ترجمة: عدوية الهلالي
عندما أنجبت ماري توأما في 11 نوفمبر 1918 في منطقة الألزاس المحررة حديثا، لم تتخيل أن رحلة طفليها ستحكي قصة القرن العشرين ومآسيه من خلال رواية (فجر الشر) لستيفان لينوف التي تمتد إلى القرن العشرين وتروي مصير ماري، فمن خلال قصة حياتها يتشكل تاريخ فرنسا. انها رواية تاريخية بقدر ما هي قصة حب وبحث عن الهوية حيث يتتبع القارئ من الألزاس الى بورغوندي هذه الحياة المصنوعة من اليأس والانفصال ولكن أيضًا من المقاومة والشجاعة.
صدرت رواية (فجر الشر) عن دار لافونت للنشر في أواخر الشهر الفائت.وكما يقول مؤلفها، وهو صحفي في فرانس إنتر، فإن ماري هي امرأة مثالية. وقد آمنت بالسلام والسعادة المكتشفة حديثًا في عام 1918، ولكن بفضل معاناتها من العنف القومي أصبحت مقاتلة في المقاومة ومناضلة من أجل الحرية. وتعتبر "فجر الشر" أيضًا تكريم لجميع هؤلاء النساء المجهولات اللاتي قاتلن حتى نكون أحرارًا اليوم وحتى لا نعود إلى أهوال الماضي." وفي هذه الفترة من صعود الشعبوية الأوروبية، يسلط الأدب الضوء على التاريخ.
لقد كان يوم 11 تشرين الثاني 1918 في ستراسبورغ يوم الابتهاج والفرح بالنسبة للألزاسيين الذين يحتفلون بنهاية الحرب العظمى ونهاية الدكتاتورية التي خلفت 9 ملايين قتيل ومفقود على جانبي الحدود. كانت فرحة شخصية أيضاً لماري لأنها أنجبت للتو توأمان.يدعى الاول نيكولاس كرمز لفرنسا، والثاني هو كلاوس نسبة لألمانيا لأن والدهم جندي ألماني. كانت ماري قد وقعت في حب برنهارد في عام 1917، يوم القديس نيكولاس، وتوقعت أن يكون المستقبل هو مستقبل عائلة سعيدة لكن مسار العالم يقرر خلاف ذلك فلن يكون من الجيد للألماني أن يعيش في الألزاس المحررة.
يجعلنا ستيفان لينوف نكتشف من خلال حياة ماري حلقة غير معروفة ومخزية في تاريخ فرنسا. لقد كان مراسلًا لراديو فرنسا في سترابورغ لمدة أربع سنوات، وفي هذه المناسبة، كثيرًا ما أخبره العديد من سكان الألزاس بالقصة المأساوية لسكان عالقين بين ثقافتين، الثقافة الفرنسية وحضارة الراين. يقول: "إنها مأساة المنطقة الحدودية التي تقاتلت عليها ألمانيا وفرنسا، وهما دولتان متشابهتان في القومية. لقد أوضح لي بعض أصدقائي أن والديهم قد غيروا جنسيتهم أربع مرات خلال ثلاثين عامًا! إنه أمر مذهل!"
في بضع صفحات، يتحول ابتهاج التحرير إلى مطاردة لـلألمان. ويصبح أصدقاء الأمس، والجيران، والغرباء في الشارع مخبرين، وتبدأ الإدارة الفرنسية في إدراج وطرد الألزاسيين من أصل ألماني. يقول الكاتب: "في ذلك الوقت، مارست الجمهورية سياسة حقيقية للتطهير العرقي ضد الألزاسيين من أصل ألماني، أي أولئك الذين وصلوا بعد هزيمة عام 1870 عندما أصبحت الألزاس ألمانية. ولم يكن أمامهم خيار آخر، ولكن تم طردهم بشكل غير رسمي، ومن هذه الحقيقة التاريخية قمت ببناء الحبكة الرئيسية لـ "فجر الشر".
في هذا المناخ، كانت الصور التي رسمها المؤلف مليئة بهذه الكراهية للآخرين وإغراء الربح على خلفية الخوف، حيث تسعى ماري لإنقاذ أطفالها لأن والدهم يريد أن يأخذهم معه إلى ألمانيا. وليس امامها سوى حل واحد: الأوراق المزورة. لذا تقدم لها جارتها أنجا "التي ساعدتها كثيرًا أثناء حملها"، والمتزوجة من ماتياس، هذا الموظف الحكومي المتحمس الصغير، بعض المال مقابل مبلغ متواضع قدره 1000 مارك، أي نصف مدخرات ماري.
لقد كانت عملية تطهير، كما أوضح ستيفان لينوف.. يقول: "يمكن أيضًا تحليلها على أنها بدايات ما سيفعله نظام فيشي باليهود بعد بضع سنوات. دعونا لا نخاف من المقارنات. عندما نستبعد من الميدان السكان الجمهوريين وبسبب انتمائهم العرقي، فإننا نتصرف بنفس مبدأ كراهية الآخر".
وتمتليء بقية الرواية بالتقلبات والمنعطفات. إذ تغادر ماري ستراسبورغ متوجهة إلى بورغوندي، مع ابنها نيكولاس، ويذهب الأب إلى ألمانيا مع كلاوس. وتغير ماري اسمها لكن حربًا جديدة تلوح في الأفق. وسوف تعمل ماري في المقاومة. وبعد أن اعتقلها النازيون وسجنوها، عادت الألزاس إلى أفكارها: تقول: "سأكون ألمانية من الألزاسيين الذين سيخونون العرق الآري بشكل مضاعف من خلال ترك وطنهم الأم واختيار فرنسا. النازيون لا يحترمون أعداءهم".
يمكن اعتبار (فجر الشر) رواية موضوعية.. يقول مؤلفها: "إنها تذكرنا كيف اجتاحت القوميات أوروبا، وأثارت حربين عالميتين وتسببت في مقتل ما لا يقل عن عشرين إلى ثلاثين مليون شخص! انها تتحدث عن القوميين والشعبويين في أوروبا. وتتناسب الرواية مع السياق القومي اليوم. ولا أتردد في القول إن روايتي هي بمثابة انعاش للذاكرة حتى لا ننسى أهوال الماضي ولا نعيشها من جديد لسوء الحظ، ان روايتي حديثة بشكل رهيب."
ومن خلال تبادل الرسائل التي لا تتوقف أبدًا على الرغم من الخيارات المفجعة للجميع، تخبرنا الرواية أيضًا أن قصة الحب، حتى لو انتهت بشكل سيء فهي ترسخ في قلوب العشاق. وسوف يجتمع الشقيقان مرة أخرى…انها رواية عائلة مشتتة، وأم شجاعة، وأوروبا التي لاتزال ممزقة حتى اليوم.
فجر الشر، رواية عائلة ممزقة، وأم شجاعة، وأوروبا لا تزال ممزقة حتى اليوم.