هادي عزيز علي
قال قاسم امين: (اني اعتقد ان كل وقف تمسه يد الحكومة ليس للامة فيه نصيب) . نستذكر هذا القول ونحن امام التخصيصات الضخمة للوقفين السني والشيعي في قانون الموازنة الحالية اذ قال المختصون في الشأن الاقتصادي انها تفوق موازنة وزارة الصناعة ووزارة الزراعة ووزارة الصحة . وامام هذه التخصيصات الضخمة يلاحظ تضخم الجهاز الاداري للوقفين المذكورين بعد 2003 غير المتناسب مع شحة الاوقاف المنعقدة بعد التاريخ المذكور . فهل تخصيصات الموازنة هذا تتفق والغرض الذي انعقد من اجله الوقف باعتباره صدقة جارية ؟ او هل ان هذا الانفاق يدخل في في حكم " البر " وينسجم وحكم الاية 92 من سورة آل عمران : (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) ؟
الاباء المؤسسون قالوا في الوقف انه : (حبس العين وجعل منفعتها لجهة من جهات الخير ابتداء وانتهاء) او انه : (حبس العين وتسبيل المنفعة) ولكي تتمكن العين الموقوفة من اداء وظيفتها على وجه الدوام وتغطي الغرض الذي انعقدت من اجله فان التكوين الاقتصادي لهذا النشاط يجب ان يوسم بالسمات الاربع الاتية : 1 – النمو التراكمي للحجم الاجمالي للاعيان الموقوفة من العقارات المبنية والاراضي الزراعية مع الاخذ بمبدأ " التأبيد " وعدم جواز حله . 2 – تنوع اساليب الانتفاع الاقتصادي من اعيان الوقف حيث يجري التعامل في الانشطة التي يؤديها كالايجار والحكر والمزارعة والمساقاة والمغارسة . 3 – ان نمو التكوين الاقتصادي لنظام الوقف يعني نمو القطاع الاجتماعي اخذين بنظر الاعتبار ان بعض الموارد الاقتصادية في موضوع الوقف تعد خروجا من " نظام السوق " خاصة في قطاع السلع والخدمات لكون الهدف من الوقف الخيري هو توفيره مجانا او باسعار رمزية . 4 – ان تغطية تسبيل المنفعة ماديا يتخذ سبل ثلاثة : أ – وجود المال الكافي للعين الموقوفة لغطية المنفعة التي انصرفت اليها ارادة الواقف . ب – ان تستخرج من ذلك المال مبالغ محددة لعمارة العين الموقوفة بغية ديمومتها والحيلولة دون اندثارها . ج – ان يخصص من مبالغ التسبيل ايضا مبلغ من المال لتغطية اجور المتولين والنظار والقائمين على الخدمة .هذه السمات تعني قدرة الوقف على انتاج العوائد اللازمة لتغطيه الغرض الذي انشأ من اجله تسبيلا وعمارة دفعا للاندثار فضلا عن مستحقات المتولين والنظار وسواهم اي تحقيق الاكتفاء الذاتي من ريع العين الموقوفة وبخلاف ذلك يخرج الوقف عن مقاصده وتتعطل وظيفته .
تلكأ عمل الاوقاف في بعض جوانبه وتقيّد نشاطه في الجوانب الاخرى ولم يعد الوقف في الوقت الحاضر مؤسسة الغرض منها النفع العام لغياب الفئة المستهدفة المقصودة بذلك النفع مع غياب ملامح البر التي انصرفت اليه ارادة الواقف كل ذلك افضى الى تعطيل وظائفه وانحسار نموه وغياب مقاصده . يضاف الى ذلك صدور التشريعات الحديثة له المتمثلة في قانوني الوقف السني والشيعي افضى الى وجودهذا الجهاز الاداري المتورم المتمثل في كثرة الموظفين الفائض عن حاجة المؤسسات الوقفية والمنصرفة اهدافه لاغرض سياسية لاتخفى على اللبيب . يضاف الى ذلك الاستمرار على العيوب تاسيسية والمزمنة المرافقة لمسيرة الوقف نورد بعضها على سبيل المثال لا الحصر :
اولا - المتولون والنظار واصحاب الشأن ولكي يوفروا الحماية لانفسهم ويحافظوا على مصالحهم نشروا ثقافة انتساب الاوقاف الى تشكيلات المؤسسة الدينية وزعموا ان الوقف ينتسب الى احكام العبادات باعتباره عملا من اعمال الحسبة ومعلوم ان الحسبة وعلى وفق المفهوم الفقهي انها تصدر عن سلطة عامة باعتبارها مؤسسة رقابية تحرس حدود الدين ، في حين ان الواقع الفعلي للوقف لا يصدر عن سلطة عامة بل هو ارادة منفردة طوعية (مندوب) يتمثل في التنازل عن الملكية الخاصة بالارادة الحرة لصالح النفع العام ، وهومن حيث التوصيف القانوني كالوصية والصدقة والنذر. وبهذا الوصف لايدخل ضمن احكام الحسبة لاختلاف الوظيفة ولا يمكن ادراجه ضمن العبادات بدليل ان تاركه لا يأثم، وتضعه الدراسات الحديثة في المنطقة الوسط بين نشاط الدولة ونشاط القطاع الخاص وهو يؤدي وظيفة اجتماعية لا تتوفر اسبابها في الحسبة واحكامها ، وقدر تعلق الامر بالتشريعات العراقية فقد حسمت الامر واعتبرت الوقف دائرة رسمية تنتسب الى السلطة التنفيذية يطبق على موظفيها قانون الخدمة المدنية وقانون انضباط موظفي الدولة اي انها تنتسب الى السلطة التنفيذية وليس الى المؤسسة الدينية .
ثانيا - يلاحظ ايضا ان المتولين والنظار واصحاب الشأن لم يفصحوا عن خلافاتهم ولا يعلنوا عن نزاعاتهم ولم يأتوا على خلافاتهم على كثرتها ، وعادة ماتجري التسويات والمساومات فيما بينهم سرا ومن دون وصول علمها الى الغير ، لا بل انهم لديهم الخشية من وصول المختلف عليه هذا الى المحاكم لحسم النزاع على وفق احكام القانون خشية كشف المستور وهذا ما يفسر شحة الاحكام القضائية المتعلقة بالاوقاف التي كانت محلا للشكوى من قبل الدارسين والباحثين . وكاثر من اثار التكتم وعدم الافصاح فقد افضى ذلك الى غياب الشفافية التي شكلت سمة تملك حضورها في التعاملات الوقفية ورافقته منذ صدور التشريعات المبكرة للاوقاف في عشرينات القرن الماضي الى يومنا هذا . والحديث هنا يتعلق بالوقف الخيري والوقف المشترك لعلاقتهما بالنفع العام والاحكام المتعلقة بهما ولم تضع التشريعات – على كثرتها – مايلزم من الاحكام والضوابط للتصدي لهذا الخلل المشهود في الاداء والتطبيق .
ثالثا - واقع الحال هذا فرض الشحة في الدراسات والبحوث عن الوقف واحكامه ، اذ ان ما كتب ـ على شحتها ـ وتباعد صدورها زمنيا لم تخرج قط عن المضامين والافكار الواردة في كتاب احكام الوقف للخصاف المتوفي في سنة 261 هـ . اما الدراسات الحديثة والتي تصنف الاوقاف كنشاط للمجتمع المدني فليس لنا فيها نصيب لدرجة ان مواضيع الوقف المتعلقة بالعراق كتبها كتاب عرب في الندوة الفكرية المعنونة (نظام الوقف والمجتمع المدني في الوطن العربي) المنعقدة في بيروت اكتوبر 2001 والمنظمة من قبل الامانة العامة للاوقاف بدولة الكويت بالتعاون مع مركز دراسات الوحدة العربية شاركت فيها دراسات وبحوث من كل الدول العربية الا العراق اذ كتب عن اوقافه والاحكام المتعلقة به كتاب عرب باستثناء مقالة يتيمة كتبها الراحل الدكتور عبد العزيز الدوري عن تنمية الوقف لم ترتق الى مستوى قامته الفكرية . هذا الكسل المعرفي يقربنا من حالة التقزيم عندما ننظر الى الى المنجز المعرفي لجامعة هارفرد باعتبارها مؤسسة وقفية .هذاغيض من فيض ليس الا .
يلاحظ ايضا ان المتولين والنظار واصحاب الشأن لم يفصحوا عن خلافاتهم ولا يعلنوا عن نزاعاتهم ولم يأتوا على خلافاتهم ، لا بل انهم لم يوصلوا المختلف عليه هذا الى المحاكم لحسم النزاع على وفق احكام القانون خشية كشف المستور وهذا ما يفسر شحة الاحكام القضائية المتعلقة بالاوقاف التي تمكنت من أعاقة الجهود البحثية والدراسات ذات العلاقة بهذا الموضوع ، هذا الوضع افضى الى غياب الشفافية واصبح سمة تملك حضورها في التعاملات الوقفية منذ صدور التشريعات المبكرة للاوقاف في عشرينات القرن الماضي الى يومنا هذا .
هؤلاء ولكي يوفروا الحماية لانفسهم نشروا ثقافة انتساب الاوقاف الى تشكيلات المؤسسة الدينية وزعموا ان الوقف ينتسب الى احكام العبادات باعتباره عملا من اعمال الحسبة ومعلوم ان الحسبة وعلى وفق المفهوم الفقهي انها تصدر عن سلطة عامة باعتبارها مؤسسة رقابية تحرس حدود الدين ، في حين ان الواقع الفعلي للوقف لا يصدر عن سلطة عامة بل هو ارادة منفردة طوعية (مندوب) يتمثل في التنازل عن الملكية بالارادة الحرة لصالح النفع العام ، وهومن حيث التوصيف القانوني كالوصية والصدقة والنذر. وبهذا الوصف لايدخل ضمن احكام الحسبة لاختلاف الوظيفة ، ولا يمكن ادراجه ضمن العبادات بدليل ان تاركه لا يأثم، وتضعه الدراسات الحديثة في المنطقة الوسط بين نشاط الدولة ونشاط القطاع الخاص وهو يؤدي وظيفة اجتماعية لا تتوفر اسبابها في الحسبة واحكامها ، وقدر تعلق الامر بالتشريعات العراقية التي حسمت الامر اذ يعد الوقف دائرة رسمية تنتسب الى السلطة التنفيذية يطبق على موظفيها قانون الخدمة المدنية وقانون انضباط موظفي الدولة اي انها تنتسب الى الدولة وليس الى المؤسسة الدينية فضلا عن تخصيصاتها في الموازنة .
واقع الحال هذا فرض الشحة في الدراسات والبحوث عن الوقف واحكامه ، اذ ان ما كتب ـ على شحتها ـ وتباعد صدورها زمنيا لم تخرج قط عن المضامين والافكار الواردة في كتاب احكام الوقف للخصاف المتوفي في سنة 261 هـ . اما الدراسات الحديثة والتي تصنف الاوقاف كنشاط للمجتمع المدني فليس لنا فيها نصيب لدرجة ان مواضيع الوقف المتعلقة بالعراق كتبها كتاب عرب في الندوة الفكرية المعنونة (نظام الوقف والمجتمع المدني في الوطن العربي) المنعقدة في بيروت اكتوبر 2001 والمنظمة من قبل الامانة العامة للاوقاف بدولة الكويت بالتعاون مع مركز دراسات الوحدة العربية اشتركت فيها دراسات وبحوث من كل الدول العربية الا العراق اذ كتب عن اوقافه والاحكام المتعلقة به كتاب عرب باستثناء مقالة يتيمة كتبها الراحل الدكتور عبد العزيز الدوري عن تنمية الوقف لم ترتق الى مستوى قامته الفكرية . هذا الكسل المعرفي يقربنا من حالة التقزيم عندما ننظر الى الى المنجز المعرفي لجامعة هارفرد باعتبارها مؤسسة وقفية .
نعود الان الى مرحلة البناء المؤسسي للوقف اذ قال الاباء المؤسسون للاوقاف ان الوقف هو : (حبس العين وتسبيل المنفعة) مع التوظيف المفرط للصدقة الجارية الواردة في الحديث النبوي باعتباره عملا من اعمال البر مستعينين بحكم الاية 92 من سورة آل عمران : (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) . في ضوء هذا الفهم تناولوا الاهداف التي يقصدها الوقف نذكر منها على سبيل المثال : رعاية الفقراء والمساكين وابن السبيل والايتام والارامل وارضاع الاطفال اليتّم ورعاية النساء اللواتي طلقن او هجرن ، وانشاء دور لرعاية الشيوخ والضعفاء من الفقراء وانشاء المساجد والجوامع والانفاق على الائمة والمؤذنين والقوام . فضلا عن الدور في الحياة الثقافية كانشاء مؤسسات التعليم والكتاتيب والمساهمة في الحركة العلمية. يضاف الى ذلك اقامة المارستانات ومعالجة المرضى وتوفير الادوية والاغذية مجانا وتقديم الخدمات الطبية وغيره من الاختصاصات الاخرى التي لا تنفق عليها الدولة او ما تنفقه غير كاف فتساهم معها . بهذه التوصيفات كان البناء المؤسسي للوصف واستمرت احكامه كتنظير الى يومنا هذا .
ولكي تتمكن العين الموقوفة من اداء وظيفتها على وجه الدوام لا بد ان يكون الواقف قد اخذ بعين الاعتبار ريع الاعيان الموقوفة المفترض انها تغطي الغرض الذي انعقدت من اجله ومن خلال التكوين الاقتصادي له فأنه يجب ان يتسم بسمات اربع هي : 1 – النمو التراكمي للحجم الاجمالي للاعيان الموقوفة من العقارات المبنية والاراضي الزراعية مع الاخذ بمبدأ " التأبيد " وعدم جواز حله . 2 – تنوع اساليب الانتفاع الاقتصادي من اعيان الوقف حيث يجري التعامل في الانشطة التي يؤديها كالايجار والحكر والمزارعة والمساقاة والمغارسة . 3 – ان نمو التكوين الاقتصادي لنظام الوقف يعني نمو القطاع الاجتماعي اخذين بنظر الاعتبار ان بعض الموارد الاقتصادية في موضوع الوقف تعد خروجا من " نظام السوق " خاصة في قطاع السلع والخدمات لكون الهدف من الوقف الخيري هو توفيره مجانا او باسعار رمزية . 4 – ان تغطية تسبيل المنفعة ماديا يتخذ سبل ثلاثة : أ – وجود المال الكافي للعين الموقوفة لغطية سبيل المنفعة التي انصرفت اليها ارادة الواقف . ب – ان تستخرج من ذلك المال مبالغ محددة لعمارة العين الموقوفة بغية ديمومتها والحيلولة دون اندثارها . ج – ان يخصص من مبالغ التسبيل ايضا مبلغ من المال لتغطية اجور المتولين والنظار والقائمين على الخدمة .هذه السمات تعني قدرة الوقف على انتاج العوائد اللازمة لتغطيه الغرض الذي انشأ من اجله تسبيلا وعمارة دفعا للاندثار فضلا عن مستحقات المتولين والنظار وسواهما اي تحقيق الاكتفاء الذاتي وبخلاف ذلك يخرج الوقف عن مقاصده وتتعطل وظيفته .
يلاحظ ايضا ان المتولين والنظار واصحاب الشأن لم يفصحوا عن خلافاتهم ولا يعلنوا عن نزاعاتهم ولم يأتوا على خلافاتهم ، لا بل انهم لم يوصلوا المختلف عليه هذا الى المحاكم لحسم النزاع على وفق احكام القانون خشية كشف المستور وهذا ما يفسر شحة الاحكام القضائية المتعلقة بالاوقاف التي تمكنت من أعاقة الجهود البحثية والدراسات ذات العلاقة بهذا الموضوع ، هذا الوضع افضى الى غياب الشفافية واصبح سمة تملك حضورها في التعاملات الوقفية منذ صدور التشريعات المبكرة للاوقاف في عشرينات القرن الماضي الى يومنا هذا .
اي ان الواقف ومن خلال انصراف ارادته للوقف يدرك ان ريع العين يغطي المنفعة التي انعقد من اجلها وبخلاف ذلك يفقد الوقف اهم شروط انعقاده .
الوضع المخل لأداء الوقف وظيفته الاجتماعية كانت سببا افضى الى تورم الجهاز الاداري وتضخمه ناءت بحمله الموازنة في جانبها التشغيلي وحولها الى مجرد مؤسسة خيرية تقترب من اهداف الرعاية الاجتماعية فيتوزيع الرواتب خاصة وان ادارة الدولة تعي ان جيش الموظفين غير منتج . هنا يجب التفكير جديا بالاستفادة من هذه الطاقات المعطلة وزجها في بناء الدولة والتقيد في الوظيفة الاجتماعية للوقف من خلال تحقيق الاهداف التي انعقدت من اجلها .
جميع التعليقات 1
Ameen Hassan
منذ 5 شهور
اتمنى لكم التوفيق