بات واضحاً أن العلاقات الأردنية المصرية تمر بمرحلة لا يمكن وصفها بالإيجابية، على خلفية انقطاع الغاز المصري، الذي يعتمد الأردن عليه لتوليد الطاقة الكهربائية، ما تسبب بخسائر تحسب بالمليارات، مع ملاحظة يبديها المسؤولون الأردنيون على استحياء، تتعلق باستمرار تدفق الغاز المصري على إسرائيل، وبأسعار يقولون إنها أقل من ما يدفعه الأردن، رغم أن هناك اتفاقات ملزمة مبرمة بين الجانبين، لم يقصر الجانب الأردني في الوفاء بها، ويتهم البعض النظام المصري الجديد " الإخواني "، بالانحياز لإخوان الأردن في صراعهم مع النظام، بغية إصلاحه كما يقولون، فيما يتم اتهامهم بمحاولة السيطرة على مقاليد الحكم، أسوةً بنظرائهم في دول الربيع العربي.
حاولت السلطات الأردنية بوسائل متعددة، التوصل إلى تفاهمات مع القاهرة، لكنها لم تنجح في إنجاز المتفق عليه سابقاً، فلجأت مؤخراً إلى سلاح ذي حدين، يتمثل بالتضييق على العمالة المصرية في الأردن، من خلال ملاحقة العمال غير الحاصلين على تصاريح رسمية، للعمل في المجالات المحددة لهم في الأنظمة الأردنية المعمول بها، ويبلغ تعداد هؤلاء ما يقترب من 375 ألفاً يعمل معظمهم في قطاع الإنشاء، الذي يعتمد عليهم بالكامل، وقد أمضى بعضهم فيه أكثر من عشر سنوات، وأثار ذلك السلطات المصرية، غير المستعدة في المرحلة الراهنة لاستقبال هذا العدد، الذي سيكون عاطلاً عن العمل في مصر، ويشكل عبئاً على اقتصادها، بدل أن يظل رافداً ولو بسيطاً لذلك الاقتصاد، من خلال تحويلات مالية، تتم بالعملة الصعبة بالتأكيد.
العامل المصري يستكثر دفع رسوم التصريح دفعةً واحدة، مع أنه سيسترجعها من خلال رفع أجره اليومي، الذي يقترب من 25 دولاراً في اليوم الواحد، وهو أجر يفوق كثيراً راتب موظف جامعي حديث التخرج، لكن المؤسف أن الشباب الأردنيين يفضلون التعطل عن العمل، بدل الانخراط في أعمال باتوا يتعففون عنها، ويعتبرها البعض مثيرةً للخجل، رغم أنها شريفة بالكامل، وإن لم يكن قرار الحكومة الأردنية، بمطاردة الوافدين غير الحاملين لتصاريح رسميةً، من قبيل المناكفة، أو لفت نظر القاهرة، ولو بقسوة، إلى نتائج سياستها تجاه الأردن، فإن المتضرر الأول من تنفيذ هكذا قرار سيكون الأردن، المعتمد على هذه العمالة، ولم يوفر بعد بديلاً لها، وإن كان هناك حديث معلن عن عمالة سورية، ترضى بأجور أقل، وهي أكثر مهارة، ومتوفرة اليوم بغزارة، بسبب الظروف الراهنة في سوريا، حيث توقفت الكثير من الأعمال، وباتت البطالة سمة العمال السوريين، الذين يقبلون العمل في الأردن بأي أجر، يضمن لهم الحد الأدنى من متطلبات الحياة.
تعلن الحكومة الأردنية، أن ما يدفعه العامل المصري كرسوم لتصريح العمل، أقل كثيراً من تمتعه بالمواد المدعومة منها، ومنها الخبز والكهرباء والماء، وهي مواد تكلف الأردن الملايين سنوياً، لكن هذا الواقع كان معروفاً عندها وواضحاً منذ سنوات، غير أن المؤكد أن فتح هذا الملف اليوم، مرتبط بشكل وثيق بقضية انقطاع الغاز المصري، والخسائر الناجمة عن ذلك، وتداعيات ذلك على الوضع السياسي المتأزم، نتيجة رفع الدعم عن المشتقات النفطية، والذي سيزداد تأزماً وإلى حد الانفجار، إن رفعت الحكومة أسعار الكهرباء، وهي ستفعل ذلك حتماً إن استمر انقطاع الغاز المصري، لكن السؤال اليوم هل درست عمان نتائج خطوتها، على قطاعات تعتمد بشكل كامل على العمالة المصرية، وهي اعتادت ذلك منذ أكثر من ربع قرن.
أظننا أمام لعبة شد حبل أو عض أصابع، سيكون الخاسر فيها الطرفان، الأردني من خلال تفريغ سوق العمل من العمالة المصرية المجربة، والمصري من خلال التورط باستقبال ما يقترب من نصف مليون عاطل عن العمل، وإذ يبدو أن الحكومتين تفكران وتتصرفان من خلال حسابات مكتبية بعيدة عن الواقع، فإن الخاسر سيكون المواطن المصري والأردني، وإن تشدقت الحكومتان بالدفاع عن مصالحه.