اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

بعد أن أرادته نعمةً لسلطتها...

نشر في: 15 يوليو, 2024: 12:03 ص

حيدر نزار السيّد سلمان

كلّ المؤشرات تفضي أن ذكرى عاشوراء في هذا العام سيكون لها وقع مختلف على الأوليغارشية الحاكمة وعلاقاتها الاجتماعية وصورتها الشعبية، ورغم أن الخطابات العاشورائية في الأعوام العشرة الماضية كانت تكيل الذم والقدح بأركان السلطة وتعرّي فساد شخوصها وأحزابها، فإن هذه الصحوة أخذت تتصاعد بشكل مثير في هذا العام ومع بدايات شهر محرم.
في موقف دراميّ، واجه جمهورٌ كبيرٌ من المشاركين الحاضرين في طقس تبديل الراية السنوي في الصحن الحسيني، واجه كلمات المديح والإطراء والتملّق الموجّهة لِلحكومة ومجلس النواب التي خطب بها رئيس ديوان الوقف الشيعي بالمناسبة، بسيلٍ جارفٍ من الرفض والاستنكار امتدَّ بتوسّع إلى وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أظهر الملايين من المدونين والمعلّقين استهجانهم من رئيس الديوان وسخطهم من استغلاله لمراسيم إحياء الثورة الحسينية ضدّ الظلم والفساد ليمدح ممجداً بمن هم لا يقلّون فساداً وظلماً عن الذين ثار عليهم الحسينُ الشهيد. وزاد التعبير عن الغضب الجماهيري عندما وُصِفَ الماسكون بالسلطة بـ"الأمويين الجدد" في إدراك شعبي لإيجاد صلة لأحداث الحاضر وأحداث الماضي، الربط الذي يشي بانسداد العلاقة بين السلطة وقاعدتها الشعبية وإخفاق متواصل للأوليغارشية الحاكمة في مساعيها لتلطيف صورتها وتحسينها من خلال استغلال شعائر عاشوراء باستعادة هيمنتها التي تفككت وضعفت، ومن الضروري الإشارة إلى أن هذه الأوليغارشية، وفي مسعاها ونشاطها المحموم خلال أيام محرم، ترى في هذه الأيام موسماً لاستعادة الولاء الإيديولوجي وفرض نفسها كحامية للمكوّن وراعية لشعائره ومناسباته الدينية وإظهار النشاطات الشعبية الحسينية كقوة داعمة لها ودرع متين للدفاع عنها ضد الأخطار التي يحتمل أن تحدّق بها.
شكّلت الواقعة الثانية عندما قطعت قناة كربلاء مرثيةً حسينيةً كانت تُنقل بشكل حيّ عبر شاشتها يشكو فيها قارئُ المراثي مِن ظلم الأوليغارشية الحاكمة وفسادها وخداعها: (يَمهدينا الْيِحكمونه غَشّونا بغطاء الدين!)، شكّلت هذه الحادثة تصاعداً في قوّة الخطاب المعارض والتصرّف المثير للدهشة لقناة كربلاء الموصوفة بالاستقلالية والقريبة من المرجعية الدينية، لكن يبدو أنها تداركت الموقف خشية من العواقب، منها تحجيم مخصصات الحكومة للعتبات الدينية وربما لأصول علاقاتها مع القوى السياسية النافذة.
تبدو الوقائع مختلفة ومتغيّرة هذا العام، وإذا كان مستوى التذمر والرفض لسلطة الأوليغارشية محدوداً في سابق الأعوام بالإضافة عن قدرة هذه الأوليغارشية في استعادة توازنها وهيمنتها من خلال الدعم المقدم للمواكب الحسينية أو توفير كلّ ما تحتاجه هذه الشعائر من دعم أمني ومالي، فإن ما يحدث هذا العام مختلف طبقاً للمؤشرات الأولية عن سير الشعائر الحسينية وخطابها وطبيعتها، إذ باتت أصوات قرّاء المراثي وخطباء المنابر تصدح بالنقد الشديد للسلطة والفساد وإهمال الخدمات وانعدام العدالة وإغفال الطبقات الاجتماعية الأكثر فقراً وذمّ التسلط والترف المالي والسلطوي والثراء الجديد لأفراد الأوليغارشية وسلوكياتهم وارتباطاتهم الخارجية المشبوهة. ومن الملاحظ أن الجمهور يكون أكثر تفاعلاً وحضوراً عند قراء المراثي وخطباء المنابر المنددين بالفساد وسوء الأوضاع العامة، ويظهر التفاعل بشكل لافت في الإعادات الكثيرة لما يتحدثون به من خلال مشاركته على صفحاتهم بمواقع التواصل. وفي المقابل ينفض الجمهور عن الخطيب وقارئ المراثي المجامِل للسلطة أو الساكت عما يحصل في البلد. وإذا كان مدى التأثير في السنوات السابقة محدوداً من ناحية الجمهور فإن الحال قد تغير بزيادة كبيرة في حجم الجمهور المتأثّر بالخطاب الثوري، وهذا ما يمكن ملاحظته في المشاركات الواسعة والحضور الكثيف وما يدور من أحاديث حول قوة المضمون لهذه المرثية أو تلك.
تمثل الحالة العاشورائية الراهنة ضعفاً أو عدم الإذعان الذي يزداد اتساعاً عند قطاعات شعبية كبيرة وهو بالاتجاه المعاكس لإرادة السلطويين في استعادة مكانتهم خلال هذه الأيام، وبيان قوة عقيدتهم الدينية للجمهور الذي أصبح أكثر وعياً وإدراكاً في التمييز بين الادعاءات والوقائع الصادمة. ويمكن الإشارة إلى الدور الذي تؤديه جماهير التيار الصدري في عملية التحريض والتحشيد ضد الأوليغارشية الحاكمة واستجابة هذا التيار لوصية زعيمه مقتدى الصدر بـ"لعن الفاسدين".
إن حالةَ عدم الإذعان ورفض القبول بالهيمنة السلطوية بوساطة استغلال المشاعر والعواطف والتحشيد الطائفي عبر جيوش إلكترونية وناشطي السلطة تمثل تحولاً في المزاج العام وفصل السلطة عن عقائد الناس الدينية والوقوف بوجه محاولات استغلال هذه العقيدة بغية استمرار التسلط والاستغلال؛ ولعلّ أوضح ما يتبين في هذا الجانب الدعوات لمنع الشخصيات الحكومية والحزبية من حضور مجالس عاشوراء وعدم الانسياق خلف الخطابات الطائفية الهادفة لتمزيق الوحدة المجتمعية وإدامة السيطرة والتسلط.
من نافل القول أنَّ الخطاب الحسيني العاشورائي مثَّل وسيلةً ناجحة للتعبئة والتحشيد والترويج لقضايا سياسية واجتماعية. على سبيل المثال كان لهذا الخطاب أثره الأشد فعالية في تحشيد علماء الدين والمثقفين الإيرانيين بتنوع إيديولوجياتهم للشعب الإيراني ضد الشاه محمد رضا بهلوي وإظهاره كعدو للدين والناس وكتجسيد للأمويين قتلة الإمام الحسين، إذ ألهب هذا الخطاب مشاعر الإيرانيين وأوقد شعلةَ الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩، وهذا ما يمكن ملاحظته في خطاب عاشوراء ودقّ أسفين بين السلطة من جهة والجمهور وعقيدته من جهة أخرى، حتى باتت تسمية "الأمويين" التي تطلق على أهل الحكم جزءاً من هذا الخطاب. وعلى سبيل المثال ما ردده قارئُ مراثٍ مع حشد كبير من الناس هذه المرثية، وهي واحدة من عشرات المراثي الناقدة بقسوة للأوليغارشية الحاكمة:
"يا حيدر واحد واحد تعرفها
چفّ ابْليس هواي أنظف مِن چَفها
حِجاج صارت كِلمَن مالاته
والبوك باسْم الدين شْمحلاته".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

320 شهيداً ومصاباً "حرقاً" خلال 48 ساعة بأسلحة "محرمة دولياً" في غزة

الانبار.. قوات الحدود تطيح بمتهم بحوزته عشرة آلاف حبة مخدرة

التنسيقي يعلق على تعيين عُماني كمبعوث جديد لـ"يونامي" في العراق

الديوانية تعطل الدوام الرسمي يوم الخميس المقبل

برشلونة يتلقى ضربة قوية ويفقد نجمه 4 أشهر

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

إنهيار اليوتوبيا الأمريكية في العراق

العمودالثامن: مرجان أحمد مرجان يطارد فلاح حسن

عن النقابات واخواتها سبيلا

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

 علي حسين لا تزال الناس تذكر زهد ونزاهة عبد الكريم قاسم، ولا يزال كبار السن يتحدثون عن الرجل الذي لم يكن يحمل في جيبه أكثر من خمسة دنانير، ربما سيقول البعض إن عبد...
علي حسين

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

حيدر نزار السيّد سلمان كلّ المؤشرات تفضي أن ذكرى عاشوراء في هذا العام سيكون لها وقع مختلف على الأوليغارشية الحاكمة وعلاقاتها الاجتماعية وصورتها الشعبية، ورغم أن الخطابات العاشورائية في الأعوام العشرة الماضية كانت تكيل...
حيدر نزار السيد سلمان

علي الوردي..في ذكرى رحيله

د. قاسم حسين صالح في (13 تموز 1995) خسر العراق والعالم العربي عالم اجتماع كبير هو الدكتور علي الوردي،الذي تجاوز تأثيره حدود النخبة الى الناس العاديين،وتعدت شهرته حدود الوطن والعرب الى العالمية،يكفينا ان نستشهد...
د.قاسم حسين صالح

باليت المدى: الهيبة والجمال

 ستار كاووش إبتعدَ النحت الذي يمثل رجال المقاومة الفرنسية خلفي، وأنا أخطو بهدوء بين أروقة متحف قصر الفنون بمدينة ليل، فإخترتُ مكاناً هادئاً في صالة تعرضَ فيلماً وثائقياً نادراً عن مونيه الذي تابعته...
ستار كاووش
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram