بغداد / سها الشيخلي انغام رتيبة لا تخطئها الاذن ، و لا يمكن ان تسمعها الا في سوق الصفافير، عمادها المطرقة والسندان ، وتضيع كل الاصوات بين ذلك الضجيج المحبب ، وهناك أمثال عديدة على ضياع الأصوات في خضم ذلك الضجيج ! ونحن نتجول في السوق تنقلنا ضربة مطرق من يد فنان حاذق، الى اقدم اسواق بغداد العباسية ،
حيث صناعة الصفر المطاوع لتكون لوحات النحاس المنقوشة بنفائس الآثار التاريخية العراقية ، يعود تاريخ السوق الى العصر العباسي المتأخر ، عندما كانت انية المطبخ للبيت البغدادي تعتمد معدن الصفر ، الا ان معادن اخرى نافست الصفر منها الألمنيوم والفافون ، ودخلت الماكنة ، لتغيب مهارة الأنامل ورهافة الحس ، ما جعل غالبية الصفارين الحرفيين يغادرون هذه المهنة ، كما ان عدم الاستقرار السياسي غيب السواح عن المجيء الى بغداد والذين تستهويهم تلك الصناعات اليدوية الشعبية .صناعات اندثرت تعد صناعة الصفر من اقدم الصناعات الشعبية في العراق ، كما عرف سوق الصفافير بقبلة السواح قبل عقود من الزمن ، الا ان السوق في الوقت الحاضر يشهد انحساراً كبيراً بسبب الحروب وأعوام الحصار والوضع الأمني المتدهور ، وقطع أجزاء من شارع الرشيد وجعله ممرا واحداً ، عند زيارتنا للسوق وجدنا بضعة محال فيه مفتوحة ، ولكن بدون مطارق ولا ازدحام ، وكغيرها من الصناعات الشعبية اليدوية فقد نافست الماكنة اغلب تلك الصناعات وليست صناعة الصفر فقط ، بل هناك صناعة السجاد اليدوي مثلا وصناعة العباءة الرجالية والفينة والسدارة التقينا الحاج أبو محمد احد أقدم الصفارين الذي حدثنا عن مهنة الصفارين القديمة فقال : قبل بداية الالفية الثانية كانت مادة الصفرالمادة الرئيسة في صناعة اواني الطبخ ،وكانت تجرى باليد وتعتمد المهارة والدقة ، كما كانت هناك أوانٍ انقرضت الان وهي ( الركية ) التي تستخدم من قبل النساء لحمل ادوات الاستحمام من ( ليفة ، صابونة ، حجر الحمام ) وهي عبارة عن نصف كرة معدنية تنغلق على بعضها مكونة كرة معدنية منقوشة بالزهور والاشكال الهندسية الجميلة ، وكانت متواجدة في كل بيت لانها من هدايا العرس والتي تقدمها الام لابنتها عند الزفاف ، والانية الاخرى التي انقرضت هي المشربة وتسمى ايضا المصخنة والبكمة وهي انية نحاسية تستخدمها النساء لنقل الماء من النهر الى البيت ، اما الهاون فهو على نوعين الاول يستخدم لطحن حبات القهوة ويكون متوسط الحجم والثاني اكبر بحافات عالية ويستخدم ل ( دق الكبة ) الى جانب ( السماور) الذي يستخدم لغلي ماء الشاي ، ويشير ابو محمد الى ان الحكومة في العهد الملكي قد منعت استخدام اواني الصفر لانها غير صحية وتصيب مستخدميها بالتسمم ، وعن انواع الصفر يقول ابو محمد انه على نوعين الصفر الاحمر والصفر الابيض ، واسم الصفر الاصلي هو النحاس الاحمر ، وطالب ابو محمد الجهات المعنية بالاهتمام بهذه الصناعة الجميلة التي تعتمد على المهارة والحس الفني المرهف.
بعد ان غزت الأسواق معادن أخرى..سوق الصفافير مهدد بالانقراض

نشر في: 13 ديسمبر, 2010: 06:46 م