فريدة النقاشيعبر المتحدثون باسم الحزب الحاكم عن حالة من النشوة بسبب اكتساح الحزب مقاعد مجلس الشعب، وهم بذلك يراهنون رهانا خاطئا على ثبات الوضع القائم على ما هو عليه، خاصة وهم يعرفون جيدا أن أشكال التزوير الفاضحة التي مارسوها لن تمر مرور الكرام وأن الأمور لن تبقى كما هي بأي حال.وما يدعو لهذا الاستنتاج هو الاحتكام النزيه للواقع، وهذا الواقع على العكس مما يراه الآن »المنتصرون«
هو مسار مشحون ضد الجمود، وفي واقعنا الآن فسحة . رغم كل أشكال القمع والاستبداد . للنشاط الواعي وللإرادة الإنسانية، حيث السخط والمعرفة والأحلام ليست مجرد أشكال كامنة في الواقع بوسعها أن تحوله وتغيره من داخله.. ولكنها أيضا أشكال خرجت ولو ببطء من حالة الكمون الطويل لتسارع عملية التحول التي باتت في أشد الحاجة إلى تنظيم، ويعرف كل من يتعامل مع الحياة اليومية في مصر الآن لا فحسب مقدار عدم الرضا والقلق المنتشرين في غالبية الأوساط، وإنما أيضا مقدار الوعي الطبقي في أوساط الكادحين والفئات الوسطى، التي ساعدتها المساحة المنتزعة لحرية الصحافة والإعلام، على التعرف الدقيق على طبيعة حكم الأقلية الطبقية الاستحواذي الفاسد، الذي أخذ يتسبب في تفكك المجتمع، بل إن مثل هذا الوعي يعبر عن نفسه في أشكال تنظيمية صغيرة هنا وهناك، أي أنه أيضاً وعي بضرورة العمل الجماعي في مواجهة الأقلية.وهكذا يتجلى الواقع كمسار ضد الثبات المزعوم والمغموس في نشوة الانتصار، فالواقع هو علميا تفاعل دائم بين الضرورة وإمكانية التغيير، وهناك توتر يضعف أو يشتد بين العنصرين تحدده عوامل كثيرة تلعب الإرادة الإنسانية دورها فيه.ورغم نمو الوعي والحركة في أوساط الكادحين والفئات الوسطى، فإن الوعي الاشتراكي الذي هو مرحلة أعلى لن ينبثق تلقائيا من السخط أو من واقع الصراع، بل يتم إدخال هذا الوعي الاشتراكي إلى النضال الاقتصادي اليومي للكادحين من عمال وفلاحين وفئات وسطى صغيرة حتى يقترب مجمل الكفاح من ذروة فائقة الروعة حين يتفاعل الكفاح الاقتصادي مع الكفاح السياسي ليكون التغيير الأشمل، وطريق الصعود إلى الذروة طويل وشاق، ولا يندر أن تحدث انزلاقات إلى الأسفل، ولكن »سيزيف« سيظل يحمل صخرته ويصعد ثم يعاود الصعود، وحين تبتكر الجماهير أشكالا جديدة للكفاح وفي القلب منها طلائعها الواعية، فإن الصعود مجددا ليكون حتميا حتى لو تكررت مرات السقوط، وذات مرة سيكون النصر الحق في نهار مشمس وربيعي.يبرز في هذا السياق دور المثقفين الاشتراكيين الذين يواجهون إشكالية كبرى في عملهم، من تزاوج الأوهام مع الوعي الزائف في أوساط قطاعات من الجماهير تضللها البورجوازية المهيمنة، كما أن قوى اليسار بكل أطيافها، وربما باستثناءات قليلة، ترى ضرورة الدخول في مرحلة انتقالية طويلة قبل الوصول إلى الاشتراكية، يقول عنها حزب التجمع »مرحلة المشاركة الشعبية« بأبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية، وهو ما يوافق عليه التحالف الاشتراكي في وثائقه، بما يجعل طرح الاشتراكية الآن على جدول الأعمال أمراً متعجلاً وخطراً على التحالفات الضرورية للمرحلة الانتقالية.ولكن ذلك شيء وضرورة العمل في كل لحظة على إشاعة الوعي الاشتراكي في أوساط الكادحين شيء آخر.وأخيرا فلعل أبرز تشوهات الواقع السياسي التي أفرزتها ألاعيب المنتصرين، أن يكون ادعاؤهم تمثيل العمال والفلاحين بنسبة 50٪ حيث يمثلهم أصحاب الملايين واللواءات وكبار التجار لتزداد مهزلة التزوير إحكاماً، وهو ما يعرفه جيدا الآن العمال والفلاحون الحقيقيون، وهذه المعرفة هي علامة من علامات الوعي الجديد الذي خرج من حالة الكمون ليلعب دوره المرجو من التحول.وسوف يأتي اليوم الذي يخسر فيه هؤلاء المنتشون بانتصارهم والمراهنون على الثبات وعلى ديمومة الوضع البائس الراهن.. وهو الوضع الذي لن يدوم مهما طال الزمن.. فكل شيء يتغير.
نشــوة الانـتـصــار
نشر في: 14 ديسمبر, 2010: 05:16 م