اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

نشر في: 15 يوليو, 2024: 12:03 ص

ثائر صالح
يعود الفنان عباس الكاظم (1954) بعد ثلاثة وثلاثين سنة إلى موقع أول معرض أقامه في الدنمارك سنة 1991، وهو جناح القصر الملكي في مدينة روسكيلده العاصمة الدنماركية القديمة. واختيار هذا المكان لمعرضه الأخير «خطوات يقظة» الذي أقيم بين 25 أيار - 23 حزيران الماضي، ليس اعتباطاً. فقد شهد معرضه الأول في 1991 نجاحا كبيراً عزز من موقعه كفنان طليعي في الدنمارك، وها هو الآن يقدم حصيلة العقود الثلاثة المنقضية منذ المعرض الأول.
افتتحت المعرض السيدة آني لاف نيلسن المديرة السابقة لمتحف ومدرسة فنون هيروب والمستشارة الثقافية لبلدية رودوڤر في العاصمة كوبنهاغن حالياً، وهي متخصصة بالفنون والثقافة البصرية. أثنت نيلسن على مسيرة الكاظم الفنية وتعاونهما المديد ودوره البارز في عملية التربية التي خصّ المتحف بها طلبة المدرسة وعلى الخصوص الأطفال الذين أخذهم الفنان إلى عوالم الحضارات العظيمة والمدهشة.
اختتمت نيلسن كلمتها قائلة: لذلك عندما تشاهدون المعرض اليوم، وتشاهدون التركيب، وتشاهدون كامل شياع، وتشاهدون أعمال عباس الكاظم الفنية فإنكم تلتزمون. نحن ملتزمون
بأن نتذكر،
وبأن نفكر بحرية،
ونفتخر بحرية الرؤية.
الخطوات اليقظة التي يخطوها عباس الكاظم هي مسارٍ واعٍ غير تقليدي في الفن التشكيلي. فهو يتجاوز الأطر المعتادة للفن من شكل ولون وأبعاد وتقنية ووسائط إلى ما هو أبعد من خلال التعبير عن خطاب معرفي محدد بوسائل غير تقليدية مثل الفوتوغراف والفيديو والرقص والموسيقى أو أي واسطة غيرها، دون أن يلزم نفسه بقيود أسلوبية أو بصمة فنية شخصية. فالتعبير عن الفكرة ذاتها هو الأساس، مثلما عبر عن فكرته "بقايا وطن" باستعمال رمال وسرير قديم ومرآة ليسمو في بينالي القاهرة 1998 ويفوز بجائزتين: الأولى للبيينالي وجائزة اليونسكو من أجل تقدم الفن.
توزع نتاج عباس الكاظم الفني الذي غطى ما يزيد عن ثلاثة عقود من الجهد على أربع صالات، تميز أسلوب العرض فيها بطريقة هي أقرب إلى العمل الفني بحد ذاته.
"عندما تبدأ الأشياء" في الصالة الأولى، يتميز الجدار بتشكيل متسق من خمسة وخمسين لوحة زيتية أكريل على القماش بأبعاد 40 × 40 سم. اللوحات الخمسون تعكس الأسلوب المفضل الذي يستعمله الكاظم بتقنية الأكريل: مهرجان يحتفل باللون والشكل والكُتل التجريدية والرمزية، بشرية وغيرها، كأنها تؤلف فنتازيا وفوغا من مؤلفات باخ، تجمع بين نقيضي حرية اللون والشكل من جهة، وقيود الهارموني الصارمة من جهة ثانية في آن.
بزوغ وسقوط الحضارة هما اللوحتان الأكبر في المعرض بأبعاد 350 × 180 سم بالأكريل على القماش، تملآن القاعة الثانية. والحضارة هنا ليست استعلاء، بل صيرورة التاريخ فالحضارة تنشأ على تربة الحضارة التي تسبقها، وتمضي لتتبعها الحضارة التالية. ألوان بزوغ الحضارة متسقة ومتجانسة أشكالها تموج بالتفاعل الداخلي، بينما تنهار الحضارة على شكل كتل لونية متميزة ومنفصلة تكاد تكون وحيدة اللون وخالية من التفاصيل.
نرى في القاعة الثالثة التركيب الذي شكل حيزاً مهماً من المعرض الحالي هو مشروعه الضخم "المثقف الحرُّ يرى"، وصفته نيلسن بأنه "قلب المعرض. قلب كبير ينبض ولا يهدأ". يكمن عمقه في الفكرة التي يريد إيصالها بالتركيز على بورتريه للمثقف الراحل كامل شياع (1954 - 2008) الذي اغتيل في بغداد وهو يعدّل من وضع نظارته، وتحويله إلى عمل فني عبر اختيار 98 صورة لمثقفين عراقيين وعرب ودنماركيين وهم يعدّلون من نظّاراتهم بنفس الطريقة ليصبحوا جزءاً من خطاب الكاظم. علاقة عباس الكاظم بكامل شياع قديمة، تعززت في الثمانينات والتسعينات خلال العمل المشترك متنوع الأشكال الثقافية والسياسية المعارضة لدكتاتورية صدام.
تواجه على الحائط المقابل لجدارية للمثقفين شاشة تبث مقابلة فيديو أجراها معه عباس الكاظم بعد هزّة 2003. يقول كامل شياع في التسجيل "كانت تجربة المنفى بالنسبة للمثقفين العراقيين تجربة أليمة لكنها أيضاً تجربة انفتاح على العالم، تجربة تطوير الرؤيا، تجربة البحث عن تجارب جديدة وارتياد تجارب جديدة، تجربة إبداع، تجربة تحرر من قيود كثيرة، تجربة نقد السلطة وتجاوزها، تجربة انفتاح على الثقافات والتعرف عليها، تجربة البحث في آفاق جديدة للوعي، للكتابة، للمخيلة للإدراك". هنا يلتقط الكاظم جوهر الأمر: الرؤيا وهي محور عمله الفني هذا!
كان كامل شياع على بيّنة من الثمن الذي قد يدفعه لقاء إصراره على وضع كل تجربته في خدمة تطوير ثقافة ما بعد الدكتاتورية "أنت تذهب إلى الحياة كمغامر ولكنك تواجه الموت يومياً، تواجهه يومياً بالفعل، وتدرك أن معنى حياتك يكمن تماماً في هذه النقطة الحرجة، النقطة التي تلتقي فيها حدود الموت مع حدود الحياة". ويقول: "العيش في بلد مثل العراق بالنسبة لي، هو قبول الخطورة، قبول الإحتمالات الأصعب، وربما هو قبول الموت كبديهية من بديهيات الحياة. لا أزعم أنني لا أخاف من الموت، حينما أخترت أن أقيم في العراق، ولا أزعم أيضاً أنني قادر أن أضع حداً لخوفي من الموت، عندما قررت أن أقيم في العراق وأن أعمل فيه منذ عامين، ولكنني أيضاً أدرك أن هذا الخوف ينبغي أن لا يتحول إلى هاجس يمنعني من أن أواصل الحياة كما ينبغي".
ذكر عباس الكاظم في مقابلة بمناسبة المعرض أجراه معه تلفزيون المدينة: (هوًلاء المفكرين الأحرار إذا لم نجد لهم مكان في عجلة الثقافة وبيننا ليساهموا في تدوير عجلة الثقافة سوف لن نضمن مستقبل أطفالنا).
القاعة الرابعة هي انطواء على الذات، انفجار العواطف والأحاسيس الداخلية وانعكاسها الرقيق على الورق بتقنية الأكواريل. ولدت عندما تفاجأ الفنان بتقطيع أوصال أشجار أليفة لديه تقع على ساحل البحيرة التي يسكن عندها واعتاد التريض على ساحلها. قطعوها كلها بشكل هستيري وتركوا الجذوع على الأرض مع الأغصان وأوراق الشجر. تحدث الكاظم مع أحد الأشخاص الذين يسكنون المنطقة فذهب هو بنفسه إلى أصحاب الشأن. تبين أن واحدة من هذه الأشجار، اثنتان أو ثلاثة فقط كان يجب ان تقطع، لكن العمال وصلهم تبليغ بقطعها كلها ففعلوا. يقول الكاظم: "المشكلة أن ادارة البلدية لا تريد ان تفتح تحقيقاً بالموضوع، واعتبرت الأمر شيئاً ممكن الحدوث. لكن كيف يمكن السكوت على هذه المجزرة؟ هنا تأتي الفوضى التي يرافقها انعدام التنسيق وبالتالي الشعور بالمسؤولية. هنا تنتهي أشكال الحضارة وتبدأ البدائية المتوحشة. لذلك ذهبت إلى المكان عدة ايام وانا ارسم بألم ما تبقى من آثار هذه المجزرة وكأني أرى كيف استباح الأوغاد بلداناً وحضارات وأبادوا السكان الأصليين واستعبدوا البشر بطرق قذرة".
غمس الكاظم الفرشاة بالألم الذي اعتراه لمرأى الأشجار القتيلة، سكب كل ألمه في هذه اللوحات الثمان ليوثق هذه المجزرة لتكون شاهداً فعلياً على ملحمة نشوء الحضارة وسقوطها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. عبدالله طاهر

    منذ 1 يوم

    شكرا لهذه المتابعة التشكيلية تحية من أمستردام للفنان التشكيلي المبدع عباس الكاطم

يحدث الآن

320 شهيداً ومصاباً "حرقاً" خلال 48 ساعة بأسلحة "محرمة دولياً" في غزة

الانبار.. قوات الحدود تطيح بمتهم بحوزته عشرة آلاف حبة مخدرة

التنسيقي يعلق على تعيين عُماني كمبعوث جديد لـ"يونامي" في العراق

الديوانية تعطل الدوام الرسمي يوم الخميس المقبل

برشلونة يتلقى ضربة قوية ويفقد نجمه 4 أشهر

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

التقدم والنمو في قرننا الحادي والعشرين

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

نص: في هذه العزلة المرّة

مقالات ذات صلة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك
عام

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

ثائر صالحيعود الفنان عباس الكاظم (1954) بعد ثلاثة وثلاثين سنة إلى موقع أول معرض أقامه في الدنمارك سنة 1991، وهو جناح القصر الملكي في مدينة روسكيلده العاصمة الدنماركية القديمة. واختيار هذا المكان لمعرضه الأخير...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram