صبيح الحافظليس يوم عاشوراء للشيعة فحسب ، ولا للسنة ، وإنما للناس أجمعين لأنه جهاد وتضحية وحق وصراحة ونور وحكمة ، وليس لهذه الفضائل دين خاص ولا مذهب خاص ولا وطن خاص ، ولا لغة خاصة هذا هو يوم عاشوراء في حقيقته ومغزاه.ان صاحب الحق يمد إلى حقه يد القوة والعزة ، يمدها وهو عالي الرأس ثابت الجنان ، ولا يردها إلا قابضة على حقه ، او تقطع مجاهدة في سبيل الحق والعدالة ، فإن قطعها في هذا السبيل حياة وبقاءها ممات ، والسلام على الحسين القائل(أني لا أرى الموت إلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برماً).
وقفت الحافلة التي أقلتنا من بغداد إلى مدينة النجف الاشرف في ساحة ثورة العشرين كمحطة نهائية ، وطلب منا سائقها النزول هنا ، إذ لا يستطيع إيصالنا إلى مركز المدينة لأغراض أمنية وتنظيمية لعشرات المواكب الحسينية وسيرها في الشوارع الرئيسة ولتجنب الزحام.سرت مشياً على الأقدام مع الآخرين في شارع الإمام علي ابن أبي طالب(u) متجها الى ساحة الميدان التي تمثل مركز المدينة، وفي منتصف الطريق لاحت عن بعد صورة كبيرة مثبته في وسط الشارع وقد أنيرت بمصابيح النيون ، وعند اقترابي منها وجدتها تضم صورة حجة الإسلام محمد محمد صادق الصدر وولديه الشهيدين ( مصطفى ومؤمل ) الذين اغتالتهم الأيدي المجرمة للنظام المباد بعدها استأنفت المسير في ساحة الميدان ، وقد شاهدت صورة أخرى مثبته فوجدت انها تضم صورة شهيد المحراب آية الله السيد محمد باقر الحكيم ، وقد كتب في أعلى اللوحة (هيهات منا الذلة) وفي أسفلها(قال الإمام السجاد : القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة).بعد ذلك اخترقت جموع الزائرين بصعوبة بالغة ودخلت السوق الكبير متجهاً الى الصحن الشريف وضريح الامام المفدى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لأداء الزيارة والتبرك به ، وعند اقترابي اصطدمت بجموع المواكب الهائلة والهادرة كالسيل الجارف والتي لا أستطيع وصفها من حيث أعدادها مما ادهشني هذا المنظر المنقطع النظير .وكانت مواكب العزاء الحسينية منظمة تنظيماً رائعا،ً وكان سيرها متعاقباً: موكب رافعي الشعارات واسم الموكب ثم حاملي الرايات السود والحمر والخضر والصفر ثم يليها قارعو الطبول والمزامير والابواق وهم ينشدون الاناشيد والردات الحسنية بإيقاع موحد رائع.لا أستطيع تعداد اسماء المواكب المشاركة لكثرتها بيد إنني أذكر بعضها وهي:موكب جمعية المشراق الخيرية الثقافية ( تعزي العالم الإسلامي وكل أحرار العالم بمصاب سيد الشهداء وأبي الثوار الامام الحسين (ع)) . كذلك موكب نقابة المحامين (كذب الموت فالحسين مخلد كلّما مر الزمان ذكره يتجدد).أيضاً موكب سوق كسبة العبايجية ( لايوم كيومك يا أبا عبد الله) موكب جامع البقيع (ينادي يا حسين) موكب عشيرة الجيلاوي من طرف العمارة (زين العابدين زينة الدنيا وسراج الاسلام) موكب أنصار الحسين ( قال رسول الله (ص): حسين مني وأنا من حسين).موكب آل كرماشة ( السلام عليك ياقتيل العبرات) . ومن المواكب التي لمحتها هو موكب عشيرة المجادعة ، وهيأة شباب علي الاكبر ، وموكب شباب الطفل الرضيع ،  وموكب عشيرة العتابي ، وموكب عشيرة الزوينيات  وموكب طرف الانصار ، وموكب شباب زين العابدين ، وموكب مأتم أبي الفضل العباس ، وموكب السقايا ينادي ياحسين.وجميع هذه المواكب تتقدمها المشاعل ، وهي عبارة عن عمود طوله عشرة امتار يحمل بشكل أفقي من منتصفه ليشكل جناحين ، في كل جناح عشرة مشاعل او اكثر ، وهناك مشاعل اخرى صغيرة العدد او بمشعل واحد او بمشعلين وغيرها ، توضع فيه بقايا الاقمشة المستهلكة ويسكب عليها النفط الاسود ، بعدها يوقد المشعل  ويحمله شخص قوي الجسم ويسير في مقدمة الموكب لإنارة الطريق ، وهو من الموروثات الشعبية التقليدية في زمن لم يكن فيه كهرباء .وللمواكب مخيمات ومواقع لطهي الاطعمة بقدور كبيرة لتقديمها للزائرين والوافدين وأعضاء المواكب، كذلك عمل الشاي وتوزيعه على زائري المخيم او الذين يمرون عليه.وقد تم نصب تلك المخيمات في الموقع الكبير أمام بحر النجف ومرقد صافي الصفا ومقام الامام زين العابدين (ع). من المخيمات البارزة مخيم منظمة بدر وقد نصب امام الصحن الشريف وعلقت في مقدمته صورة شخصية لآية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله) وبجانبه صورة المغفور له سماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد عبد العزيز الحكيم ، ومن الشعارات التي قرأتها في المخيم هي ( السلام على الرؤوس المشالات) و ( ثورة الحسين والمرجعية الدينية طريق واحد) و ( ان المرجعية الدينية تمثل المحور الاساسي في مشروعنا السياسي) وهناك شعارات اخرى تؤكد وحدة الصف الاسلامي وتفويت الفرصة على أصحاب الفتنة.