قراءة: شاكر مجيد سيفوتؤسس الكاتبة (لُطفية الدليمي) لعنونة كتابها (ضحكة اليورانيوم) بنية ثنائية تقوم على السخرية والتراجيديا والمفارقة، وتسعى الكاتبة الى خلق حساسية شعرية في انعطافات اللغة وجوهرها اللفظي، وتحرص داخل هذا الفضاء النصي المتراكم في هيئة رؤيات ودراما الحلم وتاسيساته إلى تشعير بنى السرد واستثمار عناصر القص باستدعاء شخصيات اثيرية توجهها الانا الساردة عبر قنوات حياتية تقص احلامها وتشاركها الكاتبة في تحرير العناصر الحلمية من سكونها الى حركتها الدائرية لاستنطاق بني الحياة في شموليتها وسط فواعل الفضاء التدميري المتمثل في ملفوظة "الحرب"،
وينزع نص الكاتبة الى الاقتران بانظمة الدلالة في قنوات الحكاية الشعبية ونمذجة الاسطورة وفاعلية الرمز وتراكم رؤيات تتجاذب في محمولاتها لتشكل بني درامية سحرية تحتفظ بضخها الشعري وتكتسب ديمومتها الادبية من حياتها الداخلية وخاصية شعريتها وميتاجماليتها الخارقة، وتوحي العنونة الفرعية الموسومة (مروية عراقية عن واقعة العامرية) الى بنية الفجيعة وتوليداتها واتساع افاق الفضاء النصي لبنية المكان وشخوصه التي استحالت الى رؤى ملحمية واطياف انسانية عبر الطاقة السحرية لمكونات الحلم الشخصي للدوال وتواشجه مع الحلم الشخصي للكاتبة، ان حركة المشهد النصي في هذا الكتاب تثير اشكالية كتابية ضمن ثنائيات متصارعة مرة ومتجاذبة مرة اخرى داخل كيان النص وأرموزاته، تستهل الكاتبة الروائية المبدعة لطفية الدليمي كتابها بعنونة تنبئ عن فضاء تدميري تؤشر له وتوسمه بـ(12 شباط1991 او ليلة انتحار الحضارة)، ومن المتن النصي تلح الكاتبة في ارسال اسئلتها اللامتناهية عند الحياة معادلا كليا لشخصية "منار" في مؤولها الحسي والنفسي حيث تعيدنا الى ذاكرة الحياة في دلالاتها الى الحياة ومعناها الفيزيائي الكوني المتمثل "بالضوء" في وقت تفتقد الحياة بصيص هذا الضوء، لكن (بغداد تتسع حتى تغدو بسمة الارض والسماء كونا للبقاء وتعويذة لخلود الامل.. ص8)، وتقوم بنية متضادة مع هذه الاشارة النصية في فضاء هذا النص حين تتسلط قوى الدمار على العالم وتتمثل هذه الاشارة في: ( الطائرات عادت/ الطائرات مضت، الطائرات حامت/ الطائرات انخفضت../ لكن الموت كان يتثاءب في القذائف المؤجلة..ص9) وتسرد الكاتبة عبر هذه الاجواء ما تحيل اليه حركة الطائرات وافعالها التدميرية: (يتكاثر الناس في رائحة الدم والدخان والانفجارات/ والطائرات تجيء في الليل بحفيف النار/ والفولاذ يدخل طيات الغيم وهولات تتسع حتى لتبتلع المنابر والمقابر..ص11).وتختصر الكاتبة رؤياها الكلية لمشهد ملجأ العامرية في مشهدية شعرية حلمية تتراكم احلامها في بؤرة تأسسية حياتية يسعى بها رموزها الاطفال الثلاثة عشر الى اجتراح امنياتهم المستقبلية في موشورات نصية تضمن رقما يقع في دائرة الشؤم للذاكرة الانسانية:( كان الصغار الاطفال الثلاثة عشر يرسمون دوائر احلامهم في الطابق الارضي للملجأ، وكانوا يروُون احلام صباهم بالرموز ويتركون علاماتهم وسط الدوائر المرسومة بالفحم والطباشير ص12) تتسلط على مشهدية الاحلام المؤسسة ثيمة اساسية جوهرية تتخذ صفتها الكونية الكلية في تعزيزات الحلم الشخصي للدوال الداخلة في تأسيسات احلامها ورؤيا الكاتبة لبؤر النصوص وتوليداتها وضخها بقدرات وميكانزيمات استعيارية ومجازية تندفع في اتجاهات متعددة في مقتربات التحول والتلاشي وتنهض هذه المعادلة بين قوى الحلم وقوى الواقع بين الثابت والمتحول من الاشياء وسرودات الرؤى الجمعية وانفراطها في عقد الشك واليقين والانتظار والترقب والصدمة واستنطاق بلورات الحلم الشخصية للدوال الداخلة في مكونات النص الداخلية وتأثيثها للمداليل المرتبطة بالفكرة الكلية، وتحرص الكاتبة على الاقامة في مناخات الحلم وانتصاصاته اليومية والكونية والميثولوجية لتقدم صورة كلية لفجيعة (ليلة 13 شباط1991) في اشارتها الرقمية الى شرح موجز لمعادلة رياضية تؤكد فيها في قولها: للرقم سره السحري وله النذر او البشائر، له العلامة والندامة.. له القيامة والسلامة، فالرقم ما هو بالرزايا والنوايا.. ص29) (.. حتى نكتشف ان مجموع الاعداد من(1) الى(13) يساوي العدد (91) هذه هي لعبة الكارثة. خاتمة القرن الدموي يوم 13 شباط شؤم الفاجعة) وتجمع الكاتبة وعيها الجدلي الشعري والفلسفي النفسي لتحرر حركة الفعل النصي من نقطة الرقم الى الاستمرارية في بناء استقلالية الكينونة وتشكل بؤر الدلالة الكلية في كثافتها الشعرية واسناد ذراع الضمير الجمعي(نحن): (هكذا نجمع احلام الشهداء الضحايا فنوصد باب الموت وكان علينا ان نقدم كل هؤلاء الحمائم الشهيدة لنحذف خطوة الموت عن هذا العراق.. ص29) وتظل الكاتبة تدور في فلك الاحلام، لتؤسس حياة الشخوص عبر حركة الحلم ومرويات الدوال في سلسلة عنونات تتمظهر بصور متداخلة ومتواشجة داخل بنية الحلم الكلية واستنطاق خطابها العام وتفصح مستويات بث الحلم وتأويلاته وتراكم رؤيات الانا الصادرة في محمولاتها الفلسفية عن شرعية الحنين والحماسة والالم والمرارة، وتتأسس عبر هذا الاشتغال بنية ثنائية تتضاد في دلالتها:ـ ( اقوم في العصف:/ أدون الماتم الاخيرة في اندحار الحضارة/ ثم: ابعثر الملجأ الناري في طاسة الاعمى فيبصر/ وارتب الصرخات على اصابع الشاهد الاصم فيسمع..ص42) وتتقدم نصوص الكتاب في بانوراما شعرية تحرص الكاتبة على ارسالها عبر عنونات شعرية تبث محمولات العاطفة والحلم واستاطيقيا الرؤية واقانيم الرؤيا ومهيمنات الذاكرة وكشوفات الوعي الشخصي وجدليته مع العالم
الفضاء الكارثي فـي ضحكة اليورانيوم
نشر في: 13 ديسمبر, 2010: 04:54 م