طالب عبد العزيز
يبدو أنَّ فقرات عقود جولات التراخيص النفطية التي وقعها العراق مع الشركات النفطية الاجنبية لا تتضمن الكثير مما يجب أنْ توفره الشركات هذه لحماية العاملين العراقيين فيها! فهي لا تعمل بموجب القانون العراقي، إنما على وفق مصلحتها، وإلا ما معنى استمرار العمل في حرارة تتجاوز نصف درجة الغليان بعشر درجات في حقول البصرة والرميلة وغرب القرنة؟ فيما تعلن جهات عالمية عن رفع الراية البنفسجية التي تحرم العمل في الظروف بالمناطق هذه.
وواضح جداً أنَّ الجهات العراقية الفدرالية ووزارة النفط واللجان المختصة في البرلمان وكذلك لجنة النفط والغاز في المجالس المحلية غير معنيين بحياة العامل العراقي، وكثيراً ما يتظلم العاملون من تعسف مديري الشركات تلك، وتجاوزهم لوائح القانون العراقي في الاجور والطعام والخدمات، في الوقت الذي يتمتع فيه العامل الاجنبي وإنْ كان عاملا في المطبخ بافضل الاجور والخدمات. إنَّ أحاديث جانبية مع مجموعة من العاملين العراقيين في الشركات الاجنبية تكشف عن وقائع مرعبة، إْذْ أنَّ عدوى النفاق والتقرب والبذل والرشا والسمسرة والممارسات الدنيئة، غير الاخلاقية التي يمارسها بعض العراقيين بينهم، في سبيل منفعة ما انتقلت الى هناك على حساب العامل الشريف والمسكين، الذي غالباً ما يتعرض لها، صامتاً، تحت تهديد الطرد.
تشير بيانات لجنة النفط والغاز النيابية الى تجاوز عدد العمالة الاجنبية لدى الشركات النفطية حاجز الـ 100 ألف عامل، وتؤكد أيضاً على عدم التزام الشركات بتشغيل الايدي العاملة، وأنها تتلاعب بقانون تشغيل العراقيين، ويبدو أنَّ حكومة البصرة المحلية أدركت متأخرة أحوال العاملين في حقول النفط فهي (تتحدث) عن مخطط للإستغناء عن العمالة الاجنبية، التي تتحمل الدولة العراقية المبالغ الخيالية في تأمين تنقلها من المطار – مقار الشركات فضلاً عن الرواتب المرتفعة والطعام الخاص، إذ من غير المعقول أنْ تظل شركات الحماية الامنية عاملة وبهذه الكلف المرتفعة لصالح عامل خدمة صيني او باكستاني أو فلبيني؟ فيما يعامل العراقي بأسوأ المعاملات، ويحرم من أي امتياز يستحقه مع أنه العراقي وصاحب الحق في العمل والتصرف والقرار.
كانت قضية تدريب العمالة العراقية فرضاً وإلزاما على الشركات الاجنبية في مدونات فقرات جولات التراخيص، لكنَّ بعض الشركات الاجنبية تتحجج بأنَّ العامل العراقي غير متدرب!! لكننا، لم نسمع من مسؤول عراقي، شفيع أو وضيع قد فرض على الشركات تلك تطبيق الفقرات هذه، بل لم يحدث أنْ التقى مسؤول عراقيٌّ بمجموعة من العاملين العراقيين في الشركات الاجنبية وسألهم عن أحوالهم، أو استجاب لمطالبهم، حتى ليظنُّ هؤلاء بأنَّ فقرات جولات التراخيص تتضمن إذلالهم وفقرهم. ما يحدث هناك شيء ينذر بالخطر، وإذا استمر اهمال الحكومة العراقية لهذا القطاع الحيوي فسيكون وصمة عار تلحق المسؤولين فيها. في تقرير للجنة النزاهة النيابية سنة 2021 تقول بأنَّ مليار دولار سنوياً هو كلفة نقل عمال النفط الاجانب في العراق.
لا سرَّ إذا قلنا بأنَّ الكل يتحدث في البصرة وغيرها عن وجود عصابات في القطاع النفطي، ورؤوس ضخمة تفرض إراداتها على الشركات الاجنبية والحكومة العراقية ايضاً، وهناك سلطات حزبية وعشائرية تتحكم بالمشاريع الثانوية والخدمية، بل ليس سرّاً إذا سمعنا بأنَّ أيَّ عجلة أو آلية أو مجموعة عمل غير قادرة ويستحيل عليها دخول الرميلة والعمل على وفق آلية العرض والطلب والمناقصات الرسمية أبداً. إذْ أنَّ المتحكم الحزبي والعشائري هناك وحده من يسمح ولا يسمح، وليس بمستطاع الحكومة منعه، فهو يعمل بتهديد السلاح، وهو الوحيد الذي ترسو المناقصات عليه، وهو القاهر الذي يبتز الشركات الاجنبية، ويمنحها حقَّ العمل والاستمرار وعلى وفق قانونه.