات المسلحة الموازية، بحيث يرتهن استمرارها او حلّها بحسب موقعها ودورها في المعركة الوطنية.
من هنا نبدأ!
من محاضرة بالعنوان ذاته في "مسرح المدينة"، بيروت، ٥ آذار ٢٠٢٤.